رسالة إلى السلطان مولاي الحسن من شرفاء تيوت يشتكون بها من سوء معاملة السلطات الفرنسية في الجزائر لهم

سلمت فرنسا الاستعمارية جزء من المغرب إلى الجزائريين سنة 1962م قبل انسحابها من الجزائر، وذلك رغم أن كل الوثائق التاريخية، التي كانت بحوزتها، والموجودة حاليا ضمن الأرشيف الفرنسي، تأكد بما لا يترك أدنى شك أن ملوك المغرب ظلوا يتحكمون في تلك المنطقة، المسلَّمَة للجزائر بدون منازع، وهذا منذ عهد السلطان الحسن الأول، وهي الأراضي التي كان المغرب ينتظر أن تعلن الجزائر مغربيتها بعد حصولها على الاستقلال، وهو ما رفضه جنرالات الجزائر بحجة أن المقاومة الجزائرية هي التي حررتها من الاحتلال الفرنسي، فمدينة بشار إضافة إلى مدينة تندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، فإلى حدود سنة 1960م، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية.

وسبق في غضون شهر أبريل من عام 1957م أن استقبل الملك الراحل محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، ترأسه آنذاك محمد الطاهر شيخ الزاوية القندوسية، الذي كان مرفوقا بزعيم حزب الاستقلال علال الفاسي، وبعد عرض القضية على الملك (المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية)، طلب منهم هذا الأخير أن لا يهتم سكان المنطقة بالأمر، وسوف يتولى هو بنفسه القضية، أي تحرير الصحراء الشرقية من قبضة الاحتلال الفرنسي آنذاك، إلا أنه توفى قبل أن يتحقق المراد. وبعد مرور 5 سنوات زار نفس الوفد الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة فاس، وأكد لهم هو كذلك حرصه على استرجاع الصحراء الشرقية إلى السيادة المغربية.
إن هذه القضية هي ما أصبح يسمى اليوم بقضية الصحراء الشرقية والتي أسست من أجلها المنظمة المغربية للمناطق الشرقية المغتصبة التي تطالب باسترجاع المناطق الشرقية في الصحراء المغربية والتي رفعت رسالة تناشد فيها “بان كيمون” بعرض الملف المطلبي على أنظار اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة يوم 10 أبريل 2008م، وقد توصل الوزير الأول عباس الفاسي في 17 أبريل 2008م برسالة تذكره فيها بأن هذه الهيأة المعترف بها قانونيا، عرضت على أنظاره عدة مرات.. مذكرات بشأن شرعية المغرب في استرجاع مناطق الصحراء الشرقية التي سلمتها فرنسا للجزائر، دون استشارة المغرب، مؤكدة على حقيقة تاريخية، وهي أن فرنسا عندما احتلت تلك المناطق كانت بها قبائل مغربية، وهي ثلاث مناطق الساورة وتوات وتيدكلت، مضيفين: لم يسبق لنا أن كنا جزائريين، بينما الجزائر، تستغل بترول أراضينا.
ونقدم للقراء الكرام وثيقة من بين الوثائق الكثيرة التي تؤكد مغربية المناطق الشرقية المغتصبة من طرف الجزائر، والتي يعلن فيها شرفاء اتيوت ولاءهم لسلطان المغرب في القرن التاسع عشر.
“بعد مرور أزيد من نصف قرن على احتلال فرنسا للجزائر، بقيت آثار ذلك الاحتلال تظهر على القبائل المغربية المتاخمة للحدود الفاصلة بين الإيالتين. ومردُّ ذلك بالخصوص إلى ما فرض على المغرب بالقوة من رسم للحدود لم ينظر فيه بعين الاعتبار إلى تبعية أجزاء شاسعة اقتطعت من التراب المغربي وضمت إلى مناطق الاحتلال الفرنسي في الجزائر.
من بين المناطق التي اقتطعتها فرنسا من التراب المغربي منطقة تيوت (توجد في ناحية سوس الجنوبية قرية أخرى تسمى تيوت أيضا)، وقد بين السلطان موقفه من ذلك مؤكدا: “تيوت حسبوه من الإيالة الشرقية وهو معروف عند الخاص والعام من إيالتنا وما زال به أبناء عمنا الأقارب قاطنين إلى الآن” (رسالة السلطان عبد الرحمن إلى عامل العرائش. وأغلبية سكان تيوت شرفاء علويون من ذرية السلطان عبد الملك بن السلطان إسماعيل).
بعد أن قضي الأمر وألحقت قرية تيوت بالمناطق التابعة لفرنسا، لم ينقطع المغرب عن مطالبة السلطات الفرنسية في الجزائر بكف اليد العادية ورفع الظلم عن القرية ومعاملة ساكنتها بما يليق من التوقير ومراعاتهم في أنفسهم ومتاعهم.
بقي سكان قرية تيوت وما جاورها من القبائل متمسكين بمغربيتهم محافظين على ولائهم لسلطان البلاد، يعبرون عن عواطفهم الوطنية فيما يكتبون للسلطان من رسائل ويلجؤون إليه بالشكوى كلما أضر بهم جيرانهم أو سلطات الاستعمار، لائذين به طالبين حمايته، مما يعطي مثاله الرسالة التالية، المؤرخة بيوم 13 محرم عام 1298هـ (الخميس 16 دجنبر 1880م) المحفوظ أصلها في مديرية الوثائق الملكية (سجل 35.131-محفظة الجزائر)، وفيما يلي نصها وصورتها:

الحمد لله وحده
وصلى الله عل سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
إلى حضرة سيدنا ومولانا المنصور بالله وأعزه، هو الذي أيدك بنصره، يعني بذالك السلطان مولاي الحسن بن سيدي محمد بن مولانا عبد الرحمن رحمه الله.
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أما بعد، يا سيدي نعلمك بديار هنا في قرية اتيوت ينافقون مع النصارى، وهما يتناسبون من ذرية سيدي أحمد بن يوسف، ومعهم ديار يقال لهم اولاد رحُّ، ويمنوهم بالبنيان. وقدموا هنا حكام الدولة الفرانصوية دمرهم الله. وأما دار بناها ولد سيدي محمد بن المولود ودخلوها حكام المذكورين ورأوا البلاد كلها أرضا وشجرا ومياها، وأتوا حكام المذكورين بثقلهم ودخلوها في ديار المنافقين، ورجع منهم واحد يقال إلى الجزائر، ولا علمنا ما يصنع.
وكثر القول والقال بالبنيان عند العرب والقصور في قرية اتيوت المذكورة. وهي بلادنا من ساعة سيدي محمد بن عبد الله مع جدنا سيدي محمد بن عبد المالك ونحن فيها إلى أيامك السعيدة.
واليوم حين أردنا أن نعلمك بهذا الأمر في ساعة الصيف وعلموا بنا النصارى المذكورين، وأرادوا أن يْخَطِّوْنا(1) بأربعة مائة دورُ(2).
واليوم يا سيدي لا طاقة لنا إلا بالله وبك. فنحن اشتكينا إلى الله وإليك، فلا يخفى عليك شيء، كما قال صاحب الهمزية (البوصيري):
هذه علة [ي] وأنت طبيبي ليس يخفى عليك في القلب داء
واليوم، الأمر الذي أمرتنا به نفعله. فأنت ظل الله في أرضه. وقال الله تبارك وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ”. واليوم إذا بنوا النصارى هنا في البلاد لم يبق لنا سُكُونْ(3) وملكوها إلى تفلالت. فاطلبوا الله بدعائك المقبول لا يوفي الله لهم نية.
وأما البلاد [ف] لنا فيها النصف بلا خدامك(4) لحلاف(5) النازلين معنا في القرية المذكورَة، عندهم الثلث. فنحن مساكين قاعدين في البلاد لا نضر أحد بشهادة القبائل ادومنيع(6) واحْميَّان(7) المهاجرين ولعمور(8) والقصور الذين في جانب فجيج. واليوم تُعَدَّوْا علينا في السابق بستة مائة دورُ قبضوها علينا ظلما وجورا. وفوضنا أمرنا إلى الله ولم تَنْهِيهِم علينا. وبعثوا إلينا هاذه المرة ثانيا بأربعة مائة دورُ التي ذكرنا. واليوم الأمر طال علينا، النظر إلى الله وإليك، والتدبير بأمر الله وبأمرك. فلا نخالف على أمرك ونهيك، والسمع والطاعَة لقولك. وأما الستة مائة دورُ قَبْلَ تَلاقينا مَعَك في بلادِ وَجْدَ (وجدة) في شهر رمضان. ونرجوك َتنْهِيهِم وتْتْهْلاَّ (9) فينا، ولم يظهر لنا شيءٌ في هاذه الساعة، وأردنا الخروج في ساعة أبيك رحمه الله، وقدمنا إليه وقال لنا: أنتم منا وإلينا تَرَكُوكُم الأسلاف في البلاد واقعدوا فيها، فلا نقصر أيدينا عليكم، فلا نريد لكم إلا العِزَّ والاحْترامَ والوقار، وهذه ديار المنافقين المذكورين يشكوا عند النصارى، ولا يخالف على ما يقول لهم. فهذه المرة أربعة مائة دورُ، كل هذا الأمر على أجل سكون النصارى في البلد والكلام هو طويل. والله على ما نقول وكيل. والسلام.
في 13 من شهر الله المحرم عام 1298.
بأمر الشريف مولاي علي بن علي، ومولاي قدور بن مولاي الهاشمي وأخيه مولاي ابراهيم، والشرفاء كافة من غير تخصيص، وفقهم الله لما يحبه ويرضاه آمين”.
الوثائق الملكية/الوثيقة رقم: 1365 (11/280-285)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أي يفرضوا علينا “خْطِيَة” أي ذعيرة.
(2) سكة إسبانية تعادل خمس بسيطات، وفي المغرب تعني الريال أو الدرهم.
(3) بمعنى سكن أو مقام.
(4) بمعنى: دون الحديث عن..
(5) الأحلاف: قبيلة بالمغرب الشرقي تمتد أراضيها على ضفتي واد زَا إلى مصبه بنهر ملوية.
(6) ذوي منيع: قبيلة مغربية ألحق الفرنسيون معظمها بالجزائر أيام الغزو الاستعماري، ومنها أشتات بإقليم الرشيدية.
(7) ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي أراضيها إلى الجزائر، وظل السكان على ولائهم لسلطان المغرب يكاتبونه كلما ألمت بهم ضائقة.
(8) ألحقها الفرنسيون بالجزائر في بداية احتلالهم للجائر في القرن التاسع عشر.
(9) أي تعتني بنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *