حال المغرب في لسان المغرب الأستاذ إدريس كرم

العدد 8 بتاريخ 14 صفر 1325هـ/الموافق 29/03/1907.

مقتل الطبيب موشان
“الحادث الذي سيكون له ما بعده، وسيكون سببا لاحتلال وجدة، والإطاحة بمولاي عبد العزيز”.
* ماجريات الأسبوع:
وصلنا بريد مراكش في هذا الأسبوع حاملا ما كدَّر صفاء السياسة وأقلق السكون ورسم علامات الأسف على أسرّة وجوه الجميع وطنيين كان أم أوربيين، في حين كنا نتوقع تحسن الأحوال وإجراء شؤون الإصلاح في مجاري النجاح.
والسبب أن بعضا من همج مراكش ورعاعها تجمهروا صباح الثلاثاء الماضي (4 صفر) حول الصيدلية الفرنسوية لداعي أنه رفع عليها علم أبيض علامة للمعالجة المجانية -وقيل أحمر- وبما أن رفع الألوية الغربية غير عادي في تلك المدينة قد أحدث ذلك استياء في قلوب العامة، فلما وقف رئيس الصيدلية الدكتور “موشان” في بابه ليسأل عن الخبر ابتدره أحدهم بضربة على رأسه وطعنه غيره بمدية مرارا، فوقع الدكتور قتيلا لحينه.
ثم تجمع بعض هؤلاء قبالة محل قنصلية انكلترا لقصد سيء أيضا، فما كان من “مستر لينكون” قنصل هذه الدولة إلا وأوصد بابه سريعا ثم أطلق بعض طلقات نارية من النوافذ على الجمهور، فقتل واحدا وجرح اثنين.
وما بلغ الأمر إلى مسامع سمو مولاي عبد الحفيظ صنو الجلالة السلطانية إلا وأرسل في الحال فرقة من الجنود إلى محل الواقعة، فألقي القبض على كثير من الجناة، وبدّد الجمع المتجمهر ونشرت القوات العسكرية في أنحاء داخل المدينة وخارجها..
الدكتور “موشان”
ولد الدكتور موشان في (شارولاي) من أعمال فرنسا، ووالده من أعيان تلك الجهات ومن ذوي الأملاك، وهو رئيس بلدية مقاطعة “سارن ولوار”، وكان الدكتور في أوائل سنيه قد بلغ في العلم فأرسل إلى باريس للإتمام دروسه ولزم مستشفياتها فامتاز بطب أمراض الأطفال ثم دخل مستشفى بستور الشهير.
وبعد ذلك سافر إلى الشرق بصفة طبيب في مستشفى أورشليم ومن هناك تعين طبيبا في بيروت فعرف فيها بسعة المعرفة المقرونة بجميع المزايا وحب الإنسانية، فاكتسب بذلك اعتبار الجميع.
ولما كان هواء البلاد غير ملائم لصحته أرسل إلى مراكش وذلك من نحو ثلاثة أعوام لتأسيس المستشفى فيها، فنجح في هذا المشروع حتى بلغ عدد المستفيدين من المرضى في المدة الأخيرة نحو مائة وخمسين يوميا. وصباح الثلاثاء ذهب كما ذكرنا فقيدا لم يتجاوز السادسة والثلاثين ربيعا.
*****
إذا بحثنا عن بواعث هذه الحركة التي حصلت وتأليب الكثير من العامة على فرد رفع علما أبيض أو أحمر أو غير ذلك من الأسباب التي لا تقوم عذرا لاجترام هذه الفظيعة والتهوّر في مهواة عاقبتها… فلا ريب أن الذنب ذنب الجهل وليس إلا… نقول الذنب ذنب الجهل ولا نعني أن نتخذ الجهل لهم شفيعا، بل بالعكس نرى ويرى معنا كل عاقل وطني في المغرب أنه يقتضي أن يعاقب المجرمون أشد وأعظم عقاب تسكينا للخواطر وغيرة للغير… (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدى الحادث
اجتمعت جميع الوزراء في قصر الإليزي تحت رئاسة حضرة “ميسيو فاليير” رئيس الجمهورية الفرنسوية وذلك لينظروا فيما يقتضي إجراؤه بخصوص مقتل الدكتور “موشان”، فقرروا وجوب طلب التعويضات اللازمة عن هذا القتل مع تسوية كل المسائل القديمة والمشاكل التي لم تزل متوقفة.
ثم قروا أن يحتلوا وجدة وأن لا ينجلوا عنها إلا بعد الحصول على جميع التعويضات المطلوبة.
قد بلغت الحكومة الفرنسوية إلى الدول الأوربية بواسطة سفرائها أنها أزمعت أن تحتل وجدة مؤقتا.
أرسلت الحكومة الفرنسوية إلى مياه طنجة الطرادة المدرسة “جان دارك” والطرادة “لالاند” وكلتا البارجتين حاملتان معدات حربية ومستعدتان للحلول إذا اقتضى الحال.
وستأخذ هاتان البارجتان تعليمات الإجراء عند وصولها إلى طنجة.
*****
أرسلت الحكومة إشعارا إلى حكومات الدول بواسطة وكلائها في عواصم أوربا تخبرهم فيه عما نوت أن تعمله في مراكش.
*****
من جملة الأمور التي تطالبها فرنسا عقاب قتلة “موشان” وأداء التعويض وتخصيص مبلغ كبير من المال لإنشاء عمل خيري فرنسي بمراكش.
*****
اتفقت الوزراء على احتلال وجدة لأن جانب المخزن أبى تنفيذ الاتفاقات المبرمة سنة 1901 و1902 مع الحكومة الفرنسوية، ولا يكون الانجلاء عنها إلا بعد إعطاء الترضية التامة عن مطالب فرنسا.
*****
حصلت مذاكرة طويلة في مدريد بين وزيري البحرية والحربية الاسبانية فيما يجب إجراؤه في الظروف الحاضرة، وعلى إثر ذلك أرسلت تعليمات خصوصية للأسطول في “قادس” أن يكون متهيئا للسفر إلى طنجة بدون تأخر عند الاقتضاء.
وصلت البارجتان الفرنسويتان إلى طنجة.
قررت الحكومة الفرنسوية أيضا أن تطلب عزل الحاج عبد السلام حاكم مراكش والحجر عليه لأن رسوله الذي كان يرافق الدكتور حين القتل لم يهتم بمنع الجناية.
ثم قررت وجوب طلب تنفيذ مطالبها حالا.
*****
الجزائر من (سيدي بلعباس) أعطى الجنرال “ليوتاي” أمرا بإرسال مائة خيال إلى وجدة، وتوجّه هؤلاء مساء الأربعاء إلى مغنية مع بقية الجنود ويزحفون على وجدة في 29 الجاري أي اليوم.
مغنية: وصلت إلى هنا الإرسالية الفرنسوية وهي مؤلفة من القبطان “موجين” وستة عشر رجلا، وعند وصولهم انضم إليها بعض الأوربييين القاطنين وجدة..
والجنود الشريفة اليوم هناك قليلة فلا يظن أنهم يتجاوزون المائتين جنديا مع أنهم كانوا قبلا نحو ألف وخمسمائة نفر.
الجنرال “فيجي” هو الذي يقود جيش الاحتلال تحت …. الجنرال “ليوطي”.
من طولون: تهيأت الباخرة “نيف” للسفر استدراكا للحوادث.

مأتم الدكتور “موشان”
إن الطرادة “لالاند” تبارح الثغر (طنجة) قريبا إلى الجديدة لتأتي بجثة الدكتور ويقام له مأتم حافل في طنجة ومن هنا ترسل إلى مسقط رأسه فرنسا. وسيحضر الدفن “ميسيو بيشون” وزير الخارجية آخر ساعة.
احتلت وجدة اليوم في الساعة 10 صباحا بدون قتال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ملاحظة من المقدم: يلاحظ أن الطبيب القتيل أمضى بمراكش ثلاث سنوات لم يتعرض له أحد بسوء، لا شخصيا ولا مهنيا إلى أن أقدم على فعل ما فعل، فلقي ذلك الجزاء، كما أن قنصل النكليز الذي قتل واحدا أو اثنين وجرح آخرين لم يتحدث عنه ولا طولب بدم أو اتخذ في حقه إجراء ما، مما يدل على أن ما ترتب عن قتل الطبيب لم يكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، وذلك ما تبرره تعاليق الصحف الأوربية التي وصفتها الجريدة بقولها: وإذا تأملنا الجرائد الأوربية وآراءها في الحادث قلما نرى واحدة منها نزّهت النفس عن الهوى في إبداء الرأي وعزو الأسباب،، فمنها من يقول هو التعصب الذميم الشامل الجميع،، وغيرها تنسب الحادث إلى تواطئ عام، وبغض للأوربيين، وأخرى لا تنزه المخزن..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *