في صحبة اللفيف الأجنبي الزاحف إلى فاس 1911 (2) الأستاذ إدريس كرم

جاء في كتاب:
Pierre Khorat: En colonne au Maroc: Rabat-Fès-Meknès
Impressions d’un témoin – edition: 1913
أبلغ لواء كولون الاستعمار مشاة، المرابط في باريس بوجوب الاستعداد لإرسال فوج منه إلى المغرب في ظرف ثلاثة أيام ليأخذ نصيبا من العمليات القريبة الحدوث مع المفرزة المماثلة المتواجدة هناك، وفعلا غادر التشكيلة المكونة من: سريتين، وفصيلة رشاشات؛ مرسيليا متوجهة إلى الدار البيضاء، وبعد أيام وصلت تعزيزات أخرى من الجزائر والسينغال، حيث تم تجميعها في ثكنة «عين برجة» بالدار البيضاء، في انتظار توجيهها للجبهة المشتعلة، عبر الرباط والقنيطرة.
الكولون الثقيل، أو الكولون التمويني، وكوم الشاوية، فوج اللفيف، قناصة الجزائر والسينغال، اصبايحي، وقناصة إفريقيا، وسرية الهندسة، وسواق القبائل، أنهوا إقامة مدينة من الخيام لاستقبال كل القوات السالف ذكرها (ص. 5 و27).
وتم توزيع القوات المكونة لكولون «كورو»، وكتيبتين من اللفيف الأجنبي، وفصيلة اصبايحي، وبطارية 75، على كل من بوزنيقة وسلا، بعدما تم رصد صعوبات لسرية الحماية والتأمين، الملحقة بالقنيطرة، وكتيبة المشاة الجزائرية، وسرية القناصة الأفارقة، ومصلحة المواصلات، من أجل تكوين كولون «كورو».
وقد وقعت صعوبات في اختيار قائد الحملة التي سيكون لها شرف تموين فاس، بعدما تعددت الترشيحات وتم إسناد المهمة إلى الجنرال «موانيي».
بعد وصول تعليمات التحرك من باريس، ذهب القائد لحث الكولون على التحرك إلى القنيطرة، بعد تنامي الحوادث اليومية على المعسكر هناك، فكان لابد من إقامة قاعدة جديدة بمهدية، قريبة من القوات الزاحفة نحو فاس لتموينها وحمايتها.
لقد عجلت الحوادث الأخيرة بقلب كل المخططات التي تم إنضاجها بعناية منذ ثلاث سنوات، حيث هيأنا كل شيء لاحتلال مراكش، والقيام بحملة ضد «ازعير»، و«زمور»، لكن الأمر لم يعد ممكنا، بعدما بدأنا منذ شهر العمل على التحرك نحو فاس (ص. 34).
تحرك كولون «دالبيز» متبوعا بقافلة تموين 2000 رجل، مكونة من 1500 جمل، حمايتها رفعت من حركة قوات الخفر لجعلها قادرة على مجابهة الخصوم السريعي الحركة بالخيول، حيث يقطعون مسافات على بعد منا في كل يوم (ص. 40).
توقف الكولون بين بوزنيقة وفضالة، وأقام معسكرا في قصبة على الطريق الإمبراطوري كان يؤمها السلطان في طريقه لزيارة الأقاليم البعيدة أو معاقبة النهاب، كنا في حاجة ماسة للحطب كي نطبخ الطعام، المصلحة العسكرية عملت على توفير التموين على طول المحطات ونسيت استصلاح عيون الماء على طول الطريق التي تسلكها قوافل التموين والجنود الكثيرة العدد، مما سبب مشكلة التزود بالماء والحطب.
لقد كان الجنود أحيانا يتناولون الطحين عوض البسكويت لانعدام حطب الطبخ في المحطات، وكان الممونون من الأهالي يزودوننا بخبز من الشعير مصنوع بطريقة سيئة، أما اللحم فبعد الذبح وفق طقس مقدس، كان يبقى عدة ساعات في الشمس عرضة للذباب والغبار، مما يجعله أقل جودة.
كولون «دالبيز» قضى ثلاثة أيام من السير للوصول إلى تمارة في هدوء، السلطة الفرنسية المهيمنة على الدار البيضاء تتوفر في الشاوية على مشاة إداريين، وجباة المخزن، والآن نواحي موالية لمولاي حفيظ، لكن على تخومها هناك المعارضون له المستمدون معارضتهم من رفضهم للتعاون مع الرومي والسماح لقواته بالنزول على أراضيهم، وقد بين القبطان المشرف على مد خط التلغراف بين الرباط والدار البيضاء درجة العداء في تلك الدواوير المجاورة للخط.
