جاء في رسالة لدو سانت أولير إلى “بيشون” من طنجة في 31 يوليو/1غشت 1907م ما يلي: “تبعا للمعلومات التي قدمها لي الدكتور ميلر أن مجموعة من الأوربيين أصيبوا بجراح في خضم الأحداث التي كلفت حياة 5 من مواطنينا (تبين أنهم 3 فقط)، الذين رجموا ورمي بهم في البحر (سقطوا في الشاطئ)، ونخشى تفاقم الأوضاع غدا يوم السوق، إذا لم يلتزم الأجانب منازلهم أو البواخر التي صعدوا إليها، وأعتقد أن الأهالي لن يعترضوا طريق ركوبهم بها، والتي لن تكون كافية لاستقبالهم على متنها، وقد وصل مع الدكتور ميلر عدد من الأجانب كنقصل اسبانيا وعائلته وحوالي 300 يهودي.
بالأمس فقط توصلت من ممثلنا بالدار البيضاء أن النواحي يتصاعد فيها التحريض من طرف المحتجين المغاربة على الفوضى، وقد انضم إلى تلك الحركة عدد من القبائل المجاورة، وقسم من سكان المدينة، خاصة الذين احتجوا على أشغال الميناء.
بعد اجتماع ممثلي القبائل وأمناء الديوانة وأعيان الدار البيضاء، انتهز عامل الدار البيضاء الفرصة ووجه إنذارا بوجوب رفع السكة الحديدية حالا، وإلغاء الأشغال بالميناء، ودعوة المراقب الفرنسي بالديوانة لمغادرة موقعه حالا، لأن دوره ثانوي ولا يمكن له أن يتصرف وحده.
طالبت من قائد “ڭاليلي” بالتوجه حالا إلى الدار البيضاء لتكون هناك غدا فاتح غشت وأن يعمل باتفاق مع ممثلنا هناك، وكلفته باتخاذ ما يلزم من الحذر للحفاظ على حياة مواطنينا وممتلكاتهم، وأن يتوجه صحبة ذلك المسؤول عند العامل، ويصرح له بأن رأسه سيكون عوضا عن حياة أي فرد من مواطنينا، يتعرض لسوء.
من جهة أخرى استحثت بقوة ممثل السلطان على الشعور بالمسؤولية بعدما عبرت له عن توجهي المفاجئ لديه من أجل اطلاعه على ما جرى، وعدم توصلي من المسؤولين المغاربة بأي تأسف، لقد ذكرته بأن السلك الدبلوماسي عقد عدة لقاءات وأجمع على وجوب إقالة عامل الدار البيضاء لعدم قدرته وسوء استعداده المشهور للتعاون.
أيضا؛ الحكومة المغربية مسؤولة مباشرة على هذا العمل الشنيع، وأضفت دون تحيز لموقف الحكومة الفرنسية معلنا لحظتها وجوب إرسال قوة مغربية إلى الدار البيضاء من التي توجد في طنجة لإقامة الأمن مصرّا أن تكون تحت قيادة حازمة، قادرة على الاطلاع بأعباء إدارة المدينة ومنع تجدد المكاره لأن حامية الدار البيضاء قليلة العدد، متطلعة لما يسوء للأوربيين. يدلنا على ذلك ما وقع منهم أثناء مرافقتهم للطبيب الذي توجه لمعاينة الجثث.
السيد الطريس أجابني بأن لا علم له بالوقائع والأوضاع العامة لأن العامل لم يراسله بشيء في الموضوع ورفض بعث قوات إلى الدار البيضاء.
شركة التفريغ وضعت رهن إشارتنا كل إمكانياتها لحمل ألف رجل من الجزائر لاحتلال الدار البيضاء، والدفاع عن السكان الأوربيين ضد إرهاب القبائل المجاورة، وعملنا لن يكون مشتركا مع أية قوة أخرى، ولا حتى اسبانيا لأن الاعتداء كان موجها للمنشأة الفرنسية خاصة sic والضحايا كانوا فرنسيين، ولا شك أنكم ترون أن القوة صارت ضرورية من غير انتظار الاتفاق مع اسبانيا الذي قد يكون صعبا، القنصل الانجليزي في تلك المدينة أخبر بأنه سيرسل باخرة حربية، ولكن ذلك ليس ملحا، وأكرر بأن الأنظار مركزة علينا، لترى ما إذا كانت فرنسا فقط ستنتظر العون الذي قد يرفض لأسباب غير مقنعة” (ص174 رقم91).
يلاحظ من خلال هذا التقرير الرسالة؛ أنه لم يفد بأن عدد القتلى قد بلغ تسعة بينهم إيطاليين وإسبان ولم يتحدث عن جهود العامل والقائد في تهدئة الأوضاع، ولا تطرق لسبب النزاع وإنما كان تركيزه على وجوب احتلال المدينة وعزل قائدها.
جاء من نفس المسؤول إلى نفس الوزير في رسالة من طنجة في 4 غشت 1907م: “سبق أن بعثت لكم ببرقية 440-3 غشت 1907م تضمنت ما أجمع عليه القناصلة بالدار البيضاء، القرار المتخذ باقتراح من السيد نيوفيل مسير قنصليتنا هناك بسبب النقص العددي للقوات الفرنسية، فضلوا إرجاء نزول تلك القوات.
السيد نيوفيل أبلغ القائد بأنه في حالة ما إذا شكلت الفوضى خطرا على الفرنسيين فإن ڭاليلي ستتخذ الإجراءات من أجل إبعاده (بواسطة مدافع السفينة).
القنصلية الفرنسية وكذا باقي القنصليات اتخذوا كافة الإجراءات التي رأتها مناسبة في مثل هذه الأحداث.
لقد تركت أحداث الدار البيضاء انطباعا عميقا في طنجة، الساكنة هادئة والحديث الرائج بين الأهالي يرى بأن الفرنسيين بالدار البيضاء قتلوا لأنهم أساؤوا لدين البلد، وفتحوا الطرق الحديدية وهي الترجمة الأدبية لكلمة (السكة الحديدية)، يتهموننا بأننا نريد إقامة خط حديدي بين الدار البيضاء والرباط، في حين أن الشركة المغربية ليس لها الحق إلا في كيلومتر واحد، بين الميناء ومقلع الحجارة.
وقد ألحق بهذه الرسالة ملحقان؛ جاء في الأول: “من سان أولير إلى سي محمد الطريس ممثل السلطان بطنجة 31 يوليو 1907م (ص194)، أؤكد ما سبق أن قلته لك شفهيا حول أحداث الدار البيضاء التي جرت بالأمس والتي يتحمل كامل مسؤوليتها عامل المدينة، إنكم لا تجهلون أنه منذ مدة طويلة وخلال عدة لقاءات بأن السلك القنصلي طالب بإبعاد السيد بوبكر بن بوزيد لعدم كفاءته وسوء مواقفه المؤدية إلى تعريض الأوربيين المقيمين بالدار البيضاء للخطر، لكن المخزن لم يبد أية استجابة، وأثناء الأحداث التي عرفتها المدينة والتي أدت إلى موت عدد من مواطنينا فإن العامل لم يقم بأي عمل من أجل تفادي ذلك، رغم الإنذارات التي أعطيت له.
لقد استغربت من عدم إشعاركم بالأحداث بمجرد وقوعها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ حياة الأجانب القاطنين بالمدينة.
أطلب منكم بعث قوة مخزنية مهمة للمدينة لإقرار الأمن برئاسة قائد حازم ينصب عاملا على المدينة لأننا نخشى تجدد الحوادث في اليوم القادم الذي هو يوم السوق حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه”.