الحركات الجهادية لصدّ مقدمات غزو المغرب

نقدم في هذه الحلقات تقارير حول المخططات العسكرية والسياسية لغزو المغرب بين 1906م و1910م، وذلك لفتح الطريق من الجزائر نحو مياه الأطلسي عبر تافيلالت وممر تازة، وفيما يلي رأي القبطان “دوماس” من فوج المدفعية التاسع؛ المنشور سنة 1909م تحت عنوان: “على تخوم جنوب وهران”.
“كشفت الحوادث في سنة 1908 بتخوم جنوب وهران أفكارا خطيرة غير مسبوقة صادرة من شريف متشدد مسموع الكلمة ما يزال حيا رغم تقدمه في السن يسمى مولاي أحمد أولحسن الذي نادى بالحرب المقدسة ضدنا في الوسط الشعبي المجاور لزحفنا، وقد انتشرت الحركة بعيدا عن مكان تواجده وكانت النتيجة ثورة مسلحة حقيقية في جهتنا خاصة تستوجب الدفاع وصدّ مهاجمي مواقعنا وبذلك قمنا بدورنا للتحرك نحوهم في عقر دارهم لمعاقبتهم، وفي هذا الكتاب نتعرض للوقائع المتوالية لتحركنا في هذا البلد دون أن نتطرق لما وقع قبل بداية العمليات في معركة المنابهة بتاريخ 16 أبريل 1908 التي مثلت بداية حقيقية لعملياتنا في هاته المناطق، تلك المعركة التي جرت في ظروف أكثر ملاءمة لمن يريد دراسة ذلك، ففي رمضان عام 1325هـ وبالضبط في ليلة القدر الموافق لما بين 10 أكتوبر و8 نونبر شرع المسمى آنفا في التبشير بالحرب المقدسة ضدنا معلنا أن الله سيعينه في المعركة علينا (لأن بنادق النصارى) ستطلق ماء في حين أن بنادقنا ستحمل لهم الموت) (ص06)، وهكذا أصبح ينادي للحرب المقدسة ضد تواجد الفرنسيين واحتلالهم للأراضي المغربية (جنوب وهران التي يقصد بها من فيجيج إلى بوذنيب وتافيلالت عامة).
وفي بداية فبراير 1908م بدأ الحشد وكان ضئيلا إلا أنه في الأيام الأولى من مارس، بدأ يتصاعد ويشكل هاجسا حقيقيا، حيث بدأ انزعاجنا يظهر بشكل حقيقي (ص:6)، وأصبح صعبا تحديد زمن مضبوط لتحرك محتشدين حول مولاي أحمد أولحسن الذي أخذ يتهيأ في الزحف نحو الشرق أي نحونا؛ هذه الحركة التزمت بالانضباط والتؤدة وبطء الحركة وإقامتها مددا مختلفة في الأماكن التي تتوقف فيها انتظارا لوصول المتأخرين والمتطوعين الجدد.
ومع بداية أبريل وصلوا سهل المنـﮕوب بعد شهرين قاطعين مسافة جاوزت 120 كيلومتر في ظرف عسير وفي تلك الأثناء بعث مولاي أحمد إلى المسئولين الفرنسيين على الحدود رسالة طويلة شديدة الغموض والارتباك يمكن إجمالها في أنه يتحدث عن هزيمة ستلحق بنا ما جعله يقول: (إما أن تسلموا أو تدفعوا الجزية soyez musulmans ou tribulaires) ص7.
سهل المنـﮕوب حيث تاملالت طوله حوالي 50 كيلومتر ومعدل عرضه 60 كيلومتر، محاط بارتفاعات جبلية شديدة الانحدار، وفي هذه الكتلة توجد شقوق عميلة يتخللها ممر عريض، يشكل منفذا لتجمع الجيش، يفصل بين الشمال والجنوب، لقد عسكرت الحركة في حوض المنـﮕوب، وكانت خيام الأعداء تشاهد من المرتفعات كما تشاهد نيران المعسكر ليلا من هناك، ولم يقم المغاربة بأي جهد لمنع اكتشاف تواجدهم هناك وما يمكن أن يساهم في تعرضهم للخطر.
في 7 أبريل تحركت أربعة مجموعات (كولون) فرنسية لإغلاق الشمال الغربي والغرب والجنوب الغربي المنفتحة على سهل المنـﮕوب، وأيضا حماية خطوط مراكزنا المقامة على قوس ضخم في الأصل في شمال ميسيسا (كولون قدم من بركنت)، ونهاية تالزازا (كولون أتى من كلومب بشار) مارا من وسط: واحدة في شمال بوعرفة (كولون قدم من عين الصفراء)، والآخر من آﮔـلات عبد الجبار (كولون قدم من بني ونيف).
كل كولون تم تغطيته من مراكز الفرسان المتمركزة في مرتفعات الجبال التي تراقب المنـﮕوب؛ هذه القوات عسكرت في آﮔـلات عبد الجبار عند جبل مدلي القريب من الأعداء، حيث ترى خيامهم ونيرانهم.
لم يبد المغاربة أي تحرك من معسكرهم، ولم يبالوا بتحركنا، واستعداداتنا.
في 9 أبريل تم سحب مركزنا بميدلي إلى جبل غاس ليكون بعيدا عن نيران الأعداء.
قائدة دائرة كوملبشار الذي يقود كولون تلزازة، أراد التعرف عن الحركة من قريب يوم 10 أبريل، فبعث بضابط صحراوي مع 25 فارس في مهمة لربط الاتصال مع المراكز المجاورة لمركز ميدلي وفيـﮕـلاس حاملا مؤونة ثلاثة أيام عاى الخال مارا بالمنابهة قاطعا أم الشـﮕـاك حيث أدركه الليل فبات في واد عيسى.
وفي الساعة 11 من غده وصل مركز ميدلي الذي وجده فارغا، فتوجه نحو جبل آغلاس، وفي الطريق شاهد معسكرنا بآﮔـلات عبد الجبار، الذي يضم حوالي 50 من الفرسان والمشاة، وقد تبين لهم ضخامة حجم المقاتلين الأعداء، وأن مقاتلي معسكر(لاغرابا) القادمون من الغرب يبلغون حوالي 3000 رجل لا يملكون حرسا منظما لحمايتهم واستطلاع ما حولهم.
في 14 أبريل تقدمت مختلف القوات الفرنسية إلى الأمام واحتلت مرتفعات سهل تاملالت شمال نسيسة وبوعرفة في شرق تانزارا جنوب المنابهة.
كان الأعداء أكبر منا بثلاث مرات متمركزين بالمنـﮔوب وهم يطيعون فطريا مبادئ الحرب ويجددون العملين في الخطوط الداخلية ويتركون بعض الرجال لحراسة المعسكر ويدفعون بقواتهم الضخمة نحو قواتنا، وقد غادروا المنـﮔوب في 15 أبريل بعد غروب الشمس يمشون فرادى وجماعات ضخمة في فوضى عارمة إلى مكسم حليم حيث تجاوزوه بعد منتصف الليل بقليل متوقفين في أم الشـﮔـاك في انتظار الشوافَين الذَين بعثا لاستطلاع معسكر الفرنسيين، هذان الشخصان لم يتأخرا في العودة وهما من بني المـﮔيلد بعدما اقتربا من المعسكر بفضل الليل وشاهدوا بعض الحراس لكنه صرَح بأن كل النصارى نائمين وأنها اللحظة المواتية للإغارة عليهم.
عملوا أولا على تقسيم كمّهم الكبير إلى مجموعتين مع العلم أن مقاتلي كل قبيلة هم مجتمعون مسبقا في وحدة تحت رئاسة قائد لهم مما يسهل تموضع قائدهم ضمن سلم القيادة والقيام بالحركة المطلوبة في المعركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *