ثورة القبائل سياسية وليست تمردية

دأب المتحدثون عن مقاومة الغزو الفرنسي والإسباني للمغرب، على أنه فوضى وسيبة لقبائل نهابة، وفي أحسن الأحوال مناهضة للحكم المزري، ودفاعا عن استقلالها، بيد أن التمحيص والبحث في الامتدادات والوقائع والمآلات لا يسعف أصحاب هذا الطرح، سواء على مستوى العلاقات أو على مستوى الولاءات والتحالفات، وفي رسالة “كيار” قنصل فرنسا بفاس، ما يبين ذلك.
جاء في رسالة منه إلى الوزير المكلف بالشؤون الفرنسية بطنجة، ما يلي:
“فاس 28 فبراير 1911:
أخبرك بأن المحلة المخصصة للعمل ضد اشراردة خرجت إلى هناك أمس، جميع القبائل الموجودة غرب وشمال فاس، أي بني امطير كروان، بني احسن، اتفقوا على مقاومة المخزن، أو بالتدقيق لكلاوي المستهدف بالضبط منها.
هذه القبائل عازمة على السماح للقوافل بالمرور، وكذلك البريد، وهي تبين أنها لا تهدف إلى زرع الاضطراب في البلاد، ولكنها ضد سياسة لكلاوي الضريبية.
في هذا الوضع، أخبرك بأن قائد بعثتنا متفق معنا، بحيث توجه بالأمس عند الوزير الكبير لكلاوي، للتباحث معه حول المعلومات السابقة، ونصحه بالاقتصار على منع الفوضى على مقربة من أي ثكنة، والدخول إلى فاس بمجرد ما أولاد ادليم وجيرانهم يعلنون خضوعهم، باعتبار أن اشراردة هم المسؤولون عن إثارة الفوضى بسبب فرض المخزن ضرائب ثقيلة عليهم، وهم المعفون عادة من التكاليف المالية التي فرضها لكلاوي عليهم، وإذا ما اتحدت معهم القبائل ضد المحلة فستجعلها في خطر.
لقد بعث الطابور المكون مؤخرا مع مدربيه الفرنسيين، ونحن قلقون على المدربين، وسبب القلق هو أنه في الساعة الحاضرة رفض الجنود مرافقتهم لهم، لأنهم سقطوا في هذيان الماضي “بعدم الخضوع للأجانب”، مولاي حفيظ في الواقع طوعا أو كرها يوجد تحت هيمنة وزيره الكبير، قائد بعثتنا العسكرية تدخل بحكمة بالغة بين اشراردة والمخزن، جعلهم يستمعون إلى مقترحاته ومساعيه المبذولة من أجل الوصول إلى خضوع أولاد ادليم، وأعتقد أن “منجان” سيوقف عملياته، ويعود إلى فاس، من أجل إقناع السلطان بعدم دفع قواته إلى الأمام، لئلا يثير قبائل أخرى ضده، وتجنب معاقبة اشراردة وحلفائها على مقاومته، من جهتي نصحته بالحذر، فالوضع سيء، أما أنا، فأدعم بقوة تحرك قائد بعثتنا العسكرية” رقم: 86، ص: 119.
وفي رسالة من “دوبليي” إلى وزير الخارجية الفرنسي، من طنجة بتاريخ 20 فبراير 1911، جاء فيها:
“أبعث لكم بتقرير “كيار” حول موضوع الميزانية العسكرية والأشغال العامة:
ملحق من “كيار” إلى “دوبليي”، فاس 14 فبراير 1911:
توصل السلطان من الحاج محمد المقري برسالة بخصوص مقترحات “منجان” الخاصة بإنشاء الميزانية العسكرية، ومناقشة حصة الأشغال العمومية، لكن ما يقلق هو ضعف ميزانية القوات التي لا تكفي إلا لـ 5000 نفر، وهو حامية فاس، يبقى مكناس والقصر يتطلبان حوالي 10000 رجل، مولاي حفيظ لا يجهل أن الجنود يتطلبون تدريبا جيدا، لكن بالرغم من كل شيء هنالك مسألة العدد المطلوب لمفاجأة القبائل.
إذا ما أراد المخزن الإبقاء على العدد الكافي من الجند لحماية العاصمة، فإنه سيخرج في حركة تعدادها 1500 أو 2000 عسكري، يمكن أن توقف من طرف قوة كبرى من القبائل المقاومة كما حدث لنا بتادلة، أخيرا فإن تنظيم الجيش لن يتم إلا إذا وقع إصلاح إداري ومالي في البلاد، وانطلق من النواحي الخاضعة.
السلطان صرح بتصميمه على مباشرة الإصلاح، لكن يرى أنه يجب أن يكون تدريجيا، حتى لا يخل بالواجب الذي يؤمن رواتب الإداريين، أجبت بأن ذلك ما يظهر لي أيضا، لكن مع الأسف الواجب المالي الذي نريد ليس متخيلات، بل هو الحد الأدنى لتموين قوات لمدة شهر على الأقل” رقم: 29، ص: 120.
وفي 16 فبراير1911، بعث وزير الخارجية إلى سفيره بطنجة، يخبره بأن “وزير الحرب أبلغني بقراره الأول لتدعيم بعثتنا العسكرية، فقد وافق على تعيين عشرة من المدربين، أرجو من الجنرال “براون” أن يعمل على إصدار تأييد تسمية آخرين، تلبية لطلب السلطان” رقم: 66، ص: 98.
ونشير إلى أن كل هذه التحركات، ما هي إلا تطبيقات لما تم تداوله في السنة الماضية، والتي لخصتها جريدة “السعادة” العدد: 443، بتاريخ 05/01/1911، تحت عنوان “حوادث العام الماضي”:
“ابتدأ العام بالاتفاق الفرنساوي المغربي، وختم بالاتفاق المغربي الإسباني في 26 دجنبر1909.
أجاب: سيادة وزير الخارجية محمد المقري دولة فرنسا بالقبول والارتياح إلى مطالبها التي كان عليها أساس الاتفاق، وتسوّت يومئذ مسألة تعويضات الدار البيضاء، ومسألة الشاوية، ومسألة الحدود، ومسألة السلف وضماناته، وما يتعلق بالمراقبة والتحسينات في العوائد المخزنية بالمرسى.
وفي أول شهر يناير من عام 1910، اتفق مجلس القناصل على تشكيل بوليس أهلي تحت نظر ضابط بوليس قنصلية فرنسا، وذلك بسبب الحوادث التي حصلت هناك، وانتهى في العام الماضي مجلس التعويضات بالدار البيضاء من أشغاله، وبلغت قيمة التعويضات التي حكم بها: 13 مليون فرنك، بين أجانب ووطنيين، وقد قبض منها حتى الآن 12 مليون ونصف، وحصل في المخزن فتور في المصادقة على الاتفاق الفرنساوي المغربي، مما أحوج دولة فرنسا لإخطار المخزن، وحمله على المصادقة في مدة 48 ساعة، وصادق بعد ذلك الإخطار، ووقع خلاف بين الحاجب والبعثة الحربية الفرنساوية، انتهى بتفويض البعثة بجميع ما هو متعلق بها، وتعهد السلطان للدول أنه لن يعمل فيما بعد على شيء يغير ثقة الدول، وانتهى في العام الماضي المجلس الفني لتحرير ضابط المعادن، وتغلب بوليس الحدود على قبائل ملوية، وردها للطاعة، وابتدأت ضريبة المباني بجمع الرسوم، وتم الاتفاق الإسباني المغربي.
هذه أهم الحوادث، وتدل على تعب الرعية من الفوضى، وسكونها للراحة، وميل المخزن إلى الإصلاح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *