في 12 شتنبر 1907م غادر المولى عبد العزيز فاس قاصدا الرباط من أجل الذهاب إلى مراكش للقضاء على حركة التمرد التي قادها خليفته عبد الحفيظ، وتهدئة الشاوية التي دخلت في مواجهة مع القوات الفرنسية الغازية لضواحي الدار البيضاء.
فعلى إثر مبايعة مولاي عبد الحفيظ بمراكش سلطانا للجهاد في 16 غشت 1907م والتنادي إلى الجهاد لطرد الغزاة من النواحي المحتلة؛ فتحرك المولى عبد العزيز بضغط من الفرنسيين نحو الساحل، وهذا التحرك لا يمكن فهمه إلا من خلال تتبع المواجهات التي تمت في الميدان بين المجاهدين والغزاة وأثرها في الرأي العام الخارجي الذي عكسته مناقشات الجمعية العامة الفرنسية، والتقارير المرفوعة إلى الخارجية الفرنسية التي أجمعت على خطورة الوضعية لدرجة أن جعلت أحد النواب يقول في جلسة 24/01/1908م وهو ريبو صاحب مصطلح “سياسة الرباط”:
– (ماذا تقترحون؟ تقولون لنا ليس هناك أسهل من أن نتخلى عن مراكزنا ونهرب على متن بواخرنا، إنكم تقصرون التفكير على المغرب، ولكن تنسون الجزائر؟
أنتم لا تقرأون ما تقوله الجرائد، كل ما يكتب الآن عن المغرب يزيد تخيل المتعصبين هيجانا، ويؤدي بالتحديد إلى إرغام الفرنسيين قريبا على ركوب بواخرهم لأنهم لم يقدروا على البقاء فوق التراب المغربي، لن نناقش هذا لأنه غير لائق بفرنسا ولأنه ليست سياسة يمكن لنا سلوكها..
إن دبلوماسيينا يرتكبون خطأ باستقدام السلطان إلى الرباط، فإذا أتى من تلقاء نفسه فسيمثل لنا أكبر عائق في الوقت الذي نحتل جزء من التراب المغربي، عندما يرى بعض الأماكن تعاملنا كضيف مزعج. وإذا استقدمناه نحن من فاس، نكون نحن الذين نقدم له الأموال اللازمة لتجواله وتنقلاته والقدوم للرباط.
نتحدث عن مقابلات بالرباط والتزامات اتخذت هنا وهنا، وهذا ما يقلقني، حيث أجد في نفس الوقت الحذر من اعتراض هذا السلطان لما يمكن أن نصيبه من أهداف نتيجة تهوره بالمجازفة حيث يمكن لنا قنص مواضيع في بعض الأمكنة دون أن نعرض رجالنا للقتل.
لقد وجدت الطيش غامرا منتشرا منذ اليوم الأول لاحتجاجنا على إظهاره وتجميله. (افريقيا الفرنسية 1908م ص54).
وقد أجابه وزير الخارجية بيشون (ص48/1908): (لو بقي السلطان بفاس لصعبت علينا المفاوضات وتأخرت، ولما أمكننا عقد اتفاقات مباشرة معه، وإملاء سياستنا على الدول المؤثرة، لسنا نحن الذين قررنا هذا السفر كما يقول السيد دوبيف Dubief، بل قرره السلطان بنفسه في اليوم الموالي لمقتل الدكتور موشان بمراكش ليكون قريبا من المدينة من أجل محاولة ضمان حصول الترضية التي طالبنا بها، لكننا فكرنا أن توقيت سفره إلى الرباط أكثر نفعا وأكثر وجوبا من ذي قبل، وذلك ما قلناه لبنك الدولة ومؤسساتها التي قدمت وسائل إتمام السفر، وأضيف بأننا لم نندم على ذلك.
فإذا أخفق عبد العزيز وهذا محتمل فإن السلطان الذي سيتولى سيكون معيار التعامل معه باسمنا -فرنسا-، أو باسم التفويض الأوربي المنوح لنا من طرف مؤتمر الجزيرة لتنظيم وتحديث المغرب) اهـ.
لذا يرى البعض أن (التزام التمسك بالحياد بين السلطانيين سيكون بدون شك الوسيلة المثلى الأكثر إرضاء إذا أريد التوافق مع السياسة الناجعة التي نريدها أن تؤدي إلى الحصول على امتيازات دون الاتفاق مع السلطان على اتفاقيات تلزمنا حتى إذا ما تم هناك عمل قنصلي سواء مع العزيزيين أو الحفيظيين، اخترنا إقامته مع الذي يمتلك الأرض التي يتجمع فيها أكبر عدد من الأوربيين، وهو الذي دعا وزيرنا بالمغرب إلى الاتفاق مع عبد العزيز سلطان الساحل، لأن في هذا الساحل تتمركز تقريبا جل مؤسسات مواطنينا، وبالتالي فإن سلطان الساحل إلى حد ما هو سلطان الأوربيين، يدافع عن امتيازات الأوربيين بالمغرب لذلك فقد شعبيته في تلك المدينة المقدسة المتعصب أهلها.
وذلك للالتقاء بممثلي فرنسا بالرباط مختارا توجيه المغرب نحو الحضارة الأوربية، بخلاف سلطان الداخل -عبد الحفيظ- الذي يعتبر إماما دينيا لتجمع مسلمين متعصبين، مما يحتم علينا ألا نتوقف عن التواصل مع الأول الذي ما يزال بالتأكيد عاجزا وألا نتردد لديه في رفع حماية امتيازاتنا لفرضها على سلطان كل الشعب الذي يكره النصارى. (انظر مجلة افريقيا الفرنسية 1908م Alacote occidentale du Maroc ادموند دوتي Edmond Doutte).
لقد كان للصدمة التي عرفها التدخل العسكري في الدار البيضاء، والخسائر التي منيت بها على يد المجاهدين، وهي التي كانت قد أحرزت في وجدة مكاسب سهلة بسيطة، بحيث لم تواجه إلا بعد أن استقرت بالمدينة وأرادت التوسع خارجها، غير عابئة بنداءات الجهاد التي كانت على تخوم الحدود الشرقية طيلة السنوات الماضية والتي كانت محدودة، زيادة على كونها كانت ملجومة من طرف السلطان بحكم المعاهدات التي كانت فرنسا قد كبلته بها.
كما أن الأسلحة التي حولها المولى عبد العزيز إلى الشيخ ماء العينين، وتعيينه ابن عمه المولى ادريس خليفته له على الساقية الحمراء وشنقيط، وتخويله محاربة المستعمرين إذا رفضوا الجلاء عن المناطق التي احتلوها، وتنفيذ ذلك التهديد في منطقة تدجيكادج حيث هزمت القوات الفرنسية هزيمة منكرة في معركة دارت هناك يوم 26 أكتوبر 1906م (شارك فيها 900 مجاهد الكثير منهم ركبانا، فيهم 200 مسلحين ببنادق سريعة الطلقات)، كما سيعرض لاحقا في تقارير حول المعركة، إضافة إلى تطلع السلطان إلى التنصل من بعض أشكال التدخل الفرنسي عن طريق استخدام عقد الجزيرة، وتحت ذريعة التحديث والإصلاح مما أربك الساسة الفرنسيين وجعل البعض منهم يقول: بأنهم لا يمتلكون سياسة مغربية تستند على الأهالي، يطبقها المخزن العزيزي، كما يفعل الحفيظيون مع الألمان أواخر 1907م ناسين الفرق بالرغم من أنهم يعترفون بأن مولاي حفيظ في هذه الفترة (يمثل السيادة الوطنية وصوت الشعب بالمغرب..
– أحد النواب قال دون أن يغرق في الضحك من على منصة -الجمعية الفرنسية- بأن “مولاي حفيظ أصبح مثل رئيس جمهورية المغرب، يصرح الآن بأشياء خطيرة في الكواليس دون أن يبالي بأحد مدعوما بإرادة الجماهير) روبيرط دوكيي في Les affaires du Maroc.. ص:170/1908م.