التطبيقات العملية لغزو المغرب

سبقت الإشارة إلى تشدد ضباط “جاليلي” في ضرورة إنزال بحارتها المغامرين إلى المدينة؛ وذلك لعلمهم المسبق أن الحكومة الفرنسية قررت غزو المغرب وإلحاقه بالجزائر وتونس، وفي يوم 7 غشت وصلت قوات “درود” القادمة من الجزائر إلى الدار البيضاء بعدما تأخرت يومين على الموعد الذي سبق لقائد الباخرة “دوشايلا” أن أخبر به قبطانها؛ الذي قرر الإنزال صباح يوم 5 غشت رغم اعتراض السلك القنصلي والقنصل الفرنسي والعامل والباشا، وما قدماه الأخيران من تنازلات.

لأن الأمر كان قد أبرم سلفا كما سبق أن أسلفنا على لسان المكلف بالشؤون الفرنسية بطنجة، وأن الإنزال مسألة كانت تنتظر اجتماع الأسطول ووصول القوات البرية التي أمرت الحكومة الفرنسية بتشكيلها تحت قيادة الجنرال “درود” انطلاقا من الجزائر، جاء في رسالة من وزير الخارجية “بيشون” إلى المكلف بالشؤون الفرنسية بطنجة “دوسانت أولير” بتاريخ 3 غشت 1907م: “الحكومة حذرت هذا الصباح؛ الضوابط المتعلقة بإرسال قوة بحرية وجنود مشات سيعبرون إلى الدار البيضاء قسم من أسطول الشمال تحت إمرة الأميرال “فيليب” يتكون من ثلاث بواخر، “كيدون” “جان دارك” “كولوا” التي ستحضر لتلتحق بمدينة “ريست”، وترسل من هناك إلى وهران لتحميل 1500 رجل مشات، وبطاريات مدفعية لتصل إلى الدار البيضاء يوم الأربعاء صباحا، وسيشمل النقل من جهة أخرى 300 فارس و800 رجل مشات من الجزائر، فإذا لم يتمكن هذا العدد من الوصول إلى الدار البيضاء فسنطلب من إسبانيا المكلفة مثلنا بمهمة إنشاء البوليس بالدار البيضاء للتعاون مع حركتنا، وإرسال قوات إن أمكن تنزل مع قواتنا بمنتهى السرعة لخطورة الوضعية هناك.

ومهما يكن فلن يتأخر إبحار قيادة القوات التي كلّف بها الجنرال “درود” الذي أعطي تعليمات باحتلال المدينة وضواحيها حالا، وبمجرد ما يستتب الأمن ويضمن حماية الرعايا الأجانب سيتم دون تأخير إنشاء البوليس وذلك بالتعاون بين البلدين وفقا لعقد الجزيرة واتفاقنا مع الإسبان .

الكومندان “منجان” وضع مؤقتا رهن إشارة “درود” لتلقي تكوين مفيد في هذا المنحى مثل الكومندان “سانطا أولالا” الذي يحتمل أن يكون أرسل إلى الدار البيضاء من طرف الحكومة الاسبانية.

تنظيم البوليس ليس فقط المهمة الوحيدة للمبحرين بل على “درود” مهمة أكبر وهي إحداث تغيير وردع عنيفين ضد القبائل المجاورة للدار البيضاء المسئولة عن الفوضى وتجديد الاقتتال (ص495 رقم الرسالة:531).

في هذه الأثناء كانت الباخرة الحربية “جاليلي” راسية في ميناء الدار البيضاء بعدما أمرت مغادرة مياه طنجة يوم 31 يوليوز لتصل إلى هناك يوم فاتح غشت غير أن قائدها توصل بإشعار من القنصلية الفرنسية بعد اجتماع السلك القنصلي وتقريره بأنه ما إذا نزل بحارتها في عدد قليل فإن الأوربيين سيتعرضون لمخاطر كثيرة، وقد تم تجميع الأجانب في القنصلية من اللذين لم يريدوا الالتحاق بالبواخر في الميناء. كما قام العامل بتأمين ممر يقف على جنباته جنود وأعيان بين الشاطئ والقنصلية يسمح لمن أراد من الأجانب بالتنقل في أمان دون تحديد زمن لذلك، وهو ما استغله قائد “جاليلي” لإنزال بحارته 11 في صناديق حملها متطوعون أجانب تحت لافتة مصبرات يوم 2 غشت بطلب من القنصل الذي عاد من طنجة في ذلك التاريخ (ص7 كريستيان).

كما قام الباشا بوبكر بنسعيد المتهم من قبل السلك القنصلي الذي سبق أن طالب بعزله ورفض المخزن ذلك، بإخلاء المدينة من كافة من دخلها من القبائل بين 2 و4 غشت وساد الهدوء وعاد الأمن إلى المدينة وتقلد مولاي الأمين مهمة الباشا، ووضع مراكز حراسة في الطرقات فاطمأن الأوربيون وعادوا إلى مساكنهم ولم يعودوا متجمعين بالرغم من بقاء التوتر سائدا، لكن ذلك لم يكن ليحول إلى إحراق المدينة وقنبلتها من طرف البحارة الموتورين الذين لم يرضوا بديلا من الانتقام من قتلة العمال التسعة -حسب زعمهم-، رغم العرض الذي قدمه العامل والباشا أن هذا الأخير سيعمل على القبض على الجناة معطيا الأمر لجنود المخزن للبحث عنهم في كل مكان رغم افتقارهم للذخيرة وسوء التمويل وقلة العتاد بسبب حجز الأسلحة والذخيرة في الميناء لانعدام المال لأداء الرسوم المفروضة عليها من طرف المراقب الفرنسي على الرسوم، لذلك بقي الباشا يضرب صدره ويندب حظه لما يعلمه من خطورة نزول البحارة إلى المدينة؛ الذي لن يبق المتواجدون فيها متفرجون وهم يرون غزوها وتدميرها من طرف الأسطول الفرنسي، وهي خارجة لتوها من احتجاجات على احتلال وجدة، وقيام مراقبين فرنسيين على الميناء باقتطاع 60% على دخله، وأمام ذلك العجز التسليحي الذي شهده ممثل القنصل الفرنسي الذي طلب عودة محصل الضريبة الذي كان قد غادر الميناء إلى مقر عمله، ولما حضر أمره بفتح مخزن السلاح وفتح الصناديق وبدأ توزيع الذخيرة والسلاح على جنود المخزن ثم بعد ذلك على معمرين الفرنسيين المتواجدين معه بالقنصلية (ص15 بوردون).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *