أبو القاسم بن أحمد بن علي بن إبراهيم الزياني (1147ـ1249هـ/1734ـ1833م)

موقفه من التيجانية
يقول في حق مؤسس الطائفة التيجانية ص: 460-462 من الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا.
ويقرب من هذا ما وقع بمغربنا من بعض أهل البدعة قبحهم الله في زماننا، وذلك أن رجلا كان بتلمسان ينسب للطلب، وكان يتعلق بأهل البطالة الذين يدبرون الفضة ويدلسونها ويبحثون بزعمهم عن صنعة الأكسير الذي هو عن الوصول إليه خطير عسير، واشتهر بذلك بتلمسان عند كل إنسان، فلما علم به أمير البلد وهو الباي “محمد بن عثمان” ضربه وسجنه ونفاه عن تلمسان وأقسم له أن لا يستوطن في إيالته ببلد من البلدان.
فسار ينتقل من محل لآخر شريدا، ويتقلب في الفيافي فريدا، إلى أن بلغ قرية أبي سمغون، حيث لا تناله الأحكام ومجتمع الأشرار واللئام، فأظهر لهم النسك والتصوف والصلاح، ويرشدهم لطرق النجاح والفلاح، إلى أن اشتمل على قلوب من لهم به اتصال، من أهل الرماح والنصال، وبلغ خبره ممن يجاورهم من أهل ريقة ولغواط الذين يبيحون الزنى واللواط، وقد نص صاحب “المعيار” في فتاويه ونبه على هذه الطائفة الوهبية بصحراء المغرب، أنها من الرافضة؛ وهم هناك بين أظهر أهل السنة، ونبه عليهم الإمام “البرزي” فلعل هذا المبتدع اتصل بهم، وتمذهب ببدعهم وانتحلها فاجتمع عليها أوباش من العامة الجهلة وصار يوجههم لأجلاف العرب والبربر الذين بالصحاري، فصاروا يعتقدونه ويأتونه بالهدايا، وعظم صيته وكثر فساده وعيثه، فبلغ خبره لباي وهران ابن الباي محمد بن عثمان السابق الذكر، فكتب لأهل قرية بوصمغون بالوعيد إن لم يطردوه من بلادهم، فلما بلغه ذلك خاف على نفسه، أن يجرف في رمسه، ففر للمغرب في نحو العشرة من أبناء جنسه، وطائفة من تلامذته وأولاده، ومن له اعتماد عليه من أنجاده، وقصد مدينة فاس بما تلبس به من الأدناس، وكتب لأمير المؤمنين يتطلب ويتذمم له ويتعطف، ووصفه له الرسول بالعلم والصلاح، والزهد والعفاف والفلاح، فأنزله وأكرم وفادته، ولما اجتمع به ورأى “تقشفه وزهده” ظن أنه من أهل العلم والزهد كما وصف الرسول، وزعم أنه من أهل المعقول والمنقول، وعلى فرض علمه فإنه ممن قال فيهم الإمام السنوسي في مختصره “التقدم لمعالي الأمور قبل إتقان أصولها وضبط طرقها، عجلة وشهوة نفسانية توجب لصاحبها الفضيحة دنيا وآخرة، وإلا فالبراهمة والنصارى قد ارتضوا على قاعدة فاسدة فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا، وكثيرا ما يغتر أصحاب هذا الطريق بالتخيلات الشيطانية والنفسانية نوما ويقظة ويعدونها كرامات، وهي في الحقيقة استدراج وزيادة لهم في أنواع الضلالات، نسأله تعالى أن يلهمنا رشد أنفسنا بمنه..
ولما استقرت به الدار اجتمعت عليه طائفة أخرى من الأشرار، وتسمت هذه الطائفة باسمه الخسيس، واشتهر شهرة إبليس، وهو أحمد تجين، هو وطائفته في سجين، فأظهر ما كان منطويا عليه من البدعة، وهو يزداد عندهم بذلك رفعة، ولما سمع بمقالته الأشرار وجملة من أهل اليسار، انكبوا عليه أنكابهم معه في النار، ففرض لهم الفرائض وسن لهم السنن، والبدعة تتزايد منه وتتكون، فأول ما قال لهم اسمعوا كلامي وعوه، وكل ما تعرفونه قبلي دعوه، إني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة لا في المنام، ويقول لي وأقول له ما يعرض لي من الكلام، ومن جملة ما قال لي يا أحمد اعلم أن كل من يبغضك أو يشتمك أو ينسب لك ما يسوءك، فإنه لا يموت على ملة الإسلام. وقال لي إنك وأصحابك وطريقتك أفضل من وجد بعد الصحابة.
يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *