ولد أحمد بن قاسم المنصوري المكناسي داراً وقراراً، الزياني مَنْشَأً، بقرية خنيفرة ببلاد زيان سنة 1315هـ/1897م. يقول عن نفسه:
“قدر لي وإن كنت مكناسي الدار، منصوري الوِجَار أن أنشأ في ثنايا الأطلس، في ذروة تلك الجبال، أشم المعطس وأنمو في ترابها، وأربى في شعابها وهضابها، فهي وطني منذ نعومة أظفاري، إلى أن كاد يظهر عذاري، ومن غضاضة إهابي إلى ريعان شبابي”.
ثم يضيف عن أصله ونسبه في رسالة خطية إلى العلامة عبد الله كَنون رحمه الله، فيقول:
“أصلنا من المنصوريين، أولاد أبي عبد الله محمد بن منصور، دفين جزيرة البسابس من الغرب، على نحو 35 كلم شمال مدينة القنيطرة، وينتسبون إلى شرفاء حسنيين إدريسيين.. وسكن أسلافنا عاصمة مكناس، وكانوا في عداد الجيش المخزني..”.
نشأته وتعلمه
تتلمذ صاحب الترجمة أولاً على والده الذي أخذ عنه مبادئ اللغة العربية والحساب، وطرفاً من كتاب الله، قبل أن يلتحق بالكتّاب حيث أتم حفظ القرآن، كما أتم حفظ بعض المختارات من الأراجيز التلقينية.
وبعد حفظه للقرآن الكريم، تحقق ما يصبو إليه والده حيث أظهر الطفل نبوغاً متميزاً واهتماماً باللغة العربية وآدابها، وأقبل يدرسها ويحفظ متونها، فقرأ على علامة زيان آنذاك الشيخ أبي زيد عبد الرحمن النتيفي الذي كان صاحب ثقافة واسعة وتكوين جيد، والذي أصبح فيما بعد قاضياً في الدار البيضاء. وقد أخذ عنه “الأجرومية” و”الألفية” و”المختصر” و”التفسير”، و”جمع الجوامع” و”الشمائل الترمذية” و”مختصر البخاري” لابن أبي جمرة، وانكب على دراسة بعض كتب التاريخ كـ”الاستقصا” للناصري و”فتوح الشام” للواقدي.
السلفية في القرويين
كان من الدعاة الرواد للسلفية في القرويين الشيخ أبو شعيب الدكالي (1878هـ ـ1937م)، ومن أبرز التلاميذ الذين استقطبهم الدكالي، والذين انتصرت على يدهم السلفية في القرويين، محمد بن العربي العلوي.
في هذا الجو المفعم بمنهج السلف وبالدعوة السلفية المباركة تابع صاحب الترجمة دراسته، وتكون على يد شيوخ أجلاء، من أشهرهم الشريف محمد بن العربي العلوي سالف الذكر، والقاضي محمد بن رشيد العراقي، والعلامة عبد الرحمن بن القرشي، وشيخ الجماعة أحمد بن الخياط، ورئيس المجلس العلمي أحمد الجيلاني، والشيخ المهدي الوزاني، ومولاي عبد الله الفضيلي، والعلامة محمد أقصبي، إلخ. وكان يحضر أيضاً دروس أبي شعيب الدكالي.
وفي سنة 1920م عينه أبو شعيب الدكالي وزير العدلية والمعارف مدرساً وإماماً بمسجد مدينة وادي زم. يقول في هذا الصدد:
“وفي سنة 1340هـ بارحت القرويين نهائياً، فوجهني الشيخ أبو شعيب الدكالي وزير العدلية والمعارف آنذاك لمدينة واد زم؛ للتدريس بمسجدها الذي فرغت يد البناء منه، فلازمت التدريس ثم الخطبة وإمامة الخمس، ثم درست بالمدرسة العربية الفرنسية”.
لا غرو أن هذا التعيين يدل على أن المنصوري تمسك بتعاليم السلفية وتشبع بها، الأمر الذي جعل باعث السلفية في المغرب الشيخ الدكالي ينيطه بمهمة التدريس، وهي الطريقة المثلى لإيصال الخطاب إلى الجماهير المغربية. وقد بقي وفياً لدروس شيوخه في القرويين، وأحاديثهم في بعض مجالس المسامرات التي كانت تدور حول محاربة الزوايا والطرقية، وحول البدع والتبديع.
مؤلفاته
ترك مؤلفات عديدة جلها في الأدب كما يتضح من العناوين التالية:
1 ـ “مشموم الجبل والسهل”، من مناظرة بين العلم والجهل.
2 ـ “المبادئ السامية لأصول الطب في الشريعة الإسلامية”.
3 ـ “الأبحاث الرشيدة عن الآداب بين جبال دبدو ورشيدة”.
4 ـ “مسامرة الشعراء لحديث الأدباء والشعراء”.
5 ـ “الآثار المستطابة من رحلتي مكة وطابة”.
6 ـ ديوان شعر يحتوي على ثلاثمائة قصيدة.
7 ـ مخطوطة حول “تاريخ خنيفرة”.
8 ـ “كباء العنبر من عظماء زيان وأطلس البربر”.
وفاته:
توفي رحمه الله سنة 1385هـ الموافق لـ 1965 ميلادي فرحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.