قادة ومعاقل مقاومة الاحتلال الفرنسي بالمغرب من 1906م-1936م

ادريس كرم
سنحاول في هذه الحلقات تقديم تعريف للأماكن التي دارت فيها معارك المقاومين المغاربة في مواجهة جنود الاحتلال منذ أواخر القرن التاسع عشر على تخوم المغرب الشرقي إلى احتلال الدار البيضاء وجهاد الشاوية، وما والاها من قبائل زعير للتذكير بأن المغرب لم يكن لقمة سائغة في أطماع الاحتلال الغربي مما دفعه إلى اختراع مبررات لحربه أبرزها الدفاع عن السلطان ضد الخارجين عنه وحماية البلاد من التدخل الأجنبي.

تَادَافَالْتْ
تَادَافَالْتْ: قصر من قصور واحة تُدغة يقع على بعد حوالي عشرين كيلوميترا من تينغير، ويقطنه أيت عطا خاصة خمس “إگناون”. وترجع أهمية قصر “تادافالت” في كونه الملجأ الأخير للمقاوم المشهور زيد أُحْماد الذي ظل يحمل راية المقاومة عالية بيدين قويتين في جبال أيت هاني وأعالي نهر أسيف ملول وواحات غريس وفركلة وتدغة وصعيد أمسمرير، وفي عراك صامد ضد الاستعمار طيلة سنتين (1936/1934)، حيث فضل الموت على الاستسلام.
وكان زيد أُحماد قد شارك في أغلب المعارك البطولية ضد الاستعمار الفرنسي في المنطقة. وآخرها معركة “بادو” في غشت سنة 1933 حيث جرح خلالها وفقد زوجته أثناء المعارك في بادو.
ومنذ سنة 1934 إنطلق في تنظيم حرب للعصابات ومباغتة ضباط الاحتلال وأعوانهم على مسافة واسعة يبلغ قطرها حوالي مائة كيلوميتر. وذلك برفقة مقاوم آخر هو موحا أُوحمو، الذي ظل يلازمه خلال الهجومات المتتالية التي استنزفت الاستعمار وجعلت قيادات ثلاث مناطق عسكرية في حالة استنفار قصوى دائمة، هي قيادات: تافيلالت ومراكش وتادلا. وكان يوجه ضرباته للضباط الاستعماريين وللمرتزقة وعملاء الاستعمار، محاولا تجنب إصابة الذين غرر بهم أثناء الدوريات المنظمة للبحث عنه.
ومن أبرز العمليات العسكرية للبطل “زيد أُحْماد” قتله الرقيب تريستاني Tristani في مضيق تدغة في 7 يناير سنة 1935م، وترجع أهمية هذه العملية إلى كون تريستاني الأجنبي الوحيد الموجود ضمن الطابور الذي يبحث عن زيد أُحْماد. وتركت هذه العملية صدى عميقا لدى السكان حيث بينت الطابع الوطني لحركة زيد أُحْماد. كما قتل الملازم فرومانتان Fromentin في 20 يونيو سنة 1935 قرب بحيرة تاسليت بإملشيل، وهو ضابط للشؤون الأهلية وقائد لفرقة الگوم رقم 12. وفي 30 دجنبر قام زيد أُحْماد بآخر عملية له حيث هاجم حانة يمتلكها أحد اليهود بتينغير، وكان اللفيف الأجنبي ينوي أن يقضي بها عطلة أعياد رأس السنة فقتل ثلاثة من جنود اللفيف.
وعلى إثر هذه العملية ضاعفت القيادة الاستعمارية من جهودها، واجتمع ضباط الشؤون الأهلية لكل من تينغير وإملشيل وأسول بمركز أيت هاني ووضعوا خطة للقضاء على حركة زيد أُحْماد.
وتتلخص في تضييق الخناق على كل القبائل والأشخاص، الذين ثبت في حقهم تقديم المساعدات للمقاوم، وكذلك تكثيف عمليات البحث عنه، وكذلك الاستخبار والتجسس على تحركاته.
ولما بلغ بقصر القيادة العسكرية وجود زيد أُحْماد بقصر تادافالت بتدغة السفلى، التحق بتينغير كل من الكولونيل روش Roches قائد ناحية مراكش، والكولونيل شاردو Chardou قائد ناحية ورزازات، والكولونيل بوميي Pommier رئيس دائرة بومالن، وتم تطويق قصر تادافالت على السابعة والنصف صباحا يوم 50 مارس من سنة 1935 الذي يصادف يوم عيد الأضحى. وأدرك زيد أُحْماد نهاية الأمر فأمر مرافقيه موحا أُحمو وموحا أُعلي نايت عسو بالمقاومة، وكان القتال ضاريا بشكل منقطع النظير.
ففي هذه المعركة غير المتكافئة ارتفعت المجابهة وكانت خسائر الاستعمار مرتفعة إلى غاية نسف المنزل على الساعة العاشرة والنصف بعد ثلاث ساعات من المعارك الضارية. وهكذا استشهد زيد أُحْماد بقصر تادافالت بعد إرهاب سكان القصر الشهيد. فأصبحت تادافالت تعني المقاومة والتضحية في كل قصور المنطقة. وأصبح “زيد أُحْماد” “نايت مخداش” الذي ينتمي إلى أيت مرغاد يجسم البطولة تجسيما ماديا حيا على خط يمتد إلى أعالي نهر كلميمة وتينغير ثم تينغير الريش إلى أعالي نهر غريس وأسيف ملول.
وظل يكافح الاستعمار لمدة سنتين ولم يهن؟ ولم تضعف عزيمته مطلقا حتى بعد أن وهن إخوته وأهله أنفسهم وضعفوا: “زيد أُحْماد الذي أصابته رصاصات عدوه في مختلف أنحاء جسمه في مارس 1936 والبندقية على ذراعه يدافع بها هو ورفيقاه عن حرية أمتهم وشرفها ضد الاستعمار؟.
م. المعزوزي وهشام، الكفاح المغربي المسلح في حلقات من 1900 إلى1935 ، الرباط، 1986.
عبد القادر بوراس
معلمة المغرب ج6 ص1999.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *