بمجرد وصول الجنرال دماد إلى الدار البيضاء يوم 5 يناير 1908 خلفا للجنرال درود انطلقت عمليات الغزو الإبادية بعدما استجابت الحكومة إلى طلب رفع عدد الجنود المحاربة على هذه الجبهة من 7000 إلى 10000 إلى 14000 حسب ما جاء في كتاب “العمليات العسكرية” الصادر عن مصلحة أركان الحرب الفرنسية سنة 1931 -انظر في ندوة المقاومة المسلحة المغربية 1900-1948 وما بعدها ترجمة حمد زنيبر .
في نفس الوقت التي كانت تدور فيه معارك على الجبهة الشرقية بقيادة الجنرال فيجي كما سنرى لاحقا؛ فابتداءا من 10 يناير 1908 بدأ احتلال قصبة فضالة التي أطلقت عليها المصادر الفرنسية “عش القراصنة” الموجودة شمال الدار البيضاء، انطلاقا من الجهة البحرية حيث كانت البواخر الفرنسية تقنبلها وفي نفس اليوم أبرق المكلف بالأعمال القنصلية بطنجة إلى وزارة الخارجية بالبرقية التالية:
قنصلنا بالبيضاء كتب بأن عملنا بمديونة لم يفلح في تأديب الشاوية رغم أن هناك من جاء إلى القنصلية طلبا للأمان؛ مما يجعل عصابات ولد مولاي رشيد قائد الثوار يمسكون بهم ويقتلونهم، لذلك نرى من اللازم تحريك قواتنا للقيام بعمليات واسعة في محيط الإقليم مع العلم أن الجنرال دماد مع هذا الرأي يساند أولير.
وفي 12 يناير 1908 جاء الرد للجنرال دماد من وزير الحرب يقول:
احتل بالقوة بوزنيقة أو الصخيرات وتهيّأ للتقدم نحو الرباط حتى يتسنى إخلاء المعمرين الأوربيين بها عن طريق البر وقت الحاجة. وعليك الاتصال بقنصلنا “لاراش” -هناك- عند الضرورة.
وفي نفس التاريخ أي 1908
جاءت من وزير الحرب إلى دماد برقية أخرى جاء فيها:
عليك إتمام النتائج المحصل عليها من آخر العمليات المنجزة في الشاوية، وأن تضمن تنفيذ اتفاق الهدنة الموقع منذ ثلاثة أشهر من طرف النواحي وتعمل على أدائها تعويض المليونين ونصف المفروضة على النواحي المقاومة سواء طالت المدة أو قصرت وذلك بقوة السلاح.
من جهة أخرى عليك أن تتجاوز في أقرب وقت ممكن المدى المحدد للعمليات لضمان أمن المواصلات في اتجاه مازاكان -الجديدة- وخاصة الرباط، مع الحرص على الاتصال بي من هذا اليوم.
و قد فعل الجنرال أكثر من المطلوب حقا، ففي 11 يناير استولى على بوزنيقة في اتجاه الرباط، ولما وصله الأمر باحتلالها توغل شمالا 5 كلم ليقترب من الرباط بشكل أحسن. وفي 12 منه أرسل كتيبة للاستيلاء على دار برشيد على بعد 37 كلم من الدار البيضاء سارت نحوها حوالي 25 ساعة دون توقف حيث قطعت الطريق.
وفي 15 يناير تحرك الجنرال دماد بأربعة كتائب وثلاث كوكبات وبطارية 75 في استعراض تحدي للقوة قرب سطات لمواجهة محلة مولاي رشيد المدعمة بالشاوية، وبعد معركة عنيفة احتلت فيها المدينة وأبيد المعسكر المغربي.
ومن الذين استشهدوا في المعركة القرشي بن الرغاي أحد زعماء الشاوية الخديمي (التدخل الأجنبي ص 332)، و سقط للفرنسيين ضابط برتبة ليوناه و20 جنديا.
ويقول المصدر الفرنسي بأن هذه المعركة كان لها وقع كبير في البلاد التي عمم فيها المولى مولاي عبد الحفيظ إعلان الحرب المقدسة على القوات الفرنسية حيث كانت. (افريقيا الفرنسية 1908 ص37).
وقد كتب دماد إلى وزير الحرب الفرنسية البرقية التالية (برشيد 14 يناير 1908):
تمركزت القوات في برشيد حيث بدأت في تهيئ الدفاعات من خلال الدمار المتخلف عن القصف، وذلك لإقامة مراكز للحماية والتهدئة.
ظهر خاضعون ومستسلمون جدد، لكن النواحي المتمردة رحلت فجأة عن أراضيها. اليوم في إحدى العمليات أوقفت القائد ولد الحاج حمو المسؤول الأول عن مجزرة يوليوز 1906 بالدار البيضاء.
وقبل يوم 13 يناير 1908 وزعت رسالة من رئيس الوزراء الفرنسي “كليمونصو” على ممثلي الديبلوماسية الفرنسية بمدريد وطنجة جاء فيها: الحكومة قررت الآن إرسال 11 باخرة حربية إلى السواحل المغربية يعني:
6 ترسو أمام الموانئ، و3 للاتصالات، و2 احتياطي، الباقي مختلف.
الجنرال دماد تلقى أمرا بإعداد خطة ببوزنيقة لمواجهة إخلاء المعمرين الأوروبيين بالرباط إذا ما أرغموا على الجلاء عن تلك المدينة (انتهاء بالنسبة لمدريد).
السيد كيار أخبر المخزن بهذا القرار، وكلف السيد “لاراش” بتحمل مسؤولية المعمرين في حالة المغادرة.
وعن احتلال سطات جاء في برقية دماد إلى وزير الحرب (برشيد 15 يناير 1908):
تحركت القوات ليلا من برشيد يوم 14 لقطع 28 كلم لقتال المحلة الحفيظية بقيادة ولد مولاي رشيد بمساعدة قبائل الشاوية المشاركة في أحداث الدار البيضاء.
بعد قضائها الليل كله سيرا مكونة من أربع كتائب وثلاث كوكبات وبطارية 75 انخرطت في المعركة على الساعة 8 صباحا ودامت المعارك إلى منتصف النهار حيث تم احتلال سطات ونتج عنها 15 جريحا.
وعن ذلك بعث القنصل الفرنسي بطنجة سانت أولير إلى وزير الخارجية ما يلي (طنجة 17 يناير 1908):
توصلت بالمعلومات التالية التي لم تتحدث عنها قواتنا عندما خرجت من برشيد قام أولاد حريزالخاضعين بذبح الثيران أمام الجنرال دماد. وقد ألقى القبض على قائدهم ولد الحاج حمو المحرض على مجزرة الدار البضاء ببرشيد، وكذا اثنان آخران قياديان في تلك الأحداث هما الحاج سليمان ولد اليوبر والحاج حسين، ألقي عليهما القبض بميديونة، وهما اللذان ركبا حصانيهما إبانها وقادا الثوار الذين قتلوا عمال الميناء. ثم حموا البراحين الذين كانوا يدعون إلى الحرب المقدسة -الجهاد- في أزقة المدينة أيضا.
جديد هذه الاعتقالات أنها تركت انطباعا جيدا لدا المعمرين الأجانب والمسؤولين المغاربة بالبيضاء.
انظر الرسائل: documents diplomatiques 1908/affaire du maroc