سبقت الإشارة بأن الطبيب الخاص بالقنصلية انتقل إلى طنجة وأوصل المعلومات التي رأى إرسالها إلى المسئولين في باريس عن طريق السفارة الفرنسية بطنجة، وهكذا كتب الممثل للشؤون الفرنسية بطنجة دوسان أولير رسالة تحمل رقم:334 إلى وزير الخارجية “بيشون” مؤرخة في طنجة 31/07/1907م جاء فيها: “بعد المعلومات التي أرسلتها لك عن طريق الدكتور “ميرل” عن عدد الأوربيين الذين جرحوا في وسط الأحداث التي أدت إلى قتل ثلاثة من مواطنينا رجما بالحجارة من طرف الجموع الهائجة المحرضة على ذلك، والتي طافت حول جثتهم التي رموا بها للبحر، نخشى غدا يوم السوق؛ مع تواجد جموع أكبر إذا ما غادر الأجانب منازلهم دون حماية أو أثناء لجوئهم إلى البواخر بالميناء، وأظن أن الأهالي لن يعارضوا صعود المعمرين إلى البواخر إذا كانت كثيرة وصالحة لاستقبالهم على متنها.
المركب الذي حمل الدكتور جاء معه عدد من الأجانب وحوالي 386 يهودي، لقد خلق الحديث عن هذا الهروب أثرا كبيرا وانفعالا خطيرا لدى جميع البعثات التي توصلت هي أيضا بنفس المعلومات مثلي، وقد جاء كثير منهم لتعزيتي، بالأمس فقط توصلت من أحد رجالنا بالدار البيضاء بتقرير يشير بأن بعض النواحي تقوم بعملية تحريضية مفرطة من طرف المحتجين مما يضاعف الخطر بالنسبة للغد. لقد التمست من قبطان باخرة “جاليلي” بالتوجه على وجه السرعة للدار البيضاء.
هذه الباخرة عليها الخروج غدا صباحا إلى هناك وسيعود معها الدكتور إلى مقر عمله، لقد طلبت من قبطان “جاليلي” التنسيق مع رجلنا دون أن يترك الحذر اللازم لإنقاذ حياة مواطنينا وتأكيد حصولهم على ملجأ أو حماية إركابهم في البواخر، كما يجب حماية الأجانب الآخرين إذا ما طلبت قنصلياتهم ذلك، واستقبالهم في أوضاع ممكنة بمجرد الوصول إلى الدار البيضاء وكذا الاتصال مع المكلف بالقنصلية عند العامل وأن يخبره بأن رأسه سيكون جوابا عن حياة أي فرد من مواطنينا”.
ويوم 2 غشت تم إرسال برقية من قبطان “جاليلي” بعد ما وصل إلى الميناء جاء فيها: “الأمن مؤقتا مستتب لكنه وقتي الفرنسيون على البواخر في الميناء لابد من حماية منشآتهم بقوة مسلحة هامة”. فتبين أن الخطر صار واردا مع تواجد تلك القوة (ص117 بوردون-وأندري آدم).
لقد حل التعارض محل التضامن الموصى به بين قبطان الأسطول ورجل القنصلية حيث رفض هذا الأخير نزول البحارة لاحتلال حي القناصل من أجل شرف فرنسا كما قيل، ذلك لأنه يرى “أن ذلك الشرف سيصبح عارا (l’honneur de la France seriez-vous un mouvis francais)” (ص116 أندري آدم).
“سان أولير” الدبلوماسي الذي استيقظ ضميره بعد 44 سنة من المجزرة قال بأنه أرسل وقتها برقية بواسطة رئيس اتحاد العمال الفرنسيين بطنجة إلى الحكومة الفرنسية جاء فيها “سنثأر للعمال القتلى ونحمي الأحياء” (ص113 أندري).
ترى من حمى الأحياء وجمع الجثث وحملها ودفنها غير الذين أحرقهم بحارة فرنسا المغامرين الذين انتظروا هدوء الناس وانصرافهم إلى أعمالهم بعد الذي كان ومرور 5 أيام على الحادث، أحرقوا المدينة وساكنيها ونهبوها بقنابل الميناجيت الحارقة ثم جمعوا الجثث المقدرة بـ 1500 بقيادة “منجان” وقواته وأحرقوها في الوقت الذي أمر القائد بوبكر بنسعيد بمرور جثث العمال وسط الجموع الغاضبة محروسة من طرف عساكره لتصل إلى القنصلية ومنها إلى المقبرة، مع أن الذين كانوا يتظاهرون كانوا يطالبون بعدم التدخل واحتلال بلادهم.
يقول “كريستيان هيلو”: “أنقذنا نهب المدينة فلو أن المغاربة هاجمونا بقوتهم الكثيرة العدد لما استطعنا مقاومتهم أكثر من بضع ساعات لقلة ذخيرتنا فخيرا فعلوا بالانشغال بالسلب والنهب، لقد كنا نرى من شرفات القنصلية الفرسان يمرون نحو مديونة ناقلي الأمتعة والناس طيلة يومين من القصف” (ص3 هيلو).
فإذا كان هؤلاء الذين يزعم المغامرون بأنهم كانوا منهمكين في نقل أمتعتهم، فماذا كان يفعل البحارة الجائعون في المدينة؟
يقول هيلو: “يوم 5 غشت وصلت الباخرة “دوشايلا” ونزل بحارتها في الجانب الصخري من الميناء حيث تسلقوا من فتحة في سور القنصلية البرتغالية للدخول إلى الحي للالتقاء ببحارة “جاليلي” والمتطوعين الأجانب الذين سلحوا من طرف البحارة المتواجدين بالقنصلية الفرنسية، وقد ظهرت أزمة عند بحارة “دوشايلا” الذين حملوا الذخائر والأسلحة ولم يحملوا مؤنهم مما جعلهم يتوجهون إلى المحال لنهبها”، ويضيف: “لقد ترك المغاربة متاجر الأغذية سليمة اعتقادا منهم أن بها لحوم الخنزير فأحضرنا من يحمل ما في تلك المحال من قطاني لوبيا وجلبان ومواد غذائية مختلفة كما عثر أصدقاؤنا على عجل قاموا بذبحه وأقمنا حفلة سمر عليه” (ص15).
وفي صباح يوم 6 غشت نزل بحارة الباخرة الإسبانية “ألفارو” وتوجهوا نحو السفارة الإسبانية لحمايتها منضافين إلى المدنيين المسلحين، وتوجهوا على طول الشاطئ تحت وابل من نيران المغاربة المتواجدين في النوافذ والمنازل مواصلين نقل المواد الغذائية من طرف المدنيين المتطوعين دون مشاكل، وقد أصيب بعض البحارة بجروح بسيطة في اشتباكات حول البنايات التي اقترب منها المغاربة، وقد شاركت الباخرة “بوني موراس” في القصف بعد وصولها، وعندما نزل بحارتها اقتحموا المدينة دارا بعد دار بالحراب ونفس العملية تمت حول القنصلية الإسبانية بالتعاون مع البحارة الإسبان، حتى وصلوا للحي الرئيسي “بوردلوز” حيث الاحتفال الذي أقامه المدنيون للبحارة الذين حيوهم بطلاقات البنادق وقنابل مدافع السفن التي رميت على المغاربة النازلين والصاعدين لمرس السلطان بتركيز تام بمجرد ما تصل قنبلة نرى خيولا تطير خالية من فرسانها الذين اختفوا فجأة (ص15 أندري آدم).