حدود فرنسا حيث آخر جندي لها

تلك هي القاعدة التي كانت على ضوئها تتحرك السياسة الفرنسية بالنسبة للمغرب، ذلك أن عسكرها يعتبر أن أي حادث يقع لمواطن فرنسي أو محمي فرنسي يستوجب تواجد جنود لها في عين المكان لإيقاع القصاص العادل واستفاء التعويض المناسب وفرض ما يجب أن تعمله الدولة قبل رفع الإحتلال عنها.

أوردنا هذا بعدما وجدنا أن فرنسا وهي تخوض حرب احتلال في شرق المغرب الجنوبي تدعي أنها تؤمن الحدود الغربية للجزائر وأن جنودها إنما هم الحدود؛ إما في أعالي كير أو الواحات المجاورة دون النظر إلى المسافة لأن التسميات التي تطلقها هي المحدد وليس الجغرافية.
جاء في جريدة لسان المغرب وصفا لما سبق أن أوردناه في الحلقة السالفة من مراسلات عن الجبهة بالشرق المغربي:
ورد من عين الصفرة على الحدود الجزائرية أن فرقة من الجنود مؤلفة من ألف رجل برحت كلمبشار لتعزيز حامية تلزازة وعن قريب تتوجه فرقة أخرى إلى تندرارة وذلك لحراسة الحدود وردّ هجمات القبائل عند الاقتضاء.
باريس 16 أبريل من عين الصفرة:
اشتبكت فرقة من الجنود مع جماعة من القبائل (الحركة) قرب تلزازة منذ بزوغ فجر اليوم ودوي المدافع يسمع من بعيد.
باريس 17 أبريل: تركت الحركة معسكرها يوم الأربعاء تحت قيادة المرابط مولاي الحسن متجهة نحو جبل امطر فالتقت في سيرها بطليعة جنود بيرون ووقع القتال بين الطرفين فانهزمت البرابرة فتبعهم الفرنسيس إلى مسافة عشر كلم، وقد خسرت الحركة عددا كبيرا من رجالها. وأما الفرنسيون فخسروا 28 قتيلا ونحو مائة جريح. عدد:33 – 17/04/1908، وفي عدد:34 – 24/04/1908 جاء ما يلي تحت عنوان حركة الحدود:
أخذت حركة البرابر تظهر جنوب وهران -لاحظ- وتتحرك في أوائل مارس الماضي؛ غايتها أن تهاجم المراكز الفرنسوية القائمة على حدود الجزائر. لاحظ بأن المراكز مقامة داخل التراب المغربي كما يظهر في الرسائل العسكرية وعلى الخرائط الجغرافية.
فلما علمت حكومة الجزائر بالأمر أرسلت فرقة من الجنود من كولمبشار لاستطلاع طلائع هذه الحركة وكشف قوامها ووجهتها ثم بعثت فرقة أخرى لهذه الغاية من تلزازة فوجدوا أن الحركة مؤلفة من حوالي ألفي رجل يقودها الشريف مولاي الحسن، وقد تقدمت زهاء عشرين كلم نحو الحدود -أي في داخل التراب المغربي- بقصد الغارة على تلك المراكز التي هي بدورها داخل حدود المغرب، ثم جاء الكولونيل بيرون كتابٌ من مولاي الحسن المذكور -سبق الإشارة إليه- يطلب فيه أن ينجلي عن كولمبشار ويذكر له أمورا أخرى لا محل لنشرها.
وفي 4 أفريل جاء تلغراف يفيد أن الحركة وصلت إلى أبوسالم وهي تتألف من 1800 مقاتل. وفي 6 أفريل غادرت فرقة من الجنود الفرنساوية الحامية لكولومبشار مركزها لصد هجمات الحركة وخرجت فرقة أخرى من بني ونيف واحتلت محطتين في الطريق المؤدي إليهما.
وفي 12 أفريل أورد خبر أن الجنود الفرنسوية أزمعت احتلال محطة تلزازة المشرفة على مضايق جبل الكروز في جنوب فكيك وكانت الحركة إذ ذاك في مشرع زلالة على جنوب تلزازة فلما رأت أن بني ونيف في مأمن من هجماتها غيرت وجهتها الأولى وقصدت الجنوب.
وفي أثناء سيرها التقت بطليعة عساكر الكولونيل بيرون قبل فجر 16 أفريل وحدثت المعركة التي سبق ذكرها في العدد الماضي. وجاء في غيرها أن عدد البرابر كان نحو 2000 رجل و300 فارس خسروا كثيرا إلا أن الجنود الفرنسيين وجدوا في معسكرهم 125 جثة واستولوا على كمية وافرة من البنادق كانوا تركوها في انهزامهم دون أن يتيسر لهم حملها أما من جهة الفرنسيين فالخسارة كانت 19 قتيلا و102 جريحا منهم 64 أوروبيين.
جاء من باريس أن الجنرال فيجي نفذ في 20 أفريل تجميع الجنود المتفرقة بين المراكز في جنوب وهران وزحف على المنكوب، حيث صادف بعضا من رجال الحركة المنهزمة وتبادل معهم بعض الطلقات دون أن تقع خسائر.
والآن يوجد تحت قيادة فيجي 2500 من المشاة وألف راكب وبطاريتا مدفع عيار 7 ملم وهو يظن أن ذلك كاف لصد هجوم الحركة التي انطلقت واتجهت إلى جهة بولمان وبودنيب، ولا يستبعد أن تشن غارات أخرى على القوات الفرنسية.
وفي خبر من بشار أن فيجي ترك أمس المنـﮝوب قاصدا تينبرة حيث يقسم جنوده إلى قسمين: قسم يطارد مولاي الحسن، والقسم الآخر يجتاز عين الشعير.
يقدر خسائر البرابرة في المعركة الأخيرة نحو 125 قتيلا و300 جريحا.
وفي عدد:35 – 01/05/1908 تحت عنوان حركة الحدود، ما يلي: تتوافد على الشريف بن الحسن نجدات من أرجاء تافيلالت وبودنيب استعدادا لمهاجمة الفرنسيين.
وفي العدد:36 – 22/05/1908 جاء فيه:
8 مايو الجنرال فيجي يتهيأ للزحف على بودنيبت مقر الشريف مولاي الحسن وحركته.
14 مايو: باشر الجنرال فيجي بإطلاق القذائف على القصور المجاورة لحيط يعقوب، وقيل أن القتال دائر مع حركة بودنيب.
اشتبك الجنرال يوم 13 منه بحركة مولاي الحسن المتحصنة في ضواحي بودنيب، فابتدأ القتال من الساعة 3 حتى الليل، وكانت خسائر الحركة كبيرة وما بقي منها فر.
وفي الغد حمل الجنرال على بودنيب حيث كانت عصابات مولاي الحسن محتشدة؛ فبدد شملها بعد معركة شديدة ذهب فيها خلق عظيم، أما خسائر الفرنسيين فهي 15 قتيلا منهم: 3 ضباط، و53 جريحا، منهم 7 ضباط. وقد استولى على بودنيب بعد أن قوض أركانها وأطلق عليها القنابل وشتت عصابات مولاي الحسن، ووجد هناك من المضارب والخيام والأدوات الحربية والذخائر كمية وافرة.
وجاء من الجزائر في 17 أن معركة 15 مايو قد أبادت الحركة حتى لم يعد لها أثر في بودنيب وخسر الفرنسيون 3 قتلى و9 جرحى. وهكذا باحتلال بودنيب انتهت الأعمال الحربية التي فوضتها الحكومة الفرنسوية إلى الجنرال فيجي. (فهل فعلا انتهت؟)
جاء في العدد:37 – 31/05/1908:
أرسل الجنرال فيجي رسالة برقية إلى باريس مؤداها أن الحركة التي فرقها في 13 و14 مايو كانت مؤلفة من 6000 راجل و700 راكب، والذين سلموا منها لجأوا إلى وادي زيز تاركين في ساحة القتال ما يقرب من 600 جثة.
قالت جريدة “البتي بارزيان” أن الخطة التي نفذ الجنرال ليوتي والجنرال بالليو انتهجاها على الحدود هي إيقاف الإجراءات الحربية مؤقتا والإستيلاء على ينابيع المياه بحيث تضطر الأهالي في وقت وجيز إلى طلب الأمان.
كولمبشار 26 ماي: وصل الجنرال ليوطي والجنرال بالليو إلى بودنيب وقد قرَّ رأيهما على إبقاء 1500 جنديا هناك مؤقتا لمنع الحركة الجديدة التي تتكون في أصقاع تافيلالت من المسير إلى الأمام.
كولمبشار 27 ماي: غادر الجنرال بالليو بودنيب قاصدا طغيط غدا بعدما أخبرنا باحتشاد بقية محلة مولاي الحسن هناك.
وفي هذا التاريخ 19 مايو كان الجنرال دماد في الشاوية يهتم بإقامة مركز حربي بصفة وقتية في سيدي بن سليمان من أعمال الزيايدة. ومن مراكش جاء في 19 مايو: قدم من واد درعة 1600 فارس من فرسان قبائل ثكنة آتين من جهات الجنوب وبينهم 200 شريف، ولما علموا أن مولاي عبد الحفيظ غير منهمك بالجهاد بل أقلع عن ساحة الحرب اغتاضوا وتدمروا وعولوا على الرجوع إلى مواطنهم بعد أن تجشموا عبثا مشاق المسيرة لمدة 36 يوما.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *