سعد الدين إبراهيم
ادّعى بعض المؤرخين أن بني أمية أرهقوا البلاد وظلموا العباد، وهذا الإدّعاء من جملة اللغط الكثير الذي أثير حول بني أمية، وفيه مبالغة شديدة.
ولعل بعضهم قد قارن بين خلافتهم وبين الخلافتين الراشدة والعباسية، فظنوا أنها لم تقدم أي تطور للحياة الإسلامية بمفهومها الحضاري، غير تلك الفتوحات التي امتدت شرقا وغربا.
وبالغ بعض مؤرخينا المعاصرين والمتأثرين بالنظرة الاستشراقية في تفسير أحداث التاريخ الإسلامي فاعتبروها دولة مغتصبة للخلافة، مَتوقة للزعامة، قامت دعائمها قوية وطيدة بعد أن شردت آل البيت وأبعدتهم عن الحياة السياسية ثم حولت الخلافة إلى ملك عضوض يتوارث.
والأنكى من ذلك أن يذهب بعض هؤلاء (المؤرخين) إلى الاعتداء على خلفاء تلك الدولة بالتجريح لمواقفهم وأفعالهم تجاه الأمة الإسلامية، كمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وابنه يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان.. وغيرهم. ثم يقفون عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله، ويعدونه النقطة الوحيدة المضيئة في تلك البقعة الزمنية المظلمة، ناسين أو جاهلين أدوار الخلفاء الآخرين في نشر الإسلام وإعلاء كلمته في أنحاء الدنيا.
ولنا مع هؤلاء وقفة يسيرة بما يسمح به المقام..
إذا نظرنا إلى الخلافتين السابقة واللاحقة لخلافة بني أمية لوجدنا الآتي:
الخلافة الراشدة: وهي تلك الفترة السابقة لعهد بني أمية، فهي فترة ربانية بحق، لما فيها من ولع بالدين، وحب للعلم، وشغف بالدراسة، وزهد في الدنيا، فرعاياها تلاميذ مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم وأعظم بها من مدرسة!
وخلفاؤها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكم يتشوق الناس لتلك الخلافة.
والخلافة العباسية: وهي اللاحقة لعهد بني أمية، امتازت تلك الخلافة وعصرها بالبحث العلمي والنهضة العلمية والأدبية، وذلك بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقا وغربا، وحدث الامتزاج بين الحضارات القديمة ليبرز في النهاية الحضارة الإسلامية بصورتها الرائعة وبريقها الأخاذ وفي تلك الخلافة تم تدوين التاريخ وكتابته، وإن كانت إرهاصاته بدأت في نهاية عهد بني أمية إلا أن حركة التأليف والتأريخ ظهرت بوضوح في ذلك العصر.
ويكفينا أن نعرف أن تاريخ بني أمية قد كتب في عهد بني العباس فكان في هذا نظرة مجحفة ظالمة لهم.
ومن هنا نجد أن لكل حقبة من التاريخ مزاياها الخاصة.
فدولة رائدة عادلة صنعتها يد النبي صلى الله عليه وسلم، وساسها خيرة أصحابه رضوان الله عليهم، ثم دولة فتوحات، ثم دولة حضارية بالمعنى المادي والمعنوي.
فما الثانية إلا نتيجة للأولى وما الثالثة إلا خلاصة المرحلتين الأولى والثانية.
وما كتبه الحانقون على هذه الدولة في عصرنا الحاضر مستمد من مصدرين.
الأول: كتابات المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه وحضارته. وخاصة دولة بني أمية التي أدخلت الإسلام بلادهم حتى كادت أن تدخل باريس من الغرب وحاصرت القسطنطينية وأخذت كثيرا من ملك الدولة البيزنطية من جهة الشرق.
الثاني: الروايات الشيعية الملفقة والموجودة في بعض كتب التاريخ، كتلك الروايات التي نقلها الطبري عن أبي مخنف ذلك الشيعي الكذاب، وغيرها كثير.
وكيف لهم يجهلون قدر تلك الدولة العظيمة التي اتسعت رقعتها من الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا، كل هذا تحت خلافة واحدة تعلي كلمة التوحيد وتدافع عنه وتنشر الإسلام في كل مكان، فإن كان لبعض خلفائها هنات فلا نقف عندها لنحلل ونعطي الأمر أكثر مما يستحق، ونذهب نعمم ونقول للناس بأنهم كانوا ظالمين ومعتدين، فهذا خطأ بيِّن وخطب فادح.
وهذه النظرة المغلوطة للتاريخ الإسلامي وأحداثه قد بدت جلية واضحة في القرن الماضي حيث العلمانية تطبق ذراعيها على عالمنا الإسلامي، وحيث الصحوة الإسلامية التي لاحت بوادرها في الأفق، وراحت تعيد البعث في الأمة من جديد لتعود سيرتها الأولى كما كانت في عهدها الأول “خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت لِلنَّاس”، مما يشي بأنه حقد على الإسلام لا حقد على بني أمية.