في مراسلة لجريدة لسان المغرب لمراسلها بفاس مؤرخة في 16 صفر الخير 1326 مارس 1908م منشورة بعدد:31/03-04-1907م، جاء فيها ما يلي: “1- كنا ألمعنا في رسالة سابقة إلى الجمع الذي يعقده سيادة الشيخ الكتاني مع قبائل البربر بمكناسة الزيتون ووعدنا أن نوافيكم بما يكون من شأنه.
فقد وردت الأخبار من هناك تفيد أن الجمع المذكور انعقد يوم الأحد بدل من السبت، فاجتمع في ذلك اليوم في جامع القصبة رؤساء قبائل زمور ومجاط وزمران وبني مطير وزعير وحضر معهم سيادة الشيخ الكتاني والشريف سيدي محمد المراني والباشا ابن عيسى حاكم مكناس.
فأول شيء فعلوه هو أنهم عقدوا الإخاء والاتحاد بين القبائل المذكورة تاركين جميع ما كان بينهم من الحقوق والدماء تأمينا للطرق وحفظا للنظام، ثم تعاهدوا على أن من خرج على الدين والجادة واستبدل الإيمان بالكفر فليس هو منه في شيء، وأنهم يقاتلون بأنفسهم وأموالهم إلى أن يحكم الله، ثم تحالفوا على نصرة متبوعهم -مولاي عبد الحفيظ- وتأييده خدمة للدين وحفظا للشرائع الإسلامية.
وأنهم يكونون يدا واحدة على من كان عليهم. ثم نهضوا للاستعداد منتظرين أوامر من واد أم ربيع -حيث كان مولاي عبد الحفيظ يستعد للتوجه إلى فاس- للتوجه إلى أين يؤمرون.
2- كان أهل فاس قرروا سابقا أن تكون نفقة العسكر الذي كان مخيما في وادي الجواهر من جيوبهم الخاصة وأنهم لا يطالبون بشيء عنها، وقرروا أيضا أن يكون جمع المال مفاضلة، أي أن كل واحد يدفع ما جادت به نفسه إسوة بالآخر، بيد أن أحد الأغنياء ممن لم تسمح نفسه بإعطاء شيء -إذ رأى من هو مساو له، يريد إعطاء الألف والألفين- جمع بعض من هم على شاكلته واختار معهم أخف الضررين، فلمّوا من بعضهم قدر ثلث ما لزم عليهم دفعه كسائر الناس، ودفعوه للشريف الزرواطي شيخ الربيع، وأشاروا عليه بأن تكون الضريبة على الأملاك أولا لأنه يجمع فيها ما لا يجمع في المفاضلة، فوافقهم على ذلك وجمع العلماء والأعيان وبعد المطارحة والمباحثة والأخذ والردّ رضوا بهذا الرأي، أي أن يؤدي ربع كراء الأملاك ومن لا يملك ملكا لا يؤدي شيئا.
وبعد المباشرة بجمع هذه الضريبة ظهر أن الأمر لا يخلو من الأغراض والمنافع الذاتية، فاجتمعوا مرة ثانية وقرروا عزل الرئيس شيخ الربيع وإبطال الضريبة المذكورة لأنه وقع حيف على كثير من الناس، وأرسلوا بعضا إلى حضرة الشريف المراني يخبرونه بما قرّ قرارهم عليه، فوافق ذلك.
3- وفي رسالة أخرى لنفس المراسل لنفس العدد: كنت قد ذكرت في رسالة 17 الحالي مسألة شيخ الربيع، وأفيدكم الآن أنه لم يتفق الرأي على عزله لأن ما وشي به عليه لم يثبت واليوم رجع لإدارة ما كلف به.
4- إن السكة الحسنية النحاسية سقطت في هذه الأيام لكثرتها في الأيدي وامتناع الناس من قبولها والمصارفة بها، ولو بإسقاط نصف قيمتها، ولهذا نودي بإبطال البيع والشراء بها، وأعيدت السكة القديمة المعروفة بالفلوس بعدما زيد في قيمتها فصار الدرهم منها يساوي الدرهمين، فقبلها الناس بارتياح وفتحت الدكاكين بعد أن كانت أقفلت ونزلت الأسعار.
5- بعد عصر يوم الإثنين 21 منه، قرئ منشور بجامع القرويين فحواه استحسان لما فعله أهل فاس من عزل المحتسب الديوري والحاكم التويمي السابقين وزيادة التفويض لحضرة الشريف مولاي المراني بجميع الأمور مع موافقة أهل فاس.
وفي عدد:34/04-20-1908م من نفس الجريدة جاء ما يلي: انعقدت محالفة ودية ظاهرا، سياسية باطنا، بين رؤوس رماة فاس وهم غير شيوخ الربيع بعد أن كان كل رئيس بأتباعه على حدة لا علاقة له بغيره، ثم انتخبوا الشريف الإدريسي شيخ الربيع بفاس رئيسا على الجميع، وقد سرّ الأهالي من هذه المحالفة وهذا الانتخاب لكونهما لا ينتج منهما إلا تأييد الأمن وحفظ النظام.
ملاحظات
يتبين مما تقدم الآليات المتبعة في التجييش والحشد والمساهمة في التكاليف والاستعداد لدفع الصائل وحفظ الأمن، اعتمادا على الذات وتأليفا للمصالح المشتركة ودرءا للمفاسد لاجتناب كل ما يمكن أن يشذ عن ما ذكر. وعليه فإن قتل الشريف الكتاني الذي كان من أهل الحل والعقد العاملين في هذا المضمار رفعا لراية الجهاد ودفعا لإغارة المغيرين والمتربصين والغازين من الفرنسيين وأتباعهم وأعوانهم، مما كان له أبلغ الأثر في تفتيت ما جمع من جهود وأبرئ من النوايا. لذلك رحبّ بما وقع الفرنسيون ووجهوا اهتمامهم للقضاء على نظرائه كالشيخ ماء العينين ومولاي رشيد الأول بتزنيت والثاني بتافيلالت وما شاكلهما، لذلك نورد المراسلة التالية التي بعثت إلى وزير الخارجية الفرنسي بعد وفاة الشيخ ماء العينين الذي أراد التوجه لفاس فحوصر من قبل القوات الفرنسية في مداخل بني ملال.
يقول مراسل مجلة إفريقيا الفرنسية لوكليرك ص:354-1910م:
لقد هيأ موت الولي ماء العينين الفرصة لانتشار الطاعة والخضوع الذي ننشده منذ عشر سنوات، إنه أكبر خصوم فرنسا والمحرض على مقاومتها، إنه رمز المقاومة بين جنوب المغرب وموريتانيا ونصير المجاهدين الذين لا يخافون مطلقا المنطلقين من معقله في سمارة بالساقية الحمراء، حيث اجتذب كثيرا من مهربي السلاح والذخيرة لتسليح طلبته.
نحن نعرف أنه يتوفر على دعم حقيقي من المخزن في وقت تأزم العلاقات الألمانية الفرنسية، ومن الدلائل على ذلك هو إيفاد مولاي ادريس عم السلطان مولاي عبد العزيز إلى أدرار كخليفة لهذا الأخير، سواء كان سبب ذلك دفع تقدمنا لموريتانيا من السينيغال أو غير ذلك.
وفي السفر الذي قام به ماء العينين إلى المغرب حمل هدايا للمخزن تعبيرا عن توطيد تلك العلاقة وصيانة مطامحه في تأكيد مواصلة سيادته بالساقية الحمراء وأدرار.
وقد واصل مولاي عبد الحفيظ نفس السياسة التحريضية بأدرار التي أدت حيويتها إلى وضع نهاية لقوات “كورو” حيث طورد من أدرار، وذلك في معركة سبخة دي ادجيل بقيادة ابن الشيخ حسنة الذي تراجع إلى الساقية الحمراء بعد ذلك.
لقد حاول الشريف التوجه إلى فاس مرة أخرى مارا بالشاوية وذلك من أجل تقوية تأثير العصابات في الشرق ولكنه لم يفلح لأن قوات الجنرال “موانييه” اعترضت طريقه في سهل تادلا، فعاد إلى مسرح إنجازاته التي مات بها.
ولده الشيخ حسنة هو نفسه خصما لذوذا للفرنسيين، لكن المخزن التزم في الفصل العاشر من الاتفاق الفرنسي المغربي بتاريخ 4 مارس الأخير (1910م) بوقف جميع المساعدات والتشجيعات لماء العينين والمحرضين الصحراويين ولم يعد له ما يقدم من وعود تجاه الشيخ حسنة سواء على مستوى الخدمات أو الامتيازات التي كانت تعطى لوالده. (ص:350-1910م إفريقيا الفرنسية).