شمال واد بو رقراق فوجئت القافلة بهجوم على معسكراتها من طرف القبائل الثائرة على طول مسيرها إلى فاس، باتفاق مع القائد العام أراد الجنرال «دالبيز» مفاجأة السكان بالقيام باحتفال استعراضي لقواته وهو يمر بمحاذاة الرباط لقطع وادي بو رقراق، بعدما منع من دخول قواته مدينة الرباط بأمر من حكومته، فقد صرح وزير الخارجية أمام الجمعية العمومية منذ أيام: “قواتنا لن تدخل الرباط ستلتف حول المدينة ولكن لن نتوقف بها”؛ لكن الأحداث المتسارعة تبين أن السياسة المغربية تأتي بالمتناقضات.
في الاستعراض الذي أجراه كولون «دالبيز» ظهر بأبهة خاصة أعطت انطباعا بفوز في مدينة معادية، حيث جاب شوارع المدينة قبل أن يصل إلى ضفة النهر، حيث تنقل الجنود والأحمال في اتجاه محطة «دار بلعروسي» (ص. 48) انطلاقا من شاطئ سلا.
في 2 ماي، تم مهاجمة القوات في «دار بلعروسي»، وفي يوم 6 منه تم مهاجمة القنيطرة، ويوم 11 منه هوجمت القوات في «لالة يطو»، حيث كانت النساء يشجعن المقاتلين على الهجوم، وتغطي أصواتهن على دوي المدافع والبنادق.
المفاجأة التي تلقتها القوافل الأولى كان مردها الثقة الزائدة التي كانت تشعر بها بين الرباط والقنيطرة، حيث كان عمل جنود الخفر قد تم على ما يرام، المسار الشاق لكولون «بريلارد» الذي عمل على تلافي سلوك شراك طريق غابة معمورة، سيتورط في سهل نصف غارق، نوايا تهديدات قبائل «زمور»، «اشراردة»، «بني احسن»، الذين لحسن الحظ لم يجتمعوا للتهيؤ للقيام بهجوم متزامن؛ الوضع مبهم في سلا بعدما أغلق الكولون الثقيل أبواب المدينة، وسمح للسكان ببقاء نسائهم فيها والخروج للبادية والرجوع ليلا.
المعروف عن سكان الرباط عداوتهم لمولاي حفيظ وأنهم أقل عنفا من أهل سلا، فعلاقتهم بالأوربيين عريقة، فالقنصل له محطة تلغرافية، ومركز تجاري بها، وأهم من ذلك هو طابور البوليس المسلح المؤطر من طرف الفرنسيين العاملين بالمدينة، ناهيك عن المراكب التجارية الأوربية التي ترسو بالميناء من أجل حمل أو إفراغ البضائع.
لقد بقيت قواتنا التي قطعت الواد من الرباط في معسكر بشاطئ سلا إلى أن انطلقت نحو القنيطرة مكونة قافلة تموين فاس، بقيادة الكولونيل «كورو»، يوم 19 ماي بعد الزوال قتل القبطان «بيتيجة» من المشاة الجزائريين قرب المركز، وجرح بعض الرجال في مواجهة مع مقاتلين من «زمور»، قدموا لمهاجمة الخنادق المحيطة بالمعسكر في مهدية، ثم فروا للغابة، وفي المساء تجمعت القوات بالقنيطرة، وفي الغد بدأ السير إلى «لالة يطو» (ص. 58).
تم تحديد الساعة الثالثة صباحا لقطع مسافة بين 42 و45 كلم في بداية الصيف، مع قافلة تضم 1700 جمل، وقطيع من 300 بقرة، وجنود مثقلين بأحمال، بيد أن مغادرة آخر جندي للمعسكرات لم تتم قبل الساعة التاسعة صباحا لقطع سهل عارٍ من الأشجار، وقرب نهاية اليوم بعدما استطالت القافلة، هاجمها بعض من «زمور» الذين خرجوا من الغابة، هاجموها من الخلف، وفي نفس الوقت على الجانب المعتم قام جماعة من الأعداء بالهجوم، حيث انتهزوا حلول الظلام كالسحرة الكامن في سيقانهم الضجرة كثير من البأس، مما جعل الزاحفين في مؤخرة القافلة يتكثفون ويجتمعون خوفا من تخلفهم في الطريق، فيتعرضون لقساوة المتعصبين المغاربة، مما ضاعف من سيرهم مجتمعين دون إحساس بالأثقال التي على ظهورهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *