في صحبة اللفيف الأجنبي الزاحف إلى فاس 1911 (2) الأستاذ إدريس كرم

سبق القول باستخدام «بريموند» المدفعية لفتح الطريق نحو فاس يوم 24 أبريل 1911، حيث خاض معارك ضارية ضد المغاربة المدافعين عن تلك الطريق، ولما وصل المدينة عسكر تحت أسوارها يوم 26 منه؛ إثر ذلك تراجع المحاصرون للمدينة يومي 3 و4 ماي 1911.
في هذه الأثناء كان مولاي الزين قد بويع من طرف «بني امطير» ومن والاهم من القبائل بشروط سبق التطرق لها، وذلك في نهاية أبريل بمكناس، مما ضاعف عدد القبائل الثائرة وقوى عزيمتها؛ وفي يوم 8 ماي، تم قطع المواصلات مع فاس من طرف الرافضين للغزو الفرنسي، وقد تحدث السلطان عن هروب متنكر بعد هجوم عام شنه الثوار من 11 ماي إلى 18 منه، وأصبح سقوط المدينة أمرا مؤكدا، بيد أن الحصار رفع فجأة بعد علم الثوار بقرب القوات العسكرية الزاحفة نحوهم بعدما استحث القنصل الفرنسي «كيار» إرسالها وفقا لقرار مؤتمر الجزيرة الخضراء.
مولاي حفيظ اقترح مخططا يعتمد الاستعانة بالقبائل الوفية له في «بني مسكين» للضغط بحركة تنهض من الشاوية يقودها لمراني، لكن مع هزيمة كولون «بريموند» والمناداة بمولاي الزين صار هذا المخطط لاغيا.
«يوم 22 أبريل، قررت الحكومة الفرنسية تنظيم كولون لإنقاذ فاس وبعث تعزيزات من الشاوية، كان لدينا اختياران بين قاعدتين، إما الحدود الوهرانية أو الشاوية، خط العمليات الشرقي المار بتازة أو الغربي المار بالرباط الغرب وضفاف سبو، في الشرق كان لابد من مراعاة وعورة المرتفعات والمدافعين عنها، والمناطق الحليفة لا يمكن أن تشارك إلا بوجود خط حديدي بين مقدمة القوات ووجدة.
أما بالغرب فهناك سهول بها فقط مرتفعات «زرهون» و«سلفات»، لذلك يمكن التنقل بسرعة لكولون سريع السير يؤَمن الاتصال والمعدات والأشخاص التي ستنزل في الدار البيضاء والرباط ومهدية، وسيكون النقل البحري أضل من السككي.
لقد فضلت الحكومة قاعدة الأطلسي، وكلفت الجنرال «موانيي» بقيادة العمليات التي ستوصل النجدة لإنقاذ فاس، في الشرق أعطيت الأوامر للجنرال «طوطي» بالتقدم نحو ملوية، واحتلال مواقع تمكننا عسكريا وسياسيا من وضع جيد.
النتيجة هي أنه صار لدينا مسرحين للعمليات، واحدة ثانوية على التخوم الوهرانية المغربية، والثانية أساسية بين العاصمة والمحيط الأطلسي» ص.246 و247.
الوضعية على ملوية
«يوم 19 أبريل، توصل الجنرال «طوطي» بتعليمات توجب حصار القبائل الشرقية المغربية في أماكنها، حتى لا تقوم باجتياز تازة من أجل منع زحف «موانيي» إلى فاس، مع تنبيهه بعدم تجاوز القوات الفرنسية ملوية حذرا من الآثار الدبلوماسية السلبية.
في آخر أبريل، تم تجميع كل قوات التخوم الجزائرية المغربية بتاوريرت، فانتهز «طوطي» الفرصة لحل مشكلة «دبدو» من السكان الذين تم معاقبتهم نتيجة هجومهم على قواتنا في الشهور الأخيرة من سنة 1910، حيث بعث فيلقين، واحد إلى «بركنت» يوم 30 أبريل، والآخر يوم 2 ماي، حيث دخلهما دون إطلاق نار، ويوم 5 ماي، نظم دورية لبوليس الحدود على الضفة الشرقية لملوية، طبقا لاتفاق 1901 و1902 مع السلطان، وقد مكن احتلال «دبدو» وتاوريرت من إقامة معسكرات لقواتنا في «ميرادا»، حيث بدأ التباحث مع القبائل المجاورة من «بني وراين» والقبائل الشرقية المقيمة على الضفة اليسرى لملوية التي تعددت براهين معاداتها لنا.
أثناء اختراق مفارزنا النواحي المحاذية للضفة اليمنى لمعسكر «ميرادا» اخترقت «بنو وراين» الوادي لمهاجمة المعسكر مرتين، الجنرال «جيراردو» عسكر حول «دبدو»، ومع الأسف أحد المستطلعين مأمور من طرف القبطان «لايرديت» ضل الطريق نتيجة الضباب، ففوجئ بوجوده في الجبال قرب قصر «لعلاونة»، فخسر هناك 28 قتيلا، منهم القبطان و27 جريحا، ولم ينقذهم إلا وصول تعزيزات من وادي ملوية.
أنهكت قواتنا الإنذارات المتواصلة؛ المغاربة اجتازوا مشرعا ليلا، وبدأوا يطلقون النار على مراكزنا عندما كنا في حالة من الزهو والخيلاء على القبائل من جراء قصف مدافعنا لقصر كرسيف، في الحقيقة لقد كنا ضعافا أمام الخسائر التي تكبدناها.
وصول «موانيي» إلى فاس سمح للجنرال «طوطي» بالتنفيس عن القوات القلقة من هذه الحرب الدفاعية العارمة، بتقسيمها إلى ثلاثة فيالق، أكبرها الموجود في معسكر «ميرادا»، والثاني بإمرة الجنرال «ليري» أسندت له بعد معركة دامية في كعدة «دبدو» ضد قوات مغربية تركت عددا من القتلى في قوات الكومندار «رومون» و20 جريحا.
الفيلق الثالث تحت إمرة الكولونيل «هنري» في شمال «دبدو» تكلف بالتفاوض مع «بني عثمان»، وقد رد يوم 30 ماي هجوما للقبائل التي طلبت الأمان بعد المعركة، فعقد معها الجنرال «طوطي» السلام بالشروط التالية:
– أداء تعويضات حربية تؤخذ من قطعان الماشية.
– تسليم المحرضين على الفوضى.
– إيداع المحاصيل الزراعية في الضفة اليمنى لملوية» ص.249.
انتهاء العمليات سجل تهدئة على سفوح الجبال بين «دبدو» وتاوريرت، مسرح المفاجأة كان قصر «لعلاونة» ومنطقة «كساسرية» التي هي المركز الأهم، وقد كون الكولون الثلاثة إنجازا متكاملا لمهامه دون عوائق، ووصلوا بشكل متزامن إلى الزاوية المحرضة التي طلبت عفوا شاملا فقبل طلبها حسب العادة، وبذلك أصبحت قواتنا تخترق المضيق بأمان من خصومنا السابقين، وأتاحت فرصة لقوات «طوطي» للاستراحة بعد عناء كبير في مهمتها الصعبة تلك» ص.294.
تعليق
يلاحظ على العمليات العسكرية التي خاضتها قوات الغزو الفرنسية ضد المغاربة العُزل الذين كانوا يسلحون ويمونون أنفسهم ليجابهوا الغزاة، مما فت في عضدهم وقلل نجاعة القوات الغازية رغم عدتها وعتادها وتنظيمها وحسن تأطيرها بالمقارنة مع التطوع، وهو ما يدحض مقولة أن فرنسا وجدت قبائل همجية تتحارب فيما بينها وهي التي نظمتها وحضرتها، في حين أنها أفقرتها، يدل على ذلك العقوبة المفروضة التي سبق بيانها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *