السنة الحاسمة في غزو المغرب واحتلاله

تعتبر سنة 1910م سنة حاسمة بالنسبة لتبلور فكرة السيطرة على المغرب بغزوه واحتلاله، بيد أن ما كابدته القوات الغازية من خسائر في الأموال والمعدات والرجال نتيجة للمقاومة الشعبية والسياسية اعتمادا على الذات في إطار من الحصار الدولي الشامل طيلة 3 سنوات بعد تدمير الدار البيضاء واحتلال الشاوية، وقبلهما احتلال وجدة وبني يزناسن، إضافة إلى ما كان قد سبق لفرنسا أن استولت عليه في الجهات الشرقية من رأس الماء شمالا على الأبيض المتوسط إلى إيكلي جنوبا على الضفة اليمنى لوادي الساورة، بما في ذلك العبادلة وبني كيل، وبوعنان إلى حدود ملوية بين سنوات 1903 و1908 التي سبق الحديث عن بعضها.
وفي هذا الإطار يقول الملحق السابق بالقنصلية العامة الفرنسية بالمغرب “مارسيس كوط” بأن تاريخ غزو المغرب متعلق بالأحداث الدبلوماسية الجارية في السنوات الأخيرة بأوربا حول المستعمرات التي أثمرت بعد محادثات طويلة مع السلطان مولاي حفيظ وضع اتفاقية 1910م في 26 فبراير متعلقة بالشاوية والحدود الشرقية والمسألة المالية.
ذلك “أن سنوات 1910-1911 هي سنوات حساسة بالنسبة لتقدم احتلالنا وجدة؛ حيث تواصل العدوان على قواتنا دون فائدة؛ ذلك أنها بالرغم من ذلك تقدمت نحو ملوية بناء على اتفاقية 1902 وفي 12 يوليوز 1910م قمنا باحتلال منطقة مول الباشا، ووضعنا 12 ألف من الرحل في مركزي “مبرادا”، ومعسكر “برطو” على ملوية” (ص:933 عشر سنوات من الحماية 1912-1922).
“لقد كانت مسألة المغرب بالنسبة لفرنسا محدِّدة وفاصلة في علاقاتها مع الدول الأخرى الأوربية؛ ذلك أن وضعيتنا في المتوسط حيث نحتل الضفتين الشمالية والجنوبية، ووضعنا في إفريقيا الشمالية مع 7 ملايين من السكان، ولزوم اقتفاء ضرورة لعمل قهري اقتضاه بالنسبة لنا أن لا نرى بالمغرب سوى جار مسالم غير محارب لكل ما تطرحه سيادتنا وسلطتنا من أحكام متفوقة تنتهي بتدابير سامية، إلى نسيان كل ما جاء في مؤتمر الجزيرة من اشتراطات وتحفظات، سواء كانت مغربية أو دولية، ذلك أن لنا معاهدات واتفاقات سابقة مع السلطان منذ 1845م. ومع إسبانيا 1909م، ومع ألمانيا التي تعلم حقوقنا السياسية بالمغرب، والتي عالجناها معها بعيدا عن الاتفاقات التي لنا مع المغرب، والتي له مع باقي الأوربيين.
فهناك اتفاق مدريد 1881 واتفاق طنجة 1895 لتطبيق الضرائب على المحميين، واتفاق 1901م لتخفيض الضرائب عليهم، إلى جانب الامتياز الخاص المتعلق بالأمور السياسية التي كلفت بها فرنسا من طرف الأوربيين، لإرغام المغرب على الإذعان لتنفيذ التزاماته التي وقعها، فعلاقاتنا به إذن معقدة واسعة، ويجب تحصينها بامتيازاتنا الخاصة التي تتطلب أن نؤمنه بسياسة واضحة على أعلى المستويات من المراقبة ضد أي تدخل أجنبي، ومن أجل استتباب الأمن به، وذلك من أجل تحقيق الباب المفتوح وحرية التجارة، وهو ما نلزم السلطان بتنفيذها بدون تلكؤ مراعين ما كتبه القبطان “فريش” (قنصل فرنسا) سنة 1885م الذي كتب قاعدة لها كثير من الوجاهة وهي التي تختصر الدبلوماسية السلطانية التي تقول تعليماتها إلى ممثله بطنجة”: (كل الطلبات المقدمة من القوى الكبرى يرد عليها بالوعود، أخروا ما أمكن تنفيذ تلك الوعود، اربحوا الوقت، أثيروا الصعوبات من كل الأشكال عند المطالبين، اعملوا ما يجعلهم متعبين، حتى يصلوا إلى التخلي عن مطالبهم، وفي حالة التعذر قدموا أقل ما يمكن من التنازلات، وفي الأخير اخلطوا القوانين ثم استجيبوا لكن في آخر الوقت فقط).
هذه السطور تظهر أنه يمكن القول حقا: بأن هاته القاعدة تعتبر كأنها أمليت اليوم، أي بعد 15 سنة، ما تزال سارية المفعول في المغرب وفي المغرب وحده فلم يتغير أي شيء منذ ذلك الوقت” (ص:352 إفريقيا الفرنسية 1909م).
لذلك فإن وضعية مولاي حفيظ في هذه السنة ستبدو مضطربة بحق؛ ذلك أن ما بويع من أجله لم يلتزم بشيء منه، وأن السلطات الفرنسية ماضية في تنفيذ مخططها الاستعماري، والضغط على السلطان من أجل التوقيع على المزيد من الاتفاقيات.
إذن فلا عجب أن يكتب “لوكليرك” تحت عنوانه الشهير “بلد مستقل: مغرب/وضعية مولاي حفيظ”: “إنه لأمر غريب مرة أخرى عند متابعة تأرجح المغاربة حول مولاي عبد الحفيظ، في أواخر ماي وبداية يونيو اصطدمنا باختبار سيء جديد للسلطان، تمثل في:
1- توقيف تنظيم مراقبة الديوانة.
2- التباطؤ في استدعاء لجنة التعويضات.
3- تأخير إيفاد المسؤول الشريف للحدود.
4- إيقاف أداء أجور البوليس.
5- عدم معاقبة قياد الغرب الذين ثبت تورطهم بانتظام في معاداة الأوربيين.
لكن منذ بدأ نجم مولاي عبد الحفيظ في التراجع، ونودي بأخيه مولاي الكبير في تازة؛ حيث تجمع حوله عدد من القبائل؛ تحولت مواقفه مما سلف. فأعاد الموافقة لمراقبة الديوانة، وتم تنصيب لجنة التعويضات، واجتمعت.
المسؤول الشريف عن الحدود تم تعيينه وتوجه لمباشرة مهامه هو ونائبه، وهو عبد الصدوق ونائبه سي عبد الواحد وزير الحرب السابق.
البوليس تلقوا أجورهم، وتم تطبيق الموجب على القياد.
مولاي عبد الحفيظ صرح لمراسل جريدة “التان” في 7 يونيو يتعهد بالسير مع فرنسا يدا بيد.
الوضعية حول تازة لا تزداد إلا تفاقما؛ ذلك أن مولاي الكبير صار قائدا لحركة ثورة حقيقية حيث نودي به سلطانا في آخر ماي من قبل ممثلين لقبائل غياثة وتسول والبرانس وبني وراين والمكانسة.
التنصيب لم يتم عن طريق حفل كتابة عقد بيعة؛ لكن باتباع عرف بربري يقتضي بتبادل السلاهم بين ممثلي القبائل، وقد استقر السلطان بهوارة قرب المحلة الشريفة المكونة من بني مسارة، وبعد بضعة أيام انتقل طابوران منها مع سلاحهم وأدواتهم إلى معسكر مولاي كبير منذ انضمام الحياينة وكذا قائد المشور بنعيسي أخو عامل فاس الذي اعتقله مولاي حفيظ وصادر أملاكه وضربه، بعد اتهامه بأنه يعمل لحساب أخيه عبد العزيز” (إفريقيا الفرنسية يونيو 1910م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *