“كان أمير المؤمنين المولى سليمان رحمه الله في هذه المدة قد سئم الحياة، وملَّ العيش، وأراد أن يترك أمر الناس لابن أخيه المولى عبد الرحمن بن هشام، ويتخلّى هو لعبادة ربّه إلى أن يأتيه اليقين، قال ذلك غير مرة، وتعددت في رسائله ومكاتيبه.
فمما كتبه في ذلك هذه الوصية التي يقول فيها:
الحمد لله، لما رأيت ما وقع من الإلحاد في الدين، واستيلاء الفسقة والجهلة على أمر المسلمين، وقد قال عمر: “إن تابعناهم، تابعناهم على ما لا نرضى، وإلا وقع الخلاف”، وأولئك عدول، وهؤلاء كلهم فساق، وقال عمر: “فبايعنا أبا بكر، فكان والله خير”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حق أبي بكر: “يأبى الله، ويدفع المسلمون”، ورشحه بتقديمه للصلاة إذ هي عماد الدين.
وقال أبو بكر للمسلمين: “بايعوا عمر”، وأخذ له البيعة في حياته، فلزمت وصحت بعد موته.
وقال عمر: “هؤلاء الستة أفضل المسلمين” ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم العبد صهيب”، وقال: “أبو عبيدة أمين هذه الأمة”، وقال: “ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر”، وقال في أبي بكر وعمر أكثر من هذا، فصار المدح للتعريف واجبا ولإظهار حال الرجل لينتفع به، فأقول -جعله الله خالصا لوجهه الكريم-:
“ما أظن في أولاد مولانا الجد عبد الله، ولا في أولاد سيدي محمد والدي رحمه الله، ولا أولاد أولاده، أفضل من مولاي عبد الرحمن بن هشام، ولا أصلح لهذا الأمر منه، لأنه إن شاء الله، حفظه الله، لا يشرب الخمر، ولا يزني، ولا يكذب، ولا يخون، ولا يقـْدم على الدماء والأموال بلا موجب، ولو مَلك مُلك المشرقين، لأنها عبادة صهيبية. ويصوم الفرض والنفل، ويصلي الفرض والنفل، وإنما أتيت به من الصويرة ليراه الناس ويعرفوه، وأخرجته من تافيلالت لأظهره لهم، لأن الدين النصيحة، فإن اتبعه أهل الحق، صلح أمرهم كما صلح سيدي محمد جده وأبوه حي، ولا يحتاجون إلي أبدا، ويغبطه أهل المغرب، ويتبعونه إن شاء الله، وكان من اتبعه اتبع الهدى والنور، ومن اتبع غيره اتبع الفتنة والضلال، وأحذر الناس أولاد يزيد كما حذر والدي، وقد رأى من اتبعه أو اتبع أولاده كيف خاض الظلمة، ونالته دعوة والده، وخرج على الأمة؟
وأما أنا فقد خفَّت قواي، ووهن العظم مني، واشتعل الرأس شيبا، حفظني الله في أولادي والمسلمين، آمين.
نصيحة وصية سليمان بن محمد لطف الله به” اهـ.