أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (392 هـ)

هو الإمام الفقيه المحدث، أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأموي الأصيلي نسبة إلى مدينة أصيلا المعروفة بالمغرب، الواقعة على المحيط غربي مدينة طنجة، وهي من المدن القديمة كجارتها طنجة.
طلبه العلم
كان أبوه رجلا أديبا، ولعل مكانة هذا الوالد الأدبية لعبت دورا كبيرا في تربية ولده وحسن تنشئته على طلب العلم منذ صغره، فبعدما حفظ القرآن وشدا طرفاً من أوليات المعارف في بلده أصيلا، توجه إلى قرطبة وهو ابن ثماني عشرة سنة، فتفقه فيها بشيخها اللؤلؤي وأبي إبراهيم وسمع أحمد بن حزم وابن المشاط والقاضي بن السليم وابن الأحمر وأبان بن عيسى بن دينار الأصغر ونظائرهم، وهو بعد شاب يافع كما سبق عن ابن عائذ، ولم يقتصر في الأخذ على علماء قرطبة فتوجه إلى وادي الحجارة وأخذ عن ابن مسرة الحجاري، وإلى بجانة فأخذ بها عن ابن فحلون كما في المدارك، وربما أخذ عن غير هؤلاء بغير هذه المدن من بلاد الأندلس.
شيوخه
وبعد تقصيه في طلب العلم بالأندلس، رحل إلى المشرق سنة إحدى وخمسين أو إثنين وخمسين، فلقي شيوخ إفريقية كأبي العباس الإبياني التونسي، وأبي العرب التميمي، وعلي بن مسرور، وعبد الله بن أبي زيد القيرواني وكتب عنه ابن أبي زيد بعض ما أخذه عن شيوخه الأندلسيين.
لقي بمصر القاضي أبا الطاهر البغدادي، وابن رشيق وحمزة الحافظ، وأبا إسحاق بن شعبان ومحمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري، وأبا أحمد ابن المفسر وغيرهم.
وحج سنة ثلاث وخمسين فلقي بمكة أبا زيد المروزي، سمع منه البخاري، وأبا بكر الأجري، وبالمدينة قاضيها أبا مروان المالكي. وسار إلى العراق فلقي بها الأبهري رئيس المالكية، وأخذ عنه الأبهري أيضاً وسمع من الدارقطني، وقد حدث عنه كثيراً في كتابه في الرواة عن مالك. وسمع بها كذلك من أحمد بن يوسف بن خلاد وأبي علي الصواف وأبي بكر الشافعي وغير واحد من تلك الطبقة وممن يليها ببغداد وبالكوفة وبالبصرة وواسط.
تلاميذه
أخذ عنه رحمه الله عدد كبير نذكر منهم: أبو عمران الفاسي، وابن الحداء، والمهلب، وأخوه محمد، وعيسى بن سعادة، وأبو المطرف الأنصاري، وهشام بن أكدر أبو محمد الطليطلي، وعلي بن أحمد وغيرهم..
مؤلفاته
ألف الأصيلي كتابا في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة، سماه كتاب “الدلائل على أمهات المسائل”، وكما ذكر القاضي عياض له كتبا أخرى منها “نوادر حديثة” في خمسة أجزاء، وكتاب سماه “الانتصار”، و”رسالة الرد على ما شذ فيه الأندلسيون”، و”رسالة المواعد المنتجزة من الله تعالى في كتابه لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين.
مكانته
قال القاضي عياض: كان نظير ابن أبي زيد القيرواني وعلى طريقته وهديه.
وقال الضبي في البغية: أكثر الجمع والرواية ورجع إلى الأندلس فساد في ذلك.
قال أبو إسحاق الشيرازي: وممن انتهى إليه هذا الأمر من المالكية بالأندلس أبو محمد الأصيلي، يعني رياسة العلم.
وقال ابن عفيف: رحل وتفقه على علم عظيم، وقدم الأندلس ولا نظير له فيها في الفهم والنبل.
قال عياض: كان من حفاظ مذهب مالك ومن العالمين بالحديث وعلله ورجاله، وكان ينكر الغلو في كرامات الأولياء -ويثبت منها ما صح- ودعاء الصالحين.
وفاته رحمه الله
توفي رحمه الله وهو ابن ثمان وستين سنة كما قال ابن القرضي، في ليلة الخميس ذي الحجة سنة 392هـ، لإحدى عشرة ليلة بقيت من الشهر آخر السنة، ودفن يوم الخميس عند صلاة العصر بمقبرة الرصافة بقرطبة، وصلى عليه القاضي أحمد بن عبد الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *