سبقت الإشارة إلى أنه من شروط فرنسا وإسبانيا وباقي الدول الكبرى لمولاي رشيد سلطان المغرب توقيف دعم الحركات الجهادية بتافيلالت والصحراء وأحواز وجدة والشاوية، وبعث منشورات إلى جهات المغرب بذلك، مما يعني أن هناك روابط مؤسساتية بين المجاهدين والسلطة الحاكمة المقامة خلافا لما يتحدث عنه من كون فرنسا واسبانيا عملتا على توطيد الأمن داخل المغرب وإنهاء الاحتراب الداخلي.
لقد كانت لفرنسا تطلعات وصل جنوب الجزائر بالمحيط عبر احتلال صحراء جنوب المغرب، إلا أن المقاومة التي وجهتها جعلتها تعيد النظر في آليات تنفيد ذلك بحيث استصدرت من الدول المشاركة في مؤتمر الجزيرة حول المغرب السماح لها مع إسبانيا لمراقبة الشواطئ المغربية ومنع تهريب السلاح وبالتالي إنشاء مراكز حراسة ومراقبة في بعض مدن الساحل جوبهت بالرفض.
من ذلك مثلا ما وقع في مدينة الصويرة حيث هاجم الجنود المغاربة أفرادا من البوليس التابع لفرنسا.
تقول رساله موجهة منه رونو سفير فرنسا بطنجة إلى بيشون وزير الخارجية الفرنسا:
طنجة 18 أكتوبر 1908.
اتصل بي قنصلنا بموكادور تلفونيا بالأمس وأخبرني بأن فرقة من الطابور المغربي بالمعسكر هناك، هجموا بالسوق على عدد من أفراد البوليس بالحجارة، فقام سرجان بجمع رجاله نحو معسكرهم تحت وابل من الطلقات النارية، وقد حوصرت معسكرات البوليس هناك بالتتابع لمدة ثلاث ساعات أو أربعة، وقد أصيب عنصر من البوليس بجراح عولج بعد حضور المدربين، وقد رد البوليس على إطلاق النار بعض الشيء حيث سقط يضع يضع عشرات من الأهالي جرحى وقتل اثنان وآخر جروحه بليغة. وقد مر الليل هادئا ( ص 1رقم 1).
وقد قبلت بريطانيا تجديد تكليف فرنسا واسبانيا بمراقبة تهريب السلاح بتاريخ 20/1/1909 وفق أحكام عقد الجزيرة وقبلت بذلك ألمانيا في 25/01/1909 وهولندا 25/1/1909، والبرتغال 25/1/1909 وإيطاليا 26/1/1909 وبلجيكا 29/1/1909 وواشنطن 29/1/1909 وروسيا 29/1/1909.
وفي 17 يبراير 1909 بعث رونو إلى بيشون………… بان السلطان عبد الحفيظ صرح لي اليوم بانه من المنتظر انه يدعو في المستقبل مواطنينا لتنظيم جيشه، وقد سمى الكومندان مانجان قائد للتداريب ( ص 34 رقم 131).
أما الجنرال دماد فقد بعث إلى وزير الحرب الرسالة التالية:
الدار البيضاء في 22 يبراير 1909
في الجولة التوديعية التي قمت بها لمراكزنا بالشاوية أتاحت لي بأن أحمل لحكومة الجمهورية انطباعا أكثر من مشجع عن العمل الذي اكتمل بالمغرب.
لقد استقبلت كل نواحي الشاوية التي هرعت مسرعة من جديد خيولها ومسلحيها لكن هذه المرة كأصدقاء موالين ومخلصين لفرنسا البالغين 15000 فارس وعلى رأسهم قوادهم يرافقون قواتنا في تجوالها ومساراتها.
من جهة أخرى أن النواحي المحادة مع الشاوية التي دعوناها على طور خط سيري بعثوا بممثلين.
كل المغرب أعلن اليوم السلام والأمن في الشاوية يقدم الدليل.
لقد دخل الكوم في الطريق الأمثل للتكوين لكن كفاءتهم تتطلب أيضا بعض الوقت من الاحتكاك بنا.
أنا سعيد بهذا التعاون الذي سأتركه لخلفي الجنرال مواني ( ص 87/ رقم 187).
بيد أن هذا السلام المتحدث عنه لم يمنع وجود المقاومة التي يمكن افترضت أن يكون من بين شروط الاعتراف بالسلطان الجديد مكاتبته للمغاربة بتوقيف الجهاد؛ هذا الجهاد الذي كانوا يعتمدون فيه على أنفسهم والذي يمكن أن نقدم نموذجا عنه هذا التقرير الذي أنجزه لاحقا بعد سنة القبطانُ دوري حول نقط الماء ومسالك وحركات الصحراء المغربية التي سمتها الكتابات العسكرية الفرنسية “من كير إلى موريطانيا” والتي عرفت معركة بوهادي التي قادها ليوطنا درباكير في 15/10/1908، وسنأخذ من تلك الدراسة جانب الحركات:
1- حركة الركيبات بالساقية الحمراء رئيسها ولد خيدوما من عريبات وتضم حوالي 750 إلى 800 رجل بها 250 إلى 300 من البرابر. و300 إلى 400 من دوي منيع و 70 إلى 80 من تاجاكت وعريب و60 حصانا.
وقائدها الحالي هو علي بن ميلود من أدريسا توجيت (الخاضعة للحكم الفرنسي والتي) انقسمت.
مكان تجمع في زﮜدو.
2- حركة آي تيوسا في ﮜويرت الغازي رئيسها محمد بن جامع من أولاد جرير منشق.
الحركة مكونة من 100 رجل من دوي منيع وأولاد جرير، وبعض البرابر بها حصانان فقط مكان تجمعها غيايت على جانبي وادي الداورة بالة مكان يسمى رملة غيايت.
3- حركة الكركوز في تركز:
رئيسها محمد بن جامع من أولاد جرير منشق تتكون من 300 رجل، ثلثهم من ذوي منيع والباقي من أولاد جرير، عندهم فرسة واحدة مكان اللقاء الرميلة.
4- حركة دوي بلال في لـﮝلب:
رئيسها سليمان ولد عبد الله من العبادلة من دوي منيع الرياس أسلاف الطيب ولد الشيخ مبارك الرئيس الحالي للعبادلة دوي منيع الرياس.
تضم 400 رجل تقريبا كلها من دوي منيع وبعض عريب فقط معهم حوالي 30 حصانا مكان تجمعها سوبتي.
5- حركة آيت أوسا فم الشكوا رئيسها سليمان بن عبد الله من العبادلة دوي منيع الرياس.
تضم حوالي 600 رجل 30 إلى 40 من أولاد جرير والباقي من دوي منيع عندها حوالي 40 حصان تجتمع في سوبتي.
6- حركة أولاد جلال في قصبة الجّْـوَا
رئيسها مختار ولد حنيني من ديابات أولاد منيع الرايس تضم حوالي 300 رجل من دوي منيع لا خيل بها. مكان تجمعها سويتي.
7- حركة أولاد يحيى قرب سيدي عبد النبي رئيسها محمد ولد خيدوما من عريب عددها حوالي 20 نفر من عريب مكان يجمعها دويف بين امبيركا والطاوس بين وادي تافيلالت وزير أمر بوش.
8- حركة ايت أو مريبط وايت يوسي. رئيسها الحسين ولد من دوي منيع، إلا أنه ربي وشب عند برابر ايت نبكحي تضم حوالي 70 رجلا بدون خليل مكان تجمعها أوديكا.
9- حركة ايت أومريبط البركة رئيسها محمد بن جامع من أولاد جرير منشق. تضم حوالي 100 رجل نصفهم من دوي منيع ونصفهم من أولاد جرير بدون خيل مكان تجمعها رميلي مسلك عيايت وقوم تافراوت.
10- حركة ايت إبراهيم امعيط رئيسها سليمان بن عبد الله من العبادلة تضم حوالي 600 رجل من دوي منيع تتوفر على 20 إلى 25 حصانا. مكان تجمعها إلانييس.
11- حركة عبيد تودا بالساقية الحمراء رئيسها الديفلاح ولد أحمد بن بوزيان من أولاد جرير أولاد قويدر توفي عند بوعمامة، علامها مسعود ولد بويا جويد. من شعامبا تضم حوالي 300 رجل 10 إلى 12 من اشعامبا و 25 من دوي منيع والباقي من أولاد جرير معهم بعض المهور… تجتمعهم في نـﮜبة لقنادسة.
12- حركة ايت علوان في آزديك تضم حوالي 1000 رجل من دوي منيع أولاد جرير.
13- حركة لعروسيين في بويرت انويغرا تضم حوالي 400 رجل من دوي منيع وأولاد جيري عندها حوالي 20 حصانا تجتمع في الداورق.
يقول القبطان دوري: في بحثه المتميز “من كير إلى موريطانيا” المنشور في مجلة إقريقيا الفرنسية عدد 11/1/1910 والذي نقلنا عنه ما سلف:
“العمل الذي سنقرأه لأول مرة، يقدم اسم ونقط الماء على الخريطة الصحراوية لأول مرة.
والمخبر الذي أمدنا بالمعلومات يسمى عبد المجيد ولد الحبيب تاجر في الصدف وأشياء أخرى فقد رسم عدة مرات مختلف مسالك الناحية حيث كأن يذهب للتزود بالبضائع من الساحل الأطلس المستعمر من طرف إسبانيا في ريودور ليذهب ليبيعها شمالا في موﮜادور ومراكش وبني عباس وأدرار أو نحو الجنوب في ولاته، ودان، شنقيط، واطار، إلى سان لوي بالسنغال.
كما أن هناك مخبرين آخرين يجوبوون الشاقية الحمراء المرتبطة بتافيلالت ودرعة قاموا لنا إفادات هامة، وقبل احتلالنا لدوي منيع وأولاد جرير كانوا ينضمونه حركات تدير غارات على المجال السفلي لدرعة والساقية الحمراء وليكيدي، ومن تواجدنا في بشار لم بعد الخاضعون لنا يشتركون في تلك الغارات (…).
إلا أنه يقول عن الناحية: “كل هذه البلاد الموجودة بين جنوب المغرب وموريطانيا وجنوب جزائرنا ليست لها بكل تأكيد قيمة اقتصادية حسب تعبير المخبرين(…) أما عسكريا فلا تعدم قيمة خاصة إذا تذكرنا ما تعرض له الكولونيل ﮜوروا من مقاومة، فإذا كان هذا البلد المقاوم للفرنسيين لا فائدة له من الشرق وإلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب فإن الولي الشيخ ماء العينين المتواجدون في سمارة منذ زمان أوجد قاعدة وشهرة وقام بصخب ودعوة إلى مقاومة الفرنسين تحت امراة السلطان حتى إنه يتعدى إلى ساحل إفريقيا الغربي وأحيانا إلى مواقعنا بالجزائر (…) مذكرا بأن الحكومة الفرنسية أجمعت في سنتي 1903 و 1904 على محاصرة المغرب من الجنوب وفي سنة 1907 اقترح لوكليرك بضرورة إنشاء ميناء على الأطلسي تنطلق طريقه من جنوب وهران مارا بدرعة والساقية الحمراء” (ص: 354 /مصدر سابق).
مما يدل على أن المقصود بحصر تجمع الحركات ومعرفة عدد المقاتلين وأدواتهم القتالية لم يكن يهدف إلى منع الاحتراب الداخلي وإنما التمهيد للقضاء على المقاومة المسلحة للتغلغل الاستعماري.