الوضعية العامة للمغرب المطوق

1- أوربا مستغربة من أن حوادث المغرب لن تأخذه إلى شكل أكثر قطعا وحسما وأقل تطورا بشكل أكثر سرعة.
هجمات الروكي حول فاس، وحركات البربر لصالح مولاي الكبير، التاريخ يبين لنا أن الأقوام الإسلامية بإفرقيا الشمالية، تعيد أبدا نفس الكينونة الاجتماعية (كتابي وبربري) ما دامت ترتديها هي نفسها فإنها تظهر لنا غير مكترتة بالاندفاع إلى الترقي إلا في اليوم الذي ترغم على التحرك نحوه من طرف الأوربيين، والمغرب لن يفلت من هذا القانون المشترك العام. فالخارج هو الذي سيأتي لدفعه نحو التطور، هذا التطور الذي يستمد قوته من الخارج وإلا لن يتم.
نحن نتمنى أن يكون لفرنسا دور رائد في هذا التشكيل الحتمي الذي لا مفر منه دون أن نكون متيقنين، السفراء المغاربة المعتمدين لدى فرنسا أو اسبانيا اشتركوا مؤخرا في معالجة مشاريع إعادة التنظيم وإصلاح التصميم بواسطة معلمهم المبجل مولاي حفيظ، مشاريع تضع المغرب في مستوى دولة متمدنة، لكننا نرى من يميع التصريحات المماثلة منذ تواجد الأوربيين بالمغرب، ومنذ أن تقربوا من السلطان.
الوزراء والموظفون السامون لم يفتؤوا يكررون وعودهم بفعل ما يؤدي لذلك التغيير والتطوير إلا أن ذلك مشابه للطريقة الانتخابية في الدعاية، وبالعربية تحمل صفة (صابون طرابلس)، هذا الصابون كان سابقا في بلاد البربر يحظى بمكانة مرموقة بوجه خاص حيث يترك الجلد معطرا.
ماذا نقول عن البوليس، المالية، الجمارك، التجارة، أو الأمن عند كبار رجال المخزن، لن يتركوا اتخاذ رأي أبدا ويعملون جاهدين للبرهنة على أن كل شيء سيسير على أكمل وجه، وأن الانتقادات الأوربية ليس لها أساس من الصحة.
لكن متى ستصبح هذه التصريحات أيضا حقيقة تدل على أن المغرب سينتهج وضعا جديدا يسمح له بأن يصبح هادئا مفتوحا لحرية المبادلات التجارية التنافسية؟
إنه يفتقد إلى عنصرين أساسين لهذا التنظيم المنتظر وهما: الإرادة والطريقة la volontè et la methode.
المسلمون في البلاد الهادئة أدى بهم الاحتكاك بالأوربيين إلى رسوخ عملية التواصل الثقافي بين الطرفين، في حين أن المغرب لا يزال ذلك معدوما في عين المكان، وعليه فسكانه غير قادرين على فعله والظفر به.
الخطأ الجسيم الذي ارتكبناه -فرنسا- هو التخلي عن عبد العزيز، السلطان الجديد سلك نفس القواعد المعروفة في أنحاء البلاد التي تمت تحت جميع الدول التي حكمت به، ومن الصعب السماح بظهور رأي آخر خطأه بيّن أيضا.
منذ 1904م تضرعت فرنسا بالوضعية الخاصة التي تربطها بالمغرب التي تعطيها امتيازات خاصة بها، وترغب أن تكون بواسطة اتفاقات مشتركة.. وإذا ما تمكنت من أن تأخذ بيدها زمام (السياسة الأهلية بالمغرب) فإنه يمكننا أن نسير في المستقبل وأن نعاين بهدوء الحوادث والمصادمات الداخلية بهذا البلد. لكننا مع الأسف لسنا هناك، سياسيا نقول: نحن بجانب المغرب، بجانب المخزن، نحن نسير نحوهم دون تأثير، نحن نحاول جديا التعاون، لكن مولاي عبد الحفيظ لا يريد التعاون معنا.
2- برقيات 14/06/1909م:
توجه القبطان “جاك” من المشاة إلى فاس لتأكيد الاتفاق مع السلطان في موضوع إمكانية وضع الإنشاءات الخاصة بمصنع للسلاح بمراكش.
حركة استقلالية واضحة تخطط في كل نواحي الغرب فكل فخذة عيّنت قائدا باختيارها رافضة الأوامر الصادرة لها من المخزن.
الدار البيضاء:
منذ بضعة أيام تعرضت نواحي الشاوية لغزو ليلي قامت به عصابة من النهاب قدمت من بني مسكين وورديغة.
المسؤولون العسكريون قاموا بطرد الغزاة خارج الشاوية، وقد ترك هذا الحادث ضحايا من الأهالي جراء ذلك الهجوم.
08-10-1909م موكادور: انفجر مخزن البارود بسوق إيليغ جنوب سوس وقتل أزيد من 300 فرد من الأهالي أو جرحوا.
الملك وشعبه
3- في مثل هذا الوقت منذ سنة عمل أنصار مولاي عبد الحفيظ من الألمان لصالح المقولة الرائجة بأن (السلطان الجديد يقال عنه بأنه مختار من شعبه، وسيكون حذرا في القيام بخلاف ما يغش ويخدع شعور الوطن المغربي). ومع تسليمنا بأن الحركات العامة عادت بالفائدة عليه في مواجهة خصمه عبد العزيز يمكن الاقتناع حاليا بالقول باستمرار هذه الملحمة المسماة (وطن).
بمجرد ما استقر بفاس -مولاي عبد الحفيظ- رأى النواحي المجاورة تخرج عليه واحدة تلو أخرى: أولاد جامع، آيت يوسي، كروان، حيث توجب عليه أن يبعث دوما محلات بقيادة قياد حفيظيين لتأديب وردع ما سبق، ثم إن الحركات العامة في نواحي البربر تألبوا عليه وحرضوا بني مطير على حصار فاس. وأخيرا هناك مولاي الكبير في الغرب، والروكي في الشرق يطبقون على العاصمة في حلقة تضيق تباعا حيث يصعب على عبد الحفيظ الإفلات منها بسهولة.
تلك هي حالة الشعب المغربي في مراعاة عاهله، هذا العاهل الذي يعتبر مثل سلفه سلطانا ضعيفا وطيبا ضحية مسايرة وزرائه وقياده اكتفى ببيان المراسلات التي تلقاها من فاس في الشهور الستة الأخيرة لإقامة الخطة الحفيظية.
هناك أولا بنسليمان الوزير الأكبر السابق لعبد العزيز الذي جلب مرضا غريبا لبلاده والذي دنس جثمانه بعد دفنه ببضعة أيام في حين أن المشاركين في الجريمة يلاحقون.
الشريف الكتاني معتقل مع أكبر الأشرار الذين يرزحون وينوؤون تحت قساوة أسوإ سجان.
أيضا مولاي محمد المسمم بعد سجن انفرادي طويل في دار المخزن، يضاف أن أم مولاي الكبير التي ماتت بالغرب بعد الصدمة التي تلقتها بالتخلي عن ولدها، وأخيرا عباس الفاسي خليفة الوزير الأكبر الذي مات تقريبا فجأة كما تقول تعليقات سكان فاس.
فتنة، عصيان، تمرد مفتوح من جهة، ابتزاز واغتصاب للسلطة يصل حدّ الإجرام من جهة أخرى، مما يجعلنا حقيقة نتساءل عن الذي يمكن أن يحصل أسوأ مما يمكن حصوله في ظل حكم سلطان لم يكن أبدا (وطنيا). روني لوكليرك مجلة إفريقيا الفرنسية (ص257-259-10/07/1909م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *