كل مطلع على ما جريات العالم في هذا العهد يتحقق كل التحقق أن الحملة اشتدت على الإسلام في الأقطار الإسلامية كلها.
فمدارس المبشرين(1) تعمل عملها، والمجلات المرتزقة من أعدائه تمزقه تمزيقا، والجرائد الخائنة لا يفوتها التهكم والهمز واللمز، والملاحدة قائمون بإلقاء محاضرات الطعن والزراية به، وجاء الآن دور الحديد والنار، فعدنا إلى عهد الوحشية وعدنا لعصر (إيزابلا وفيليب) وديوان التحقيق الإسباني المرهق الظالم في وقت يسمونه القرن العشرين وعصر الحرية الإنسانية، ولكنه كذب وتدجيل وذر للرماد في العيون.
كم تبجح دعاة النصرانية أن الإسلام قام على القوة وأن محمدا صلوات الله عليه نشره بحد الحسام.
وليس المقام الآن مقام تفنيد للادعاءات الباطلة والافتراء الكاذب على الإسلام ورسوله الكريم، غير أنا نشعر بغبطة وسرور بأن هؤلاء الأدعياء الكذابين ليتوارون اليوم خجلا أمام عمل فرنسا الوحشي في المغرب، وجزى الله فرنسا فقد مهدت لنا الكلام وأحسنت إلى الإسلام من حيث أرادت الإساءة إليه وأظهرت دعاة النصرانية على حقيقتهم وأنهم هم الذين يعتمدون على القوة والجبروت والظلم في نشر دين الكنيسة ولعلهم مهما بلغت بهم الجرأة في الكذب والحيل والدجل فليس في وسعهم تجاهل الحقائق التي تفضحهم، وليكونوا على بينة من أمرهم نطلعهم على ما كان من أمر دعاة النصرانية وثورة التعصب الديني الأعمى وكيف كانت الكنيسة تنشر دينها بالسيف والنار حتى كان من تصريح الملكة إيزابلا ملكة إسبانيا قولها المشهور “في حب المسيح والعذراء آثرت فادح الشقاء والبؤس، وضربت بلادا وأقطارا وممالك”، تعني أقطار المسلمين وممالكهم: غرناطة وغيرها من بلاد المسلمين في ذلك الزمان.
وقد أكد “الكردينال ريشليو” المشهور في مذكراته عن الظلم المرهق في هذا العهد قوله: “إنها أشد ما سجلت صحف الأنانية جرأة ووحشية”، وتبعه (لوريني) من أحبار الكنيسة المشهورين فقال: “كانت هذه الوسائل بقسوتها الشائنة تذكي نفرة المسلمين وغيرهم من تلك المحكمة الدموية التي تتبع هذه السياسة وكانوا بدلا من التعلق بالنصرانية وهو ما كانت تؤدي إليه معاملتهم بشيء من الإنسانية يزدادون مقتا لدين لم يحملهم على اعتناقه سوى القوة”.
هذا نزر بسيط مما سجله التاريخ وقاله كبار دعاة النصرانية عن أعمال الظلم والجبروت في هذا العهد حتى كان من أمر موسى بن أبي الغزال من المسلمين المشهورين في هذا العهد أن صرخ صرخته المشهورة:
“أتعتقدون أن النصارى يحفظون عهودنا؟ أشد ما تخطئون، إنهم جميعا ظمأى إلى دمنا والموت خير مما تلقون منهم، إن ما ينتظركم شر الإهانات والانتهاك والرق، ينتظركم نهب منازلكم واغتصاب نسائكم وبناتكم، وتدنيس مساجدكم، ينتظركم الجور والإرهاق، تنتظركم المحارق الملتهبة لتجعل منكم حطاما هشيما”.
فلتجمع فرنسا الوحشية كل قواتها ولتصوب مدافعها وبنادقها إلى صدور المسلمين ولتجبرهم على اعتناق دين الكنيسة وفي اعتقادنا أن هذا العمل سيوقظ الأسد النائم، وحينئذ سيحاسب أعداءه حسابا غير يسير.
علي نجيب
رئيس جمعية اللواء الإسلامي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتاب “الحركة الوطنية والظهير البربري” لجامعه ومؤلفه الحاج الحسن بوعياد (ص: 100-101).
(1) من الخطأ استخدام لفظ المبشرين أو التبشير إذا قصد به التنصير ذلك لأن لفظ التبشير فيه دلالة على أن النصارى يبشرون الناس بالسلام والرحمة ولا رحمة ولا سعادة في الكفر بنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فالأولى استخدام لفظي التنصير والمنصرين.