أبو فارس عبد العزيز بن محمد (750 هـ/1349م)

هو الفقيه العلامة أبو فارس عبد العزيز بن محمد القروي الفاسي المالكي، وهو من أكبر تلاميذ الشيخ الفقيه أبي الحسن الصغير ومن المكثرين عنه.
قال الإمامان المقري وابن مرزوق: هو أكبر تلاميذ أبي الحسن الزرولي علما ودينا.
زاد ابن مرزوق: وتقييده على المدونة عنه أحسن تقاييده.
قال بعض الفقهاء: دخلت عليه وهو محتزم بكسائه، وكتب الفقه بين يديه مبسوطة، وعرقه يقطر عليه وكساؤه في غاية الوسخ، فقلت له: إرفق بنفسك ونق كساءك.
فقال لي: ستة أشهر أروم غسلها وما وجدت سبيلا لذلك لأجل هذا الشغل، فتعجبت منه وانصرفت.
جمع تقييدا على الشيخ أبي الحسن الصغير بخطه وحبسه بفاس، وأما التقييد الكبير فجمعه اليحمدي من صدور الطلبة.
أخذ عنه شيخنا الحافظ موسى العبدوسي، انتهى من “الرحلة”.
قال عنه صاحب “كفاية المحتاج”: الفقيه الصالح المفتي.
موقفه من أهل البدع
جاء في كتاب الفتوى المالكية في أفعال الصوفية: سئل الشيخ الصالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء، يجتمعون على الرقص والغناء، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه، ثم يَصِلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر، ثم يغنّون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة، ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم، ونساء اقتفين في ذلك أثرهم، وعملن في ذلك على نحو عملهم، وقوم استحسنوا ذلك وصوّبوا فيه رأيهم، فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم؟ هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا؟ بيّنوا لنا ذلك.
فأجاب: بأن قال: الحمد لله حمد الشاكرين، والصَّلاةُ على محمّدٍ خاتمِ النبيين، وآلِه الطيّبين الطاهرين، أكرمكم اللهُ وإيّانا بتقواه، ووفقنا وإيّاكم لما يحبّه ويرضاه، لاتّباعِ سنّة نبيّنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه.
قد وقفنا على ما رسمتم وتصفّحنا فصوله، فالجواب فيه ما قاله بعض أئمّة الدين، من علماء المسلمين النّاصحين، حين سئلوا عن ذلك، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: “أن بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة”.
وقد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمته على هذه الفرق، وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم وتحقق، ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية، الذين ولعوا بجمع أقوام جهّال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين، وأنهم لهم من الناصحين وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين، فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية.
وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة.
وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج، لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم، بغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كان هذه حالته، سقطت مكالمته، وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم، وينجو من غاويتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *