بيان علماء المغرب حول مشروع خطة “إدماج المرأة في التنمية” صفر 1420 هجرية

بمناسبة مرور عشر سنوات على تفعيل خطة إدماج المرأة في التنمية، يلاحظ المتتبع أن تطبيقها كان له آثار جعلت مطلب إعادة النظر قابلا للدرس والنقاش نظرا لكون التعديلات التي طرأت بموجب الخطة لم ترق لمستوى خدمة المرأة المغربية كما كان متوقعا، فبدل أن تتحصل المرأة على المزيد من العزة والتمتع بالحقوق الشرعية، أفرزت هذه الخطة المزيد من الظواهر الاجتماعية التي تهين المرأة وتقلل من أهميتها كقيمة داخل الأسرة والمجتمع..
فتمتع بعض النساء بتلك الحقوق جعلهن أكثر عرضة للاستغلال، حيث كان لخروج المرأة للشارع بشكل كبير نتائج سلبية متعددة منها التحرر الجنسي من قيد المؤسسة الزوجية، وانتشار أنواع وموضات جديدة من الملابس المثيرة مما أفرز انحرافات سلوكية لدى الشباب ذكرانا وإناثا أثر بشكل واضح على الأسرة.
فالرفع من سن الزواج بالنسبة للفتاة أظهرت التجربة أن له نتائج سلبية للغاية، فبدل أن يؤدي ذلك إلى التقليل من الطلاق، صارت الفتيات يصرفن شهواتهن ورغباتهن الجنسية مع الأخدان خصوصا مع وجود إعلام يركز على تهييج الرغبة الجنسية للمستهلك حتى يضمن الاستفادة من مشاهدته مما يمكن للموقف المادي العلماني من قيم المجتمع المغربي المسلم..
كما أن تمتيع المرأة بحق الزواج بغير إذن الولي لم يكن سببا في تصحيح مسار اختيار شريك الحياة المناسب شرعا، فاشتراط الولي في عقد النكاح لم يكن فيه أي إكراه على المرأة لأن الشرع ضمن لها حق الرفض والامتناع، بخلاف تعطيل دور الولي الذي كان سببا في استهانة الفتاة بإذن وليها، وسهل على من جرفهم تيار الشهوة التخلص من قيود الأسرة وسلطة الأهل مما أثر سلبا على العلاقات الأسرية.
كما أن بعض الحقوق تسببت في المزيد من الشرخ في العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا ما عبر عنه البيان: “فجاء مشروع الخطة المقترحة ليقضي على ما درجا عليه الرجل والمرأة في مجتمعنا من حفاظ على قواعد وضوابط شرعية إسلامية خالدة، ويبدلها بأخرى مستمدة من أهواء وأغراض، تحمل من المثالب ما يمنعه ديننا وتأباه كرامتنا وأخلاقنا”.
وتعميما للفائدة خصوصا بالنسبة للشباب الذين لم يعايشوا السجال المحتدم بين الفعاليات المغربية، نعيد نشر بيان رابطة علماء المغرب في مشروع الخطة المذكورة!!
فإليكم نص البيان كاملا:
“إن علماء المغرب من باب حرصهم على القيام بواجبهم الشرعي، المتمثل في النصح للمسلمين، وتبصير الأمة بما يصون دينها ودنياها جماعات وأفرادا.

ولما أن مسألة المرأة المغربية أصبحت موضع مساومة ومقايضة من طرف من تسول له نفسه جر مجتمعنا الأصيل المتشبث بدينه وقيمه وأصالته للابتعاد عن أحكام الشريعة الإسلامية عن طريق تفكيك الأسرة، بافتعال الصراع بين طرفيها الأساسيين في تكوينها: الرجل والمرأة، وذلك بالسعي إلى التشكيك في القواعد الشرعية المنظمة للأحوال الشخصية، مما يجعل الأسرة بؤرة توتر وريبة وشقاق، مع أن الأسرة في الإسلام عامة والمغرب بخاصة، قوامها التكامل والتوادد والتراحم والتعاون وفق ضوابط وأحكام وشروط تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة، وتحميها من أي ضرر يلحق بأيهما في حالة الشقاق أو الفراق مصداقا لقوله تعالى “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله).
وإذا كان هناك من يلتبس عليه ما يجري في واقع الناس من مظالم ومثالب وتشاح، بسبب الابتعاد عن تطبيق الشريعة المطهرة وينسبون ذلك للدين وأحكامه افتراءً، ظنا منهم أن تجاوز تلك الأحكام وفك عرى تلك الضوابط كفيل بحماية المرأة والنهوض بها، متجاهلين حالها في المجتمعات غير الإسلامية حيث تعاني من الاضطهاد والمهانة والاحتقار والاستغلال في مختلف المجالات وعلى أوسع نطاق فإنما ذلك افتراء على الدين وشرعه المطهر الذي أعطى للمرأة مكانتها وقيمتها الرفيعة عند المسلمين قال عز وجل: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ”.
إن علماء المملكة المغربية ينددون بما تضمنته بنود الخطة المقترحة، وديباجاتها من استخفاف بالتشريع الإسلامي وتهديد لاستمرارية الإسلام الذي تضمنته تلك البنود المناهضة لأصول الأحكام الإسلامية كتابا وسنّة.
والمرأة المغربية التي تشارك بكل فعالية في النهضة المثالية التي تعرفها البلاد، مصانة الكرامة محفوظة القيم، تعتبر تماسك وضعها من تماسك المجتمع المغربي المسلم، هذا التماسك الناتج عن الارتباط بالقيم الإسلامية، فجاء مشروع الخطة المقترحة ليقضي على ما درج عليه الرجل والمرأة في مجتمعنا من حفاظ على قواعد وضوابط شرعية إسلامية خالدة، ويبدلها بأخرى مستمدة من أهواء وأغراض، تحمل من المثالب ما يمنعه ديننا وتأباه كرامتنا وأخلاقنا، متجاهلا دور فقهاء الإسلام بصورة عامة وعلماء المغرب منهم خاصة، في إغناء التشريع الإسلامي المنظم للعلاقات الأسرية على مدى الأزمان والعصور بما يحتاج إليه الناس فُرادى وجماعات انطلاقا من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه السلف الصالح.
ومن المعلوم أنه باجتهادهم واستنباطهم ضمنوا للأمة ضوابط وأحكام سعد بها الناس، وحافظوا عليها لأنها أعطتهم أسرة مؤمنة محافظة على عرضها ومتماسكة البنيان، متينة الروابط جاعلة نصب عينيها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي بخير مادام كبيرها يرحم صغيرها وصغيرها يوقر كبيرها) الشيء الذي جعل البرور سمة من سمات المجتمع المغربي الذي قال عنه (أمير المؤمنين) في كتابه (ذاكرة الملك) فإذا شرعنا يوما في بناء دار لإيواء العجزة في المغرب فذلك يعني أن المغرب الحق قد انتهى.
إضافة إلى رغبة أصحاب الخطة في رفع سن زواج الفتاة البالغ وحرمانها مما أباحه لها الشرع، ومنع التعدد المباح بالكتاب والسنة والإجماع، والتشدد في إجراءات الطلاق ووضعه في يد القاضي الذي إن رفض أو تماطل الزوجان يعيشان في حالة سفاح، وداعين إلى اقتسام ثروة الزوج مع الزوجة في حالة الفراق ولو لم يكن لها فيها نصيب مشروع مما يعتبر اعتداءاً على الملكية الفردية الخاصة بكل من الزوجين وفتح الباب أمام أكل أموال الناس بالباطل مما يعد خروجا عن قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ” وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
إن مشروع الخطة المقترح حسب ما تبين فيه يؤدي إلى المزيد من دفع الشباب إلى العزوف عن الزواج، ويفتح الباب في وجه الانحلال الخلقي والتفسخ العائلي، ويشيع الفساد والفجور في المجتمع، ويؤدي أيضا إلى القضاء على الغيرة والشرف، وهذا ما يجعل العلماء يدقّون ناقوس الخطر أمام كل دعوة تتعلق بالأسرة لا تلتزم بالتشريع الإسلامي ضابطا لها، ولا تحترم مقاصده وأهدافه.
إن علماء المغرب بالمناسبة يحذرون من تغيير ثوابت أحكام الشريعة في مجال الأسرة وغيرها لما يترتب عليه من نتائج وخيمة، ويناشدون المنظمات والجمعيات الإسلامية والحقوقية والمدنية، أن تجتمع حول هذا الهدف الشريف وتتضامن في رد هذه الخطة المخالفة للكتاب والسنة، ويطالبون بالتمييز بين ما يقبل الاجتهاد للحاجة إليه مما يتعلق بالأمور الظرفية، ويمكن له أن يعالج بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعلائقية للمرأة، وبين ما هو قدسي يستند إلى أصول ثابتة من الكتاب والسنة، أثبت التاريخ أنها في صالح المرأة والأسرة والإنسانية قاطبة، ولا يمكن تغييرها بأي اجتهاد يخالف الكتاب والسنة تطبيقا للقاعدة الأصولية ( لا اجتهاد مع وجود نص )
وأخيرا إننا باسم علماء المغرب مع كل إصلاح مستند على الكتاب والسنّة والاجتهاد، اجتهاد أهل العلم والاختصاص لا اجتهاد غيرهم من المنبهرين بالحضارة الغربية الطامعين في فتات مثالبها، داعين إلى التمسك بالشريعة الإسلامية نصا وروحا, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *