السلطان يذعن للقاضي والشرع.. مبدأ فصل السلط الإسلامي عند المسلمين

تراث وتاريخ

ذكر الناصري رحمه الله في “الاستقصا” قال:

(قال ابن خلكان: وسمعت عنه (أي يعقوب المنصور الموحدي) حكاية يليق ذكرها هنا، وهي أن الشيخ أبا محمد عبد الواحد بن عاشر أبي حفص، كان قد تزوج أخت يعقوب المنصور، فأقامت عنده ثم جَرَت بينهما منافرة؛ فجاءت إلى بيت أخيها يعقوب المنصور، فسَيَّر الشيخُ عبدُ الواحد في طلبها فامتنعت عليه. فشكى الشيخ عبد الواحد ذلك إلى قاضي الجماعة في مراكش وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن مروان.

فاجتمع القاضي المذكور بأمير المؤمنين يعقوب المنصور وقال له: “إن الشيخ أبا محمد عبد الواحد يطلب أهله”، فسكت عنه المنصور.

ومضت أيام، ثم إن الشيخ أبا محمد اجتمع بالقاضي المذكور في قصر المنصور بمراكش، وقال له: “أنت قاضي المسلمين وقد طلبت أهلي فما جاؤوني”.

فاجتمع القاضي بالمنصور وقال له: “يا أمير المؤمنين الشيخ عبد الواحد قد طلب أهله مرَّة وهذه الثانية”، فسكت المنصور؛ ثم بعد ذلك بمدة لقي الشيخ عبد الواحد القاضي بالقصر المذكور، فقال له: “يا قاضيَ المسلمين قد قلت لك مرتين وهذه الثانية، أنا أطلب أهلي فمنعوني منهم”.

فاجتمع القاضي بالمنصور، وقال له: “يا مولانا إن الشيخ عبد الواحد قد تكرر طلبه لأهله؛ فإما أن تسير إليه أهله، وإما أن تعزلني”، فسكت المنصور وقيل إنه قال له: “يا عبد الله ما هذا إلا جد كبير”؛ ثم استدعى خادما وأمره سرا بأن تُحْمَل أهلُ الشيخ عبد الواحد إليه، فحُملت إليه في ذلك اليوم، ولم يتغيَّر على القاضي، ولا قال له شيئا يكرهه؛ وتبع في ذلك حكم الشرع المطهر وانقادَ لأمره، وهذه حسنة تعد له وللقاضي أيضا، فإنه بالغ في إقامة منار الشرع والعدل).

 

أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا، الجزء الثاني، ص 199-200

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *