نقدم للقارئ الكريم، في هذا العدد من جريدة “السبيل”، كتاب “المدرسة الكنتية: قناة للتواصل بين المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء”، للأستاذ الباحث ياسين بن روان، من جديد إصدارات “مركز بلعربي العلوي”؛ التابع لـ”منتدى إحياء للتنمية الأخلاقية والفكرية”.
وقال الدكتور فيصل الحفيان، مدير المشروعات بدار المخطوطات – استانبول، ومدير معهد المخطوطات العربية (سابقًا)، بخصوص الكتاب، إن “الباحث الجاد الأستاذ ياسين بن روان بذل جهدًا طيِّبًا, ليس في جمع مادة الكتاب الغزيرة والمنوَّعة والعزيزة فحسب، وإنما – كذلك – في تبويبها وتنسيقها ودرسها وتحليلها، ليقدِّم لنا في النهاية (صورة) متكاملة، تُعنَى بالتضاريس الكُلِّية والخطوط العامة، كما تُعنى بالتضاريس الجزئية والخطوط التفصيلية لتراث تلك المنطقة الغنيَّة! هي صورة ذات حجم كبير، إذ إنها من جهة التاريخ تمتد على مساحة خمسة قرون أو تزيد، ومن جهة الجغرافيا تركز على تراث منطقة بكر (الجنوب المغربي) مازلنا، ومازال الباحثون لا يعرفون عنها شيئًا، لا كثيرًا ولا قليلاً، ومن جهة المصادر تجمع بين المخطوطات والوثائق والكتب المطبوعة والروايات الشفهية”.
وزاد الدكتور الحفيان: “لهذا كله يمكن أن ننظر إلى هذا الكتاب على أنه (وثيقة) تاريخية تَقفنا على صفحة ثمينة ونفيسة من كتابِ التراث العربي الإسلامي”.
وأردف قائلا: “يبدو الأستاذ ياسين بن روان في كتابه صحراويًّا شديد الولاء للصحراء وللمغرب وللكنتيين، وإنما قلنا ذلك لِما رأينا من أثر هذا الولاء الذي لا تخطئه العين في الجهد الذي بذله.”
مكتبتك في تاريخ المغرب
“اليهود المغاربة: من منبت الأصول إلى رياح الفرقة”، لمؤلفه الدكتور أحمد شحلان؛ كتاب مهم للغاية، يتناول فيه صاحبه علاقة اليهود المغاربة بأرض المغرب، كما يسجل فيه ما تعلق بمعتقداتهم وعاداتهم كتاباتهم وحركاتهم وأعلامهم واقتصادهم في فترة من الزمن… الخ.
يتأسف صاحب الكتاب على التحول الذي تعرض له اليهود في المغرب، من يهود مغاربة لا فرق بينهم وبين إخوانهم المغاربة، إلى يهود توجههم مصالح الفرنكوفونية والصهيونية، فيهود يتركون بلدهم الأصلي المغرب ليهاجروا إلى أرض فلسطين. بمرارة وأسف، يسمى الكتاب هذا التحول بـ”رياح الفرقة”.
قسم المؤلِّف كتابه، الذي يقع في 328 صفحة، إلى ثلاثة أبواب:
– الباب الأول: من منبت الأصول إلى المدرسة العصرية.
– الباب الثاني: الكتابات العبرية مكون من مكونات تاريخ المغرب.
– الباب الثالث: تراث يهود المغرب من المكتوب إلى الشفهي.
يعتبر هذا الكتاب مرجعا لا غنى عنه لم يهتم بتاريخ اليهود عموما، وتاريخ يهود المغرب على وجه الخصوص.
فنون:
النقاش الغائب عن النقاد السينمائيين!
في عز هذا التقاطب حول السينما، بين من يعرفها كما أراد الغرب، ومن لا يعرفها إلا كذريعة تتراوح بين سد وفتح؛ في عز هذا التقاطب، لا بد من مناقشة لفن السينما على ضوء الإشكاليات المغربية، لا على ضوء أي شيء آخر.
لا يحتاج المغاربة إلى سينما بلا معنى، بلا هوية، بلا موقف، فتلك سينما معناها الفوضى والتفكك. ولا يحتاجون سينما أخرى إشكالياتها مستوردة، فتلك سينما استعمارية. التفكيك استعمار أيضا، إلا أنه الأكثر خطورة، تصديرٌ للمادة المتعفنة للغرب.
السينما المطلوبة مغربيا هي:
– سينما الإنسان:
تعرف بالإنسان في بعده التركيبي، أي بمختلف مكوناته المادية والنفسية، البيولوجية والسيكولوجية، الوجودية والاجتماعية، التاريخية والما قبل تاريخية. وتخدم الإنسان بما هو إنسان عالمي، وبما هو إنسان في خصوصيته المغربية، أي بما هو ذهنية وروحانية تشكلت عبر مختلف مراحل التاريخ المغربي.
– سينما الوطن:
تجعل الوطن قضيتها الأولى، و”تؤطر حقوق الإنسان بحقوق الأوطان”. تعيد إنتاج الملاحم الوطنية، وتجعل الشاشة والجزئيات التفصيلية في المشاهد وسيلة لتكريس التعلق بالوطن، وتحقيق المعلوم من الوعي بقصاياه بالضرورة. معركة وادي المخازن، محاصرة العلويين لسبتة، المقاومة القبلية، مواجهة الظهير البربري، عودة السلطان محمد الخامس من المنفى، المسيرة الخضراء، تحرير معبر الكركرات… إلخ؛ كلها ملاحم يجب إعادة إنتاجها سينمائيا.
(يتبع)
نافذة على مشروع فكري
مشروع العلامة عبد الله دراز (13)
ثالثا: ميزان السنة والبدعة في فكر العلامة دراز
لا ينكر العلّامة دراز، كما رأينا سابقا، القابليات التاريخية للوحي، إلا أنه ينفي أن يكون هذا الأخير صنعا من لدن بشر. فمن المتوقّع إذن، حتى قبل أن ندرس تصور العلامة دراز لمعيار السنة/ البدعة، أنه لن يخرج في هذا التصور عن إطار:
– معيار السنة/ البدعة ظاهر ومكنون في الوحي، أي أنه أتانا من “خارج التاريخ” لنتصرف به “داخل التاريخ”؛
– وهو باقٍ على أصله في تغير الأحوال والشروط التاريخية؛
– ومن زاغ بابتداع معيار آخر، فقد زاغ لنفسه وهو في ضلال”.
فالخلفاء الراشدون، والأمويون، والعباسيون، والعثمانيون، وكل الدول المتعاقبة في الأقطار الإسلامية؛ كلها مطالبة بالرجوع إلى المعيار الذي وضعه الرسول العظيم (ص) لثنائية السنة/ البدعة، وإلا فإنها ستكون قد ضلت عن “المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك”.
هذا هو الجوهر العميق لتصور العلامة دراز لمعيار السنة/ البدعة. فلا اعتبار للتاريخ إلا من حيث هو قابليات للتصرف فيه ب”منهج الوحي”، وفي هذا “المنهج” يدخل معيار السنة/ البدعة، ويجب أن يتحدد في إطاره، ليكتسب خلوده من خلود الوحي.
البدعة نقيض السنة، والسنة “لا تتناول في حقيقتها إلا ما هو صواب وحق، أي الطريق الذي رسمه لنا كتاب الله وسنة نبيه”. وليس مقصودا بالبدعة مخالفة السنة، وإنما جعل هذه المخالفة من الدين. يقول العلّامة دراز: “ليس كل مخالفة للشرع تسمى بدعة، إنما البدعة جعل هذه المخالفة دينا، فمن تمحّل لمعصية حتى صبغها بصبغة الدين وأدخلها في حدود الشريعة، فقد ابتدع، كما أن كل من عمل عملا يغير به الأوضاع الشرعية كان مبتدعا، ولو لم يكن ذلك العمل في أصله محرما ولا مكروها (كإيجاب مندوب). أما الذي يعمل بالمعصية انقيادا لشهوته أو غضبه، وهو غير مستحلّ لها، فهو عاصٍ غير مبتدع”. ولا يدخل معيار السنة/ البدعة في العبادات وحدها، بل إنه يشمل كل ما “حدّدت له الشريعة حدودا واسعة أو ضيقة لا يحل لأحد تغييرها ولا تبديلها”. (محمد عبد الله دراز، الميزان بين السنة والبدعة، إعداد وتحقيق أحمد مصطفى فضلية، دار القلم، الطبعة الأولى، 2003، ص 43-49-50)
يلخص العلّامة دراز تصوره، أخيرا، لتعريف البدعة، في عنصرين أساسيين:
– “التغيير في التشريع يجعل غير المشروع مشروعا، المشروع غير مشروع”.
– “التغيير في العمل مع اعتقاد مشروعية ذلك، وارتكابه باسم الدين”. (نفسه، ص50)