في العدد الماضي ذكرنا أنه بعد السيطرة على مدينة وجدة وقصف الدار البيضاء واحتلال الشاوية وتمكن جنود فرنسا بقيادة الجنرال “درود” من التوغل في قلب المغرب، تحركت الخاصة والعامة وتنادوا للجهاد وحشد الحشود له، ومن ذلك ما قام به الشيخ محمد الكتاني الذي بعث برسائل تحث على التصدي للغزاة، ذكرنا واحدة منها، مع رسالة المولى عبد الحفيظ إليه بعدما بويع بمراكش، وإليكم في هذا العدد سؤال وجهه عدد من وجهاء فاس لعلماء القرويين يستفتونهم في أمر عزل المولى عبد العزيز، مرفوقا بجوابهم.. الأستاذ إدريس كرم

كيف تمت كتابة بيعة فاس لمولاي عبد الحفيظ؟ المشهورة بشروطها التي منها:

1- إلغاء معاهدة الخزيرات..
2- استرجاع ما أخذته فرنسا من الحدود المغربية، وإخراج جيشها من وجدة والدار البيضاء.
3- تجديد معالم الإسلام ونشر العلم.
4- استشارة الأمة في المعاهدات والاتفاقيات مع الأجانب.
5- فصل السلط الإدارية عن الشرعية.. الخ.
أما طريقة العمل فقد تم عقد اجتماع بمسجد مولاي إدريس بفاس ، دعا له الشيخ محمد الكتاني -إثر خروج المولى عبد العزيز من فاس قاصدا مراكش-، ضمَّ نوابا عن مختلف طبقات أهل فاس تناقشوا في مسألة خلع المولى عبد العزيز وذلك يوم الجمعة 23 ذي القعدة سنة 1325هـ، وكتبوا سؤالا وجهوه إلى علماء فاس، نصه:
“الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله الأبرار وصحابته المنتخبين الأخيار.
سادتنا علماء فاس كافة سلام عليكم ورحمة الله.
وبعد، فلا يخفاكم ما حلَّ بهذا القطر المغربي من احتلال بعض الأجانب جُل نواحيه كتوات وفجيج وعيون بني مطهر ومدينة وجدة وثغر الدار البيضاء موضعا بعد آخر، احتلالا نشأ عن اختلال الأحكام، وتقاعد الولاة عن الاستعداد، وموالاتهم لبعض أجناس الأجانب، حتى عقدوا معهم شروطا تؤدي إلى إدخال المسلمين تحت حكمهم، وبسط يد التصرف لهم في سائر القرى والأمصار، بما تسبب عنه من إسقاط الأحكام الشرعية كإبدال الزكاة بالترتيب، وغير ذلك مما هو معلوم لدى الخصوص والعموم، كاستلاف الأموال العظيمة من الأجانب وصرفها في غير مصالحها، زيادة على خلاء بيت مال المسلمين بعد عمارته، وإنزال البوليس ببعض المراسي الذي من أعظم دواهيه سلب السلاح من يد كل مسلم، وغير ذلك من الأمور التي يعلمها كل واحد من أبناء الإيالة المغربية، كتجهيز جيش وتوجيهه لمقاتلة الغزاة أهل قبيلة الشاوية إعانة لجيش احتلال الدار البيضاء وانتصارا له، حتى تحققت الرعية بعجز أميرها القائم بأمورها عجزا كليا، ففَرَّت منه القلوب، وبقي الناس بسبب ذلك في سائر المدن والبوادي فوضى يأكل بعضهم بعضا، فما هو جوابكم عن هذا الداء العضال؟
وما كيفية التخلص منه مع تحقق الاضمحلال؟
وكيف إن دام الحال عن ذلك، وبقي الأمير منهمكا فيما هنالك؟
وهل يجوز خلعه مع تحقيق هذا كله أم لا؟
أجيبونا بما يخلص ربقتنا وربقتكم من أيدي بعض أجناس الأجانب مأجورين والسلام. في ثامن وعشرى ذي القعدة الحرام عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف.
وقد أمضى هذا السؤال خمسة وعشرون شخصا من كبار أهل حومات الأندلس والعدوة واللمطيين حذفت أسماءهم اختصارا، وحضر في نفس التاريخ المذكور جل أهل الحومات المذكورة، واعترفوا بأنهم انتخبوا الأشخاص الممضين على السؤال لينوبوا عنهم في البحث عن حكم الإسلام في السلطان المذكور لما في وثيقة مثبتة بأسفل السؤال؟

جواب العلماء ويتضمن وجوب الخلع وهذا نصه:
الحمد لله مبدل العسر باليسر وناشر ألوية العز والنصر، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد محرز كل فضل وفخر، وعلى آله تيجان المجادة، وصحابته بُدور السعادة.
أما بعد حمْد الله مستحق الحمد ومُلهِمه، ومنشئ الخلق ومعدمه، فقد طالعنا سؤالكم حوله، وفهمنا ما احتوى عليه، وحرزنا لفظه وقوله، فقولكم فيه أن مولاي عبد العزيز أميركم كان قد اشتغل بما يخالف السنة والقرآن، وعجز عن دفاع بعض الأجانب عن ثغور المسلمين، بل صدر منه ما أدى إلى تمكنهم بالفعل حسبما ذلك مثبت بالموجب أسفل محوله ومتضح مبين إلى غير ذلك من الأمور المنكرة، التي هي في صدور الكل مسطرة، هل هذه الأمور موجبة لعزله، وعدم نفوذ حكمه وقوله.
(فالجواب والله الموفق للصواب) حيث ثبت ما ذكر فيجب عزله وتولية غيره ممن يقوم بأمور المسلمين ينفذ قوله وفعله، لكون إمامته لم تجر على القواعد الشرعية بل ولا على الضوابط المرعية لكون الإمام يعتبر فيه ما أن تقاعد عنه خلع وعن الإمامة العظمى دفع، قال ابن السلمون: الإمامة عبارة عن خلافة شخص للرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة قوانين الشرع وحفظ الملة على وجه يجب اتباعه على كافة الأمة، وشروطها المتفق عليها ستة.. إلى آخر كلامه، وهذا المسؤول عن خلعه خارج عن الضابط المذكور إذ لم يجر على قواعد الشرع في جميع الأمور، وقال البكي: وبالجملة السبب المتفق عليه كل ما يختل معه مقصود الإمامة، قال رأس العارفين في حواشيه على البكي: يدخل فيه العجز عن القيام بالمصالح، وينبغي اعتباره من حيث كونه نسبة وإضافة، بحيث يوجد أقدر منه فيولى، وفي المواقف وشرحها، وللأمة خلع الإمام وعزله لسبب يوجبه مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين الخ، ونقله الأيمة وسلموه فيجب على المسلمين أن يبالغوا مجهودهم في دفع الضرر عن المسلمين ولا يخفى أنه لا أعظم من استيلاء بعض الأجناس الأورباويين كما يجب عليهم الانتقام ممن يركن إليهم ويواليهم ويتحبب إليهم ويواتيهم، قال الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء” الآية، قال بعض المفسرين كالنصرة لهم والاستنصار بهم، وذلك المتولى والاهم وقاربهم، وأظهر العجز وما تحرك للدفاع عن المسلمين ولو بغمز بل سكت عن استيلاء بعض الأجانب على بلاد المسلمين كالأماكن المذكورة في السؤال، ولا يخفى أنه لا تجوز شهادته إذا استولى على بلادات المسلمين حسبما ذكره الشيخ الزرقاني لدى قول الشيخ خليل وللإمام المهادنة إلى أن قال: إن خلا عن كشرط بقاء مسلم، قال الزرقاني: أو بقاء حرية المسلمين خالية لهم والله سبحانه يلهمنا للصواب، والقول الفصل ويوفقنا لما يرضاه من القول والفعل. محمد بن رشيد العراقي كان الله له آمين ومحمد بن عبد الكبير الكتاني كان سبحانه له آمين، وأحمد بن المواز لطف الله به، ومحمد الحفيد بن محمد الشامي، وعبد السلام بن محمد الهواري لطف الله به، وعبد السلام الحسني العمراني، وعبد ربه أحمد بن محمد بن الخياط كان الله له آمين، وعبد ربه أحمد بن الجلالي الأمغاري لطف الله به، وعبد ربه أحمد بن المهدي بن العباس البوعزاوي لطف الله به آمين، ومحمد التهامي كنون كان الله له، ومحمد بن أحمد القريوني لطف الله به، وعبد الله بن ادريس الامامي بل العلوي أمنه الله، وعبد الرحمن ابن القرشي الامامي لطف الله به، ومحمد بن حفيد الشامي وفقه الله، وعبد ربه وأسير ذنبه الطاهر بن محمد اليازغي أمنه الله، وعبد ربه أحمد الشامي وفقه الله، وعبد السلام غازي لطف الله به، وعبد ربه أحمد بن عبد العزيز الزريعي لطف الله به، وعبد ربه أحمد بن عبد العزيز الزريعي لطف الله به آمين.
وبعد هذا الجواب كتبت وثيقة خلع المولى عبد العزيز على حدة، ووثيقة مبايعة المولى عبد الحفيظ على حدة، ثم رفعت إلى المعني بالأمر، وأتبعت برسائل إلى جهات من البلاد تطالبها بالبيعة والقيام للجهاد. وهو ما أوقف الزحف الفرنسي إلى حين. انظر ذلك في: “ترجمة الشيخ محمد الكتاني الشهيد” لمحمد الباقر الكتاني، و”الإتحاف” لابن زيدان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *