وصية السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله لبنيه

أخبرني الحاج عبد الكريم بن الحاج أحمد الرزيني وهو أخو الحاج محمد المذكور آنفا، أن السلطان المولى عبد الرحمن رحمه الله لما عزم على بعث أولاده إلى الحجاز، استدعى الأمين الحاج محمد المذكور فدخل عليه، فأوصاه بما تنبغي الوصاية به، وأخبره أن المال الذي عينه للنفقة على الأولاد المذكورين هي نفقة جمعت من حلال، بعضها من أصول بتافيلالت وبعضها من غيرها مما هو حلال، وقال له: “احتفظ بذلك المال، واجعل السخاء فيه بمنزلة الملح في الطعام” اهـ، ولما عزم الأولاد المذكورون على الانفصال إلى وجهتهم، أصحبهم السلطان رحمه الله وصية كافية، يقول فيها ما نصه: “الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، أولادنا عبد الله وإبراهيم وعليا وأبا بكر وجعفرا، وفقنا الله وإياكم للعمل بطاعته، وحفظكم وأرشدكم وتولاكم وكان لكم في سائر أحوالكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فإنه لما كانت الأولاد قطع الأكباد، وعماد الظهور، وثمار القلوب، وشفاء الصدور، وجب أن يكون لهم الآباء السماء الظليلة، والسحابة المنيلة، وخير الآباء للأبناء ما لم تدعه المودة للتفريط في الحقوق، وخير الأبناء للآباء ما لم يدعه التقصير إلى المخالفة والعقوق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الأولاد من رياحين الجنة”، وقال القائل:
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا ** تمشي على الأرض
إن هبت الريح على بعضهم ** تمتنع العين من الغمض
هذا وإن أولى ما زوّد به والد ولده وصية يتخذها في سفره إمامه ومعتمده، فاعلموا أنا وجهناكم لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، واستودعناكم الله الذي لا تضيع ودائعه، فاقدروا قدر هذه الوجهة التي قصدتموها، واعرفوا حق هذه العبادة التي يممتموها، فتوجهوا لها بحسن النية راجين من الله سبحانه بلوغ القصد والأمنية، وأوصيكم بتقوى الله في السر والعلانية، فإن خير الزاد التقوى وبما أوصى به إبراهيم بنيه: “يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ” البقرة:132، وبما قال لقمان لابنه وهو يعظه: “يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ”، “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ” لقمان:13-17 الآية، واستوصوا بعضكم بعضا خيرا، وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، وأخوكم مولاي عبد الله أكبركم فكونوا عند إشارته فإن للسن حقا في التقدم، وفي الحديث الشريف: “كبر كبر”، ومنذ نوينا توجيهكم لهذه الوجهة السعيدة ونحن نجيل الفكر فيمن نوجهه معكم، حتى وقع اختيارنا على خديمنا الحاج محمد الرزيني لكونه نعم الرجل، واجتمع فيه من الأوصاف المحمودة ما افترق في غيره، فكونوا له بمنزلة الأولاد البررة، وليكن لكم بمنزلة الوالد الشفيق كما قال القائل:
وكان لها أبو حسن علي ** أبا برا ونحن له بنين

الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى 8/87-88

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *