سقوط بيت المقدس 2/2 كتبه/ علاء بكر

دور الفاطميين في سقوط القدس:
لم يكن ضعف خلفاء الدولة العباسية وتنافس الحكام والأمراء على الأطماع الدنيوية وإخماد روح الجهاد في النفوس فقط وراء سقوط القدس، بل كان للفاطميين دور كبير وراء هذا السقوط. والفاطميون ينسبون إلى فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- وذلك من خلال انتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق وقد افترق الفاطميون عن الشيعة الاثنا عشرية في إسماعيل هذا، فعند الاثنا عشرية أن الإمامة كانت لموسى الكاظم بن جعفر الصادق، ويجعلها الفاطميون في أخيه إسماعيل، وقد اختلف المؤرخون في صحة نسب مؤسس الدولة الفاطمية عبيد الله بن الحسين بن أحمد الملقب بالمهدي.
ويرى المحققون منهم أن هؤلاء العبيديين كاذبون فيما زعموا من النسب. وإذا كان ثمة خلاف في صحة نسب هؤلاء الفاطميين فقد اتفق الجميع من أهل السنة، بل والشيعة الاثنا عشرية على فساد المذهب الإسماعيلي وخروجه عن الإسلام، وأنهم كفار وزنادقة، وبلغ بهم الكفر ادعاء الربوبية والألوهية في بعض أئمتهم.
وقد تمكن الفاطميون من إقامة دولة كبيرة لهم استولت على شمال إفريقيا والمغرب العربي ومصر، وبسطت نفوذها على الشام والحجاز، واتخذت من القاهرة عاصمة لها، والتي بناها جوهر الصقلي للمعز لدين الله الفاطمي الذي دخل مصر وأقام بها منذ عام 362هـ. وقد سعى غلاة الشيعة الفاطميون إلى إضعاف الأمة وإفسادها، وساهموا في دخول الصليبيين الشام وبيت المقدس، وتمكينهم فيها بعدة أمور منها:
1- حرص حكام الدولة الفاطمية على إفساد عقيدة الأمة ومحاولة فرض المذهب الشيعي الإسماعيلي بالقوة تارة وبالإغراء تارة، ولم يتوانوا عن قتل علماء أهل السنة وفقهائهم وسب الصحابة على المنابر، وادعاء الألوهية لبعض حكامهم. ومعلوم أن الأمة تقوى بتمسكها بعقيدة سلفها الصالح، وتضعف بالبعد عنها.
2- حرص هذه الدولة على هدم الخلافة العباسية وإضعافها باقتطاع جزء كبير منها، واستعداء أعدائها عليها، ومعاداة من يواليها من الحكام والأمراء.
3- حرص هذه الدولة على عزل مصر وشمال إفريقيا عن إخوانهم في الشام خلال غزو الصليبيين للشام فلم يجد الصليبيون المقاومة القادرة على ردهم.
4- لم يشترك الفاطميون في رد الصليبيين وقتالهم رغم شدة الخطب، يقول صاحب النجوم الزاهرة: “ولم ينهض الأفضل -قائد جيوش الفاطميين- بإخراج عساكر مصر وما أدري ما كان السبب في عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال”(1).
أما ابن الأثير فقال عنهم: “إن أصحاب مصر من العلويين -أي الشيعة الفاطميون- لما رأوا قوة الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلاءها على بلاد الشام حتى غزة… خافوا فأرسلوا إلى الإفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام ليملكوها”(2).
ويقول مؤلفا “الطريق إلى بيت المقدس”: “إن الفاطميين كانت لهم مراسلات وسفارات مع هؤلاء الصليبيين الغزاة، حيث أرسلوا إلى معسكر الصليبيين عند أنطاكيا عام 492هـ عرضت عليهم اقتراحاً يتضمن اقتسام أملاك السلاجقة المسلمين فيكون للصليبيين أنطاكيا وشمال الشام ويكون للفاطميين فلسطين”(3).
وقد فطن المخلصون من هذه الأمة إلى هذه الأمور فعالجوها، فاستطاع عماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود ومن بعدهما صلاح الدين الأيوبي أن يبثوا روح الجهاد من جديد، ويوحدوا مصر والشام، ويسقطوا الدولة الفاطمية، ويعيدوا ولاء المسلمين شرقاً وغرباً للخليفة العباسي في بغداد، ويعدوا الجيوش الكبيرة القادرة على صد الصليبيين ودفع شرورهم، ثم إخراجهم من ممالكهم، وتحرير القدس من أيديهم، ولله الحمد والمنة.
وما أشبه الليلة بالبارحة لو فطن لها مخلصو الأمة ومصلحوها.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) “السلطان صلاح الدين” مركز السيرة والسنة، ص:16 نقلاً عن ابن تغر بردي في النجوم الزاهرة جـ5/ ص:147.
(2) المصدر السابق: ص17 نقلاً عن الكامل لابن الأثير في حوادث سنة 491هـ، وانظر الحروب الصليبية لسعيد عاشور جـ1/ ص:176.
(3) “الطريق إلى بيت المقدس” د. جمال عبد الهادي، د. وفاء محمد رفعت، دار التوزيع والنشر الإسلامية -القاهرة- ط. الثانية جـ1/ ص:68.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *