المغاربة يعلنون الجهاد لمواجهة الغزو الفرنسي في الجنوب والشرق والغرب إدريس كرم

سبق الحديث عن تنصيب مولاي حفيظ سلطانا للجهاد، على إثر الغزو الذي تعرضت له البلاد في كل من وجدة وأعالي كير جنوب فكيك، وفي الشاوية وقد أرسل السلطان محلة إلى الشاوية لمناصرة المجاهدين هناك بينما بقيت الجهة الشرقية تحت نيران قوات الجنرال ليوطي، والجهة الجنوبية موكولة إلى نظر المجاهدين وخليفة السلطان مولاي ادريس والقبطان تيسو حيث دارت معركة جنوب غرب تدْجيكْدجا بـ 250 كلم في صحراء أدرار في 30 نونبر 1907م شارك فيها 900 من الفرسان و200 من الرماة بالبنادق السريعة الطلقات، من 8 صباحا إلى حوالي منتصف النهار (الساعة 11)، قتل فيها 4 أوربيين بقيت جثتهما في الخلاء تنهشها الحيوانات لعدم القدرة على استعادتهما من طرف القوات الغازية وفقدان 15 جنديا من اللفيف الأجنبي و33 جريحا، وبقي إلى جانب القتلى أسلحة ودخائر غنمها المجاهدون الذين فقدوا 150 شهيدا منهم 3 رؤساء و5 من أولاد بكر رئيس الدواويش، وتراجع القبطان إلى معسكره حيث بقي محاصرا ضعيفا مع 65 من الجنود (انظر مجلة إفريقيا الفرنسية سنة 1909 ص:99 وما بعدها).
ومعلوم أن القوات الفرنسية في الجنوب الشرقي كانت دائمة التوسيع أعوام 1905م و1906 و1907 نحو عين الشعير وبودنيب للوصول إلى أعالي ملوية وشمال ﯖير لمحاصرة قبائل الأطلس ومنعتها من النزول إلى السهول الجنوبية للأطلس وقطع الاتصال بينها وبين تافلالت، وتجدر الإشارة إلى أن المجاهد العالم مولاي أحمد السبعي السغروشني قاد معركة المنابهة ضد الجيوش الغازية عام 1907م (انظر أحمد مزيان: التدخل الاستعماري في التخوم الجزائرية بـ: موسوعة الحركة الوطنية 1/45-46).
أما على الحدود الجزائرية فقد شهدت سنة 1907م المعارك التالية:
بعد احتلال وجدة في 27-29/03/1907م صرح وزير الخارجية الفرنسي بأن فرنسا دخلت لوجدة ولن تخرج منها إلا إذا حققت مرادها (ومن بين ذلك يقول الوزير أمام البرلمان الفرنسي)، ردع المحاربين بشكل عقابي وحيوي وسريع وقاطع بقيادة الجنرال ليوطي الذي يتمتع بكفاءة عالية ومعرفة عميقة للبلاد وسكانها بشكل لم يسبق له مثيل. (مجلة إفريقيا الفرنسية 1907 ص:54).
وقد أجمع علماء بنو يزناسن على النفير إلى الجهاد خلافا لما ذهب إليه علماء وجدة الذين رأوا بأن الإمام لم يأمر بذلك، إلا أن الأوائل قالوا بأن سكوته أمر بالقتال ولهذا قرروا الجهاد (انظر قدور الورطاسي بنو يزناسن ص:104).
تقول الرواية الفرنسية بأن الجنرال ليوطي انتهى من غزو بني يزناسن في خريف قاسي الطقس بالغ السوء منضاف إلى طبيعة وعرة مما استوجب تنويها من الحكومة الفرنسية على السرعة والشكل البديع التي تمت عليه العملية العسكرية التي انطلقت في دجنبر سنة 1907م حيث قسمت القوات إلى ثلاث مجموعات.
1- مجموعة كيسي توجهت إلى سهل طريفة.
2- مجموعة الوسط توجهت إلى هضبة بني يزناسن.
3- مجموعة وجدة توجهت إلى سهل انكاد. وكونت قوة احتياط في مغنية ووهران تحسبا لكل احتمال.
في فاتح دجنبر 1907م بدأت مهاجمة سوق أغبال حيث يحتمل تجمعٌ للمغاربة (المجاهدين)، وتقدم الكولونيل برانلير إلى موقع السي المختار بوتشيش أحد المحرضين على هيجان بني يزناسن، وقضى على التجمعات التي كان يرأسها في معركة دامت من فاتح دجنبر إلى 6 منه وذلك بسهل طريفة، حيث أحرق وأتلف المحاصيل، وفي ذلك التاريخ جاء ممثل لبني يزناسن إلى وجدة وطلب الأمان باسمه واسم من ينضم إليه من بني ورميش وحدد يوم 11 دجنبر لعقد لقاء بين الجانبين في وجدة بحضور الأعيان وممثلين عن بني يزناسن باستثناء بني منـﮝوش وجزء من بني عـتيق، واتفق الجميع على ما يلي:
1- إرجاع الأسلحة التي غنموها في قتالنا (الفرنسيون).
2- أداء غرامة 100 فرنك على كل طلقة نار مستقبلا.
3- بناء طريق من وجدة إلى كيس.
4- حرية التصرف (الفرنسي) والتفتيش والمناورة في كل منطقة بني يزناسن.
ومثل بني يزناسن وقاد المفاوضات والاتصال مع الفرنسيين بوجدة محمد ولد سي محمد من بني ورميش (المرجع السابق).
يقول الورطاسي نقلا عن والده الذي حضر اجتماع العلماء في أغبال لمناقشة الوضع، حيث أخبرهم المختار بوتشيش بأنه لم يبق له أمل في نتائج الاستمرار في الجهاد لانعدام الزاد والسلاح والمال لذلك أعلن أنه لم يعد مسؤولا عن العمليات الحربية (بنو يزناسن ص:106).
وبعد اتفاق وجدة واصل جيش الاحتلال تحركه، فضغط الكولونيل على عين الركادة في اتجاه مركز سيدي محمد ابركان 28 كلم شمال غرب مارتينبرس رواد قاصدا تهدئة بني يزناسن في معاقلهم، في الوقت الذي واصل الكولونيل فيلينو طريقه حيث خاض في 14 دجنبر 1907 معركة بوادي إسلي، وفي 15 منه غادر عين الصفا لمواجهة جموع المقاومة التي خاض ضدها معركة شاقة على قمم الجبال، كلفته 13 جريحا منهم ضابط برتبة “ليوطنا” حيث طلب يوم 16 منه جماعة الأمان وفرضت عليهم غرامة أديت للمعسكر، مواصلا تحركه التطويقي لعنق تافوغالت.
وفي 23 وصل كل من الكولونيل “براتلي” وجنوده والكولونيل “فلينو” وجنوده إلى عين تافوغالت حيث تم استعراض عسكري أمام الجنرال ليوطي الذي أخبره هذا الأخير (فنيلو) بإحكام تطويق المنطقة وباستحالة الإفلات من حركة جنوده ومراقبتها، (بيد أننا نجد أن ليوطي أمر بتحرك القوات) يوم 27 دجنبر نحو الجبال، إلا أن الأمطار عاقت تلك التحركات التي لم تنطلق إلا في 30 منه، وكانت لديها مجموعة من الأسرى -وهي تتحرك في مطلع 1908- من الأعيان المهمين من فخدات مختلفة وضمنهم المختار بوتشيش الذي تحول تلقائيا -حسب تعبير التقرير- لنبذ إراقة الدماء (المصدر السابق).
مما يعني أن المقاومة ما تزال صامدة رغم التقدم الذي حققته القوات الغازية وهو ما سنتعرض له لاحقا بحول الله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *