من كوري قنصل فرنسا في موكادور إلى سان أولير.
موكادور 20 دجنبر 1909م
“لي الشرف بإخباركم أن تابعا لماء العينين أخبر بأن الشريف غادر سمارة قاصدا تزنيت، وهو الآن في شبيكة بين رأس جوبي وواد نون. هذا التحرك نحو الشمال جاء بعدما تحركت قواتنا في أدرار إلى بير النصراني الذي يبعد حوالي خمسة أيام عن شنقيط. هذا المعطى الجديد سيجعل سوس ملاذا لمناهضينا في إفريقيا الشمالية والوسطى” (ص:303 رقم:364).
وفي 10 نونبر 1909 كتب سان أولير إلى بيشون من طنجة ما يلي:
“قائد الوحدات البحرية في أثناء تجواله لمنع تهريب السلاح قبالة الساحل بأكادير، وقع لهم حادثين منفصلين نتيجة لكره واحتجاج قائد المدينة والسكان”.
جاء في تقرير لوكليرك من طنجة في 10 ماي 1910 ما يلي:
“طلب ماكس المفاوض الألماني من ماء العينين النازل دائما بتزنيت أن يكتب إلى مولاي حفيظ، ليأمر القائد أنافلوس والباشا لكلاوي السماح له بمرور قوافله الحاملة للرز والشعير من وإلى سوس وواد نون دون أداء الضرائب. ومعلوم أن ماكس ممون، له مقر بآسفي حيث يصدر شعير عبدة ويستورد أرز همبورغ”.
لقد وعد مولاي حفيظ منذ شهرين ونصف عندما وقع الاتفاق الفرنسي المغربي إبعاد ماء العينين ومشايعيه خارج المغرب وإيقاف كافة العلاقات الرسمية مع أعداء فرنسا لكن السلطان لم يلتزم بهذا الوعد.
لقد استقر ماء العينين في دار المخزن بتزنيت مصحوبا بزوجاته وطلبته وعبيده وقد بدأ يدير هذه المدينة ويربطها بزواياه، مستفيدا من سنوات الجفاف التي ضربت سوس وواد نون، حيث زادت شعبيته بفضل المحاصيل التي جمعها هناك من شعير وأرز وسكر ألماني، والتي نوزعها بأريحية ليس فقط على المقربين منه، ولكن على كل فقراء البلد الذين يموتون جوعا.
وهذا العمل الخيري زاد من تأثيره وسلطته في وادي سمارة.
ونتساءل الآن عن مصدر المال الذي أنجز به ذلك، فهناك من يقول بأن المخزن ما يزال يعينه بالنقود، وهناك من يقول بأن اتحاديات مانسمان هي التي مولت أعيان سوس ومنهم ماء العينين ليسهلوا لهم اسغلال المناجم.
ففي موكادور ثلاث ممثلين لمانسمان يجوبون سوس ومعهم رسائل من مولاي عبد الحفيظ.
من جهة أخرى تحقق شرعيا أن ماء العينين أدى لممونيه من المسلمين واليهود مستحقاتهم بواسطة شيكات عن طريق بعثة ماكس وشركة موكادور وممثليها بمراكش.
ومعلوم أن لماء العينين مقدما رسميا بمراكش وموكادور، وفي هذه الأخيرة يوجد ممثل لقائد الرجال الزرق كان محتسبا سابقا، هو الورتازي أخ الحاج عبد السلام باشا مراكش الشهير المسؤول عن مقتل المأسوف عليه الدكتور موشان، والملقب بالمجاهد في النصارى.
والورتازي هو المكلف بمصالح ماء العينين بموكادور ويتواصل مع هذا الأخير بواسطة رقاص يدبر مراسلاتهما بانتظام ويضمن تواصل العلاقات مع الرجال الزرق المنتشرين بين أكدير ومصب وادي درعة، والضاربين في تزنيت.
وقد قام ماء العينين بتوزيع حوالي 1200 موريطاني من المرافقين له إلى مجموعات صغيرة يقاتلون على الساحل الأطلسي، لمقاومة كل من ينزل إلى الساحل في أكلو وواد ناسا وواد أساكا وأخيرا أكديز، ومكلفين برصد ومراقبة المراكب الصغيرة التي تواصل تهريب السلاح وتسهيل مهامها واستقبالها من طرف الرجال الزرق هؤلاء، كما يقومون بشن غارات على الفرنسيين أينما ثبت لهم تواجد، عاملين على حمل السلاح وتمريره إلى الداخل.
إن التعليمات السرية لمولاي حفيظ الكارهة للأجانب تلتقي مع الفئات الإدارية المغربية التي تبدي نفس العداء، وتوسيع التدخل الفرنسي وزيادة سلطته تخيف الأهالي وتقلقهم، لذلك فإن المتهم الأول بالعداء للفرنسيين هي الفئة الحاكمة بفاس، وليس الموظفون فقط، الذين يستمدون أوامرهم من العاصمة ويسلكون وفقها، لذلك فالذي يجب أن يتغير ليس هؤلاء، بل أولائك هم الذين يجب أن يوقَفوا عند حدهم على الأقل في المرحلة الحالية.
إن عمل باشا أكدير وعدوله المتناغمين في الوقوف ضد المصالح الفرنسية، وما يفعله الباشا الذي هو أخ باشا مراكش لكلاوي ويسمى الحاج حسن، هذا الموظف يقوم بأفعال عدائية أمام السيد “جانتيل” يقصد بها تهديد فرنسا والفرنسيين، وعرقلة تحقيقات ضباط بحريتنا حول تهريب السلاح.
في هذه الفترة ناقش البرلمان الفرنسي يوم 25 ماي طلب ميزانية إضافية لصالح القوات الفرنسية العاملة بالمغرب، بما قيمته 1.128.063 فرنك، حيث بلغت تكاليف الغزو حسب المذكرة القديمة لغاية 31 دجنبر 1909: 73.668.000 فرنك، مقابل خسارة 175 قتيل و585 جريح، وقتيلان من جنود البحرية، و20 جريحا منهم، من مجموع 110261 جندي، و420 ضابط موزعين كالتالي: الشاوية 263 ضابط، 5647 جندي، وجدة 112 ضابط 3711 جندي، أعالي كير 45 ضابط، 1688 جندي” انظر (ص: 138/1910) مجلة إفريقيا الفرنسية.
وهي أرقام لا تثبت إذا ما قورنت بما جاء في التقارير الإخبارية طيلة سنوات الغزو السالفة، والغريب أن هذه التكاليف طلب من المخزن أداءها معتبرة دينا عليه وبفوائد.
معركة تادلة
يقول لوكليرك في مراسلته من طنجة بتاريخ 11 يوليو 1910 (ص:234/إفريقيا الفرنسية) حول معركة تادلة بين ماء العينين والقوات الفرنسية مما جاء فيها:
مرور ماء العينين في المغرب لم يعدم إثارة عدة حوادث خطيرة، رصدنا في عددنا الأخير بعضها، وهو يتأهب إلى الذهاب إلى فاس.
فعندما خرج من مراكش يوم 10 يونيو 1910 كوّن الجنرال موانيي فيليقين انطلقا يوم 18 يونيو أحدهما من بن احمد تحت قيادة أوبيرت، والثاني من سطات تحت قيادة تريبال الذي دخل إلى تادلة دون مقاومة، يوم 19 حيث احتل قصبتها. لكن يوم 21 منه شن هجومه الأول ضد بني عمير لكي يصل إلى قصبة الزيدانية، أما المعركة الثانية فخاضها يوم 23 منه في سيدي سليمان قرب كرّازا في الوقت الذي كان عائدا قرب لبروج حيث اصطدم مع عصابة من 5000 بربري أساسا من بني موسى موالين لماء العينين، وبالرغم من الفارق العددي، فإنه كان صائبا ومحقا، وبعد معركة حامية خاضها المشاة النفاليون باندفاع كبير جرح الكابتان سنين وليوطنا مور وقتل 13 جندي وجرح 57 آخرون، أما أوبرت فاجتاز وادي العبيد بمن معه من أجل قطع الطريق على ماء العينين للذهاب إلى فاس، وقد قاد قوات المجاهدين يوم 23 القائد أدراك، الذي استقبله ماء العينين في انتيفه على بعد 20كلم من دمنات يوم 6 يونيو 1910 (ص:272/1910)، وفي الحلقة القادمة سنستعرض الأمر الحربي لمعركة تادلة بحول الله.
والجدير بالإشارة أن الجنرال ليوطي سبق أن بعث إلى بيشون من وهران بتاريخ 9 أفريل 1909 برسالة حول المجاهد امهاوش جاء فيها: “توصلت من مراكز بالجنوب بمعلومات حول معاقبة قواتنا هناك لحركة امهاوش البغيض، مما أدى إلى عدم ظهور جماعات معادية في أعالي تافيلالت، مما زاد من عدد المهادنين لنا المعاونين الذين لا يرجون سوى العيش في سلام، ويتاجرون معنا متى أوقفت العناصر الكارهة لنا والمتعصبة ورفعت ضغطها عليها لتعود إلى ما كانت عليه من قتالنا. وقد جاءت قافلة لبشار لشراء مواد صناعية لبيعها في تيالالين وأعالي ملوية، وهي عملية نريد أن تكون مفتاح التهدئة النهائية في المنطقة الصحراوية ص:138/170.
أما في الشمال فإن مراسلة بيشون إلى سفيره بإسبانيا المؤرخة في 22 يوليوز 1909 جاء بها عامل مليلية العسكري أبرق لنا بأنه في صباح 9: عدة مغاربة قتلوا عددا من العمال الإسبان في السكة الحديدية للمعادن، الجنرال مريانا توجه مع قواته لمقاتلة الأعداء وإخلاء المرتفعات المحتلة لغابة جبل سيدي أحمد الحاشي، المعركة دامت ساعة بعد الظهر، واتخذت وضعية الاحتلال. الخسائر الإسبانية: مقتل ضابط وجرح اثنين آخرين، و30 جندي بين قتيل وجريح (ص:180/224).
وفي 11 دجنبر 1909 جاء في رسالة من مدريد إلى بيشون ما يلي:
بتاريخ 5 من هذا الشهر الحكومة حاولت حرق الاحتياطيين الموضوعين تحت العلم في مليلية وذلك قبل نهاية السنة، وسيمس هذا الإجراء 3500 رجل من حوالي 35000 حول مليلية، ليصل تدريجيا إلى 20000 (ص:289/رقم: 353).