فرنسا تحتل شرق المغرب من البحر إلى الساقية الحمراء

سبق لنا استعراض الوضع على وادي ملوية، والتحركات الفرنسية على ضفته الشرقية، التي أدت إلى معركة مول الباشا؛ واحتلال الموقع يوم 12 يوليوز 1910م، وفرض غرامة ثقيلة على السكان.
وقد أوردت جريدة “السعادة” في عددها:402 المؤرخ في: 20/07/1910 خبرا يتعلق ببني بويحيى، المناهضين للغزو الفرنسي في ملوية، بأنهم ذهبوا ليوردوا مواشيهم من الملوية، من غير المشرع الذي كانوا اتفقوا عليه مع جنود المحافظة على مول الباشا، فقبضت الجنود على قسم من تلك المواشي رهينة.
وقد أوردت مجلة إفريقيا الفرنسية، بأن القوات الفرنسية المشكلة للبوليس بين وجدة والضفة الشرقية لملوية، قد احتلت تاوريرت، وضمت اكلات النجا، مع إلحاق بركنت بسلطتها دون حوادث تذكر، من بداية يوليو حيث أصبحت مسيطرة لأول مرة على النواحي الملامسة للوادي، في سيدي عبد الله سباغي، وللمرة الثانية في مول الباشا يوم 12 يوليو 1910، حيث تم وصلها بمفرزة تافوغالت، وهو اليوم الذي تم فيه الاعتداء، الذي نتج عنه الخرق الذي ذكرنا بأن الكولونيل “فيرود”، قام برده بحيوية.
هذا الهجوم الغير المتوقع من بني بويحيى، الذي استند إلى حقائق مختلفة، كاحتمال الخوف على المطامير المتواجدة على بعد كلمترات معدودة من الوادي، والقول أيضا بمقتل شيخ بني محيو المنشقين، محمد ولد عيسى، في المعركة، بعدما ظن أن الكولون انسحب دون إشعار، وقد كان بالتأكيد يشتغل ضدنا على الضفة اليسرى للوادي بنشاط.
فخذتا أولاد سالم وأولاد عثمان خسرتا في الهجوم، فأصبحتا مثل المقطوع رأسه، بعد مقتل كبار أعيانهم في ذلك الهجوم، الذي ترك أثرا خطيرا، وضخما غير متوقع من منشأة مول الباشا، ومركزنا المقام على مشرع ملوية، بين تقاطع مصب واد كصوب، وواد زا، بمعنى في الجزء الخاص بمورد القطعان.

حصار ساكنة ملوية
هذا القطاع من ملوية، يعتبر مصدر حياة قطعان الناحية المجاورة، وقد منعناه عن ساكنتها إلى أن يؤدوا الغرامة المفروضة عليهم، عقابا لهم على هجومهم علينا يوم 12 الجاري، وابتداء من 13 الجاري، قدم ممثلون لبني بويحيى لمركزنا مستنكرين الاعتداء الذي تعرضنا له، واستمعوا إلى شروطنا، وقد تم تنفيذها دون مشاكل على طول ملوية، عن طريق ملحقة مول الباشا. وابتداء من15 يوليوز، تم أداء الشطر الأول للغرامة، والشطر الثاني مع بداية أوت.
أولاد عثمان دخلوا مع ممثلينا في علاقات، ولما انطلق سوق تاوريرت أخذوا يرتادونه، وشيئا فشيئا بدأ هوارة يرتادونه بدورهم .
وعلى العموم، أتاحت لنا حادثة مول الباشا الانتشار في حوض ملوية من البحر إلى كرسيف، وتم تطبيق نفس أسلوب مراقبة التهدئة، التي أجراها الكولونيل “أليكس” في مراكز أعالي كير على وسط ملوية.
وضعية مولاي حفيظ بدأت في التحسن شرق فاس، ويقال بأن محلة بوشتة البغدادي ستدخل تازة في مطلع غشت، المطالب بالعرش مولاي لكبير، فُتَّ في عضده، وطلب السماح له بالتوجه إلى الدار البيضاء، عبر الأراضي الخاضعة لنا.
آخر الأخبار تقول بأنه توصل من أخيه مولاي حفيظ، برسالة إصلاح ذات بينهما، فقبلها.
وفي أعالي كير، نشير إلى أيت بوشاون، الذين كانوا يسيرون الهجمات على أنوال، قد طلبوا الأمان.

رفض الفيلاليين التعاون مع الفرنسيين
تم إحياء العيد الوطني في بودنيب، حيث قام قائد الأهالي في الناحية، بالحضور لتحية قائد القوات العسكرية لأعالي كير، وقد عرفت المدينة إقامة مدرسة فرانكو عربية، بإدارة الكابورال “كيرود”، تضم 28 تلميذا.
لدينا جديد يثير الانبساط، ويتعلق الأمر بالاتفاق المبرم مع المخزن في يناير الأخير، حيث حضر القائد عمر في مطلع يوليوز حاملا رسالة مولاي حفيظ إلى مولاي رشيد مؤرخة في 24 فبراير، فاستقبله استقبالا سيئا، وأرسله إلى الريصاني منفردا؛ حيث قرأ رسالة السلطان هناك، والتي تحث المسلمين على تسهيل العلاقات التجارية بين بودنيب وتافلالت، لمدة ثلاثة أشهر، وقد حاول الفلاليون الاقتراب من الفرنسيين، وقد كتب القائد عمر رسائل بذلك إلى قصور مختلفة، للعمل على التعايش مع الفرنسيين بشكل أحسن، وبناء علاقات تجارية مع بودنيب، وإقامة سوق على وادي أمربوش، شرق زيز، خارج واحات البرابر، فأجابوه بأنهم لن يشاركوا في العلاقات التجارية مع مراكزنا إذا كان ذلك تحت الإكراه، مضيفين بأنهم يريدون أن يكون التبادل شاملا وكذلك التحرك التجاري حرا بين بودنيب وتافلالت، وتمت مواصلتهم التجييش، حيث هوجم بريدنا يوم 20 يوليوز قرب بليلا، على بعد بضع كلمترات من بودنيب، قتل فيه أهلي، لكن الرسائل أنقذت. (أنظر: فيكتور ديمنطي ص:267، إفريقيا الفرنسية 1910).

مناهضة البعثة العسكرية الفرنسية
ومما تجدر الإشارة إليه هو الأوضاع التي كانت عليها المناطق المخزنية، والمحلات الشريفة التي سنجدها محل مناهضة، قامت بسبب تواجد أعضاء البعثة العسكرية الفرنسية التي كانت من بين المؤاخذات التي تم عزل السلطان مولاي عبد العزيز، ومبايعة مولاي عبد الحفيظ الذي انساق لتنفيذ سياسة سلفه؛ الموافقة للتطلعات الفرنسية في احتلال المغرب، ووضعه في جرابها.
وستتحول المواجهة التي كانت واضحة صريحة مع القوات الفرنسية واللفيف الأجنبي المكون من الجزائريين والتونسيين والأفارقة، إلى محلة السلطان والبرطيزة، أي الموالون من السكان الخاضعين للغزو الفرنسي؛ بعدما سيوسمون بالخروج عن المخزن ورفض الإذعان لأوامر السلطان، وهو ما سيطلق عليه عمليات التهدئة التي ستنطلق من شعار: “أبرز القوة لكي لا تحتاج لاستخدامها”، وبذلك تكون القوات الفرنسية قد طوقت المغرب من الغرب باحتلال الشاوية، ومن الشرق باحتلال بني يزناسن، وأعالي كير، وتوزعت بعثتها العسكرية في المحلات المحيطة بالعاصمة والمرابطة بها، في انتظار الإطباق النهائي الذي تعد له الدبلوماسية الفرنسية بنشاط منذ أن تم التوقيع على ما يسمى بالقرض المغربي في 04/04/1910م، الذي اعتبر كما جاء في الحفل المقام بمناسبة الذكرى الفضية لهذا القرض بأنه هو عقد الحماية الحقيقي الذي بموجبه تم إخضاع المغرب للحماية سنة 1912م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *