تراث وتاريخ

سبق الحديث عن إعلان مولاي عبد الحفيظ سلطانا للجهاد وتسييره لخرجة جهادية تحت قيادة ابن عمه محمد ولد مولاي رشيد العامل على تافيلالت الذي كان مرابطا هنا والذي بايع المولى عبد الحفيظ وأرسل ولده في حركة من أبناء تلك المناطق عسكرت قرب الدار البيضاء وخاضت مع مجاهدي الشاوية عدة معارك سيأتي ذكرها.
وكان إحراق الدار البيضاء وقتل ساكنتها العامل المباشر لتلك البيعة، وفي ذلك يقول “رينو” ممثل فرنسا بطنجة: “لا ننسى أن أحداث 30 يوليوز كانت سببا في قيام مولاي عبد الحفيظ بحركته” ص282، الخديمي. وبمجرد تنصيبه سلطانا بعث برسالة احتجاج إلى عميد الهيئة الديبلوماسية بطنجة يوم 16 غشت 1907 يحتج على قنبلة الدار البيضاء “التي تعرض سكانها للعنف والاعتداء بحيث قتل منهم 6000 نسمة” ص275 نفسه. كما بعث برسالتين إلى قائد محلته بالشاوية، وأخرى إلى قبيلة الشاوية، جاء في الأخيرة: بعون الله وحفظه سأنهض نحو بلدكم في حركة مع طلوع أشعة الشمس تلبية لنداء الإسلام والمسلمين من أجل اجتثات الأجانب المعتدين، وبعدما أرمي بالفرنسيين في البحر ألقاكم في الرباط وحيثما تنتظرون.
وكتب إلى قائد محلته ابن مولاي رشيد قائلا:
“اركب حصانك من أجل محاربة الفرنسيين وسينصرك الله عليهم ولن يتخلف عنك أحد من المسلمين إلا من في قلبه نفاق”.
كما كتب له رسالة أخرى جاء فيها:
“بفضلك سيصطاد الشاويةُ النصارى، أنت متحدر من صلب الأمة المحمدية، شبيها بالحائزين على نصر الله مقتفيا أثر الذابين عن الإسلام، والله يسدد خطاك.
اقطع رؤوس الخونة وابعثهم إلى قائدك مولاي حفيظ، ليكون ذلك عقابا لكل الخونة والمنافقين من المسلمين. هامش ص250، انظر روني لوكليرك، في مجلة افريقيا الفرنسية 1908.
وكما بعث عامل تافيلالت مع البيعة قوات إلى الشاوية فإن كبار القياد قدموا لسلطان الجهاد قوات هامة قدرت ما بين 500 و1200 إضافة إلى متطوعين من الرحامنة والسراغنة وزعير وغيرها من المناطق.
كما بعث القائد لكلاوي 500 رجل للسلطان الجديد، والكندافي 200، رجل حيث كونت هذه الجموع أساس الجيش الحفيظي. انظر ص43 في: Les debuts du regne de Moulay hafid مجلة افريقيا الفرنسية 1908م.
جاء في تقرير الاستخبارات عن الحالة السياسية في الشاوية غداة 20 غشت: “إن قبائل الشاوية مصممة على الحرب ضد الفرنسيين وأن المركز الرئيسي للمقاومة يوجد بتادارت على بعد 10 كلم تقريبا من الدار البيضاء حيث تتجمع محلة هامة من الفرسان والمشاة (بين 1500 و12000) متطوعين من اولاد احريز واولاد سيدي بن داود والمذاكرة وامزاب واولاد غربان واولاد سعيد واولاد بوزيري وبني مسكين.
وهناك تجمعان آخران أقل أهمية يتكونان من زناتة والزيايدة ولمذاكرة وحتى من أعراب الرباط وزعير وهم ليسوا من الشاوية يوجد أحدهما بالحاج بوعزة على بعد 5 أو 6 كلم شرق المدينة والآخر بتيط مليل أبعد من الأول” ص293 علال الخديمي.
ومقابل حشود المجاهدين ارتفعت القوات الفرنسية بوصول تعزيزات جديدة يوم 25 غشت رفعت تلك القوات إلى 5000 وزادت دوابُها عن 1400 حيوان كما وصلت بطاريات مدفعية عيار 75 ملم، ومدفعية الجبال عيار 80 ملم وسريتين من الكوم الجزائريين” ص294 نفسه.
إن تجمعات تادارت والحاج بوعزة وتيط مليل -يقول المخبر- تبين بالفعل وبوضوح أن النفوس محرضة جدا ضدنا، وبأن جمهور الشاوية يرغب في الحرب (..) إننا لا نوجد كما كان يعتقد أمام قطاع الطرق المنعزلين أو بعض المجموعات من العصاة والمتمردين، ولكننا أمام تجمعات كبرى من القبائل التي تبدي عداوة حقيقية تجاهنا” ص293 الخديمي.
وفي يوم 28 غشت وقعت معركة دار بوعزة على بعد أربع كيلومترات من المعسكر الفرنسي اشترك فيها الطراد “گولوار” فقد فيها الفرنسيون 3 قتلى و9 جرحى وقد تابع الجنرال درود من المعسكر القتال كما تابعه أمرال البحرية من الطراد القريب من الشاطئ، مما يدل على أن المعركة كانت قاسية، وقد قدرت المصادر الفرنسية المجاهدين المهاجمين للمعسكر بين 1500 و4000 وصفهم وقال عنهم القبطان “فون Fons” رئيس القيادة العامة بأنهم خسروا 200 قتيل منهم 130 من امزاب وحدهم حسب أخبار غير مؤكدة، وقال الأمرال فليبير قائد الأسطول الذي شارك في المعركة: “مرت بداية الأسبوع بالدار البيضاء هادئة ثم اضطربت بهجوم وحشي وطويل أظهر فيه المغاربة شجاعة معتبرة، كنا نشاهد القتال الضاري على بعد كيلمترين من البحر وحاولنا بالمدفعية إبعاد المغاربة ولكننا اضطرننا للقتال متراجعين.. ماذا نفعل مع هؤلاء الفرسان المندفعين؛ كيف تقع هذه الهجومات الجنونية بعد الدروس القاسية التي ألفناها من قبل للمغاربة..، إنهم متحمسون جدا يتتبعون تعبئة ماهرة وفرسانهم أسرع من فرساننا.. وهكذا يمكن القول: إن أي تقدم لم يحرز على المغاربة فهم يقولون بأنهم يحاصرون الفرنسيين في الدار البيضاء المخربة” ص297 الخديمي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *