الرسائل الموالية تفصح عن حجم المقاومة التي أبدتها القبائل في وجه مخطط الغزو الفرنسي للبلاد، مما جعلها تحرص على رضى السلطان، وتعاون المخزن ومشاركة ممثليه في تأمين تحرك قواتها نحو العاصمة فاس، كما يبرز تأخر وصول الرسائل إلى طنجة نجاعة الحصار وإحكامه.
بعث «دوبيليي» إلى وزير الخارجية رسالة رقم:254، ص:259:
“طنجة 5 ماي 1911:
أبعث لكم بالرسالة المؤرخة في 30 أبريل التي جاء بها:
بعث الكولونيل «منجان» لوزير الحرب:
ما عدا «لحياينة» وفخذتين من «اشراكة»، كل القبائل بناحية فاس أعلنوا التمرد على السلطان، وتعطيل الإصلاح، وفي نفس الوقت طرد الأوروبيين الموجودين بفاس، سلطان جديد نودي به أمس بمكناس هو مولاي الزين، وخليفته هو مولاي ابراهيم، هذا الأخير وصل إلى «راس الما» حيث يعسكر المتمردون الذين يحيطون بالعاصمة.
السلطان ليس له إلا القوات الموجودة عادة، ليس هناك إمدادات مغربية يمكن استقدامها، قبائل الحوز رفضت القيام بتشكيل حركة مساندة له.
قوات فاس تتكون من 2500 جندي غير نظامي، لذلك فهم غير منضبطين ووفاؤهم مريب، الكولون النظامي أخذه الكولونيل «بريموند»، وهو الذي كان في مواجهة «اشراردة» أثناء عودته للعاصمة، وقد استنفد طاقته وحيويته محليا مع القبائل الطاغية عليه.
عندي اعتقاد بأني سأقوم بالهجوم على معسكر «راس الما» لفك الحصار عن العاصمة، لكني أرى معنويات القوات غير جيدة بحيث يوجد بعض النهاب في صفوفه، لذلك يمكن القول بأننا في لحظة عصيبة، بحيث يتصاعد يوميا القلق والتعب والتفكير في رفع عدد القوات، إلا أن صعوبة إيجاد المال الكافي لذلك يقف حاجزا لتنفيذ تلك الرغبة.
لم يبق أمام كل هذه الهواجس لمولاي حفيظ إلا الاستعانة بالقوات الفرنسية لأنها القادرة على إنقاذه على وجه السرعة وليس بعد؛ بناء عليه يجب العمل في نفس الوقت في كل من ملوية والشاوية للحد من تحركات مختلف القبائل غرب فاس وإبعادها عن العاصمة، ومنع الموالين للحرب المقدسة من المرور إلى العاصمة، للتقليل من الخطر المحدق بالمخزن، حتى لا يتم محاصرة المعمرين في مدينة معادية.
كما يجب على كل من له قدرة على معالجة الوضع أن يسارع بذلك من أجل إيجاد قوة مهمة للضغط على القبائل، وجر المزيد من الموالين للنظام الذي مع الأسف قام بإطالة أمد الأزمة التي يجب أن تجتازها فاس المتعبة”.
وفي 5 ماي 1911، بعث وزير الخارجية الفرنسية من باريس إلى ممثلي فرنسا بالخارج رسالة رقم:255 ص:261، جاء فيها:
“توصلت الحكومة الفرنسية بجديد الكومندان «بريموند» والمحلة الشريفة الذين وصلوا لفاس يوم 23 أبريل، الحكومة أعطت الأمر لكولون الاحتياط الذي تكون بالدار البيضاء بالتحرك إلى «دار الزراري» والتمركز في سفح الجبال هناك قرب فاس، وأن يقيم علاقات اتصال مع المدربين الفرنسيين للقوات الشريفة لتدبير تموين فاس.
الأخبار يوم 29 تقول بأن العاصمة ما تزال محاصرة، والتموين قليل والقبائل لا تريد الهدنة”.
وفي 12 ماي 1911، بعث «دوبيليي» إلى وزير الخارجية رسالة رقم:277 ص:283:
“قنصلنا بفاس بعث يومي 4 و6 ماي يقول بوجوب السير نحو فاس في أقرب وقت ممكن، مضيفا أنه سواء بقي الكولون في «دار الزراري» أو خارجها للتفاوض، فإن الثورة ستنفجر في العاصمة حيث قل التموين والذخيرة والمال.
وفي 12 ماي 1911، بعث «دوبيليي» من طنجة برسالة رقم:272 ص:283:
“أبعث لكم برسالة «كيار» توصلت بها مؤرخة بـ4 ماي:
اليوم في منتصف الليل توصلت برسالتكم المؤرخة بـ25 أبريل التي تحمل تعليمات حكومة الجمهورية، والتي أخبرت بها في 27 مولاي حفيظ الذي سبق أن طلب مساعدات عسكرية فرنسية، اقتضتها الأوضاع الملحة المذكورة، في رسائل متلاحقة مرسلة عن طريق «لحياينة» أو تاوريرت.
أشير إلى أني متوافق مع «منجان» على وجوب إجراء العمليات بأقصى سرعة بعدما صار وضعنا في فاس متأزما أكثر فأكثر، هذا الصباح هوجمت العاصمة من طرف قوة من الخارجين في محاولة للدخول إلى فاس الجديد، وهم يقدرون بـ10000 رجل، وقد صدتهم قوات السلطان بصعوبة بعدما تم رصدهم، لكن من يوم لآخر يتم تعزيز المتمردين بالعسكر.
«منجان» وأنا نرى أنه في هذا الوضع يجب أن يتحرك الكولون، فإذا ما تم توقفه في «دار الزيراري» للمفاوضة أو خارجها فسيتم إعاقته من طرف الثورة التي ستشتعل بفاس لأن الذخيرة والإعانة والمال قد نفد، دون نسيان بأننا صرنا محاصرين وعلاقاتنا بالخارج أضحت صعبة.
فقط صدفة سعيدة أن باشا «اشراكة» أوصل لي اليوم 4 ماي رسالتك لـ25 أبريل، وسيكون من غير الممكن التواصل مع الكولون الساعة 10 مساء من 4 ماي، مولاي حفيظ حرر رسالة شريفة تطلب المساعدة العسكرية الفرنسية”.
وفي 12 ماي 1911، بعث «دوبيليي» من طنجة برسالة رقم 279 ص:224، لوزير الخارجية، جاء بها:
“أبعث لكم بمراسلة «كيار» المؤرخة بـ6 ماي:
ليس هناك تغيير حيث الوضعية، المدينة ما تزال محاصرة من طرف قوات العصاة الذين تزايدوا في الأيام الأخيرة، الوضعية دائما حرجة، لكن المأمول في وصول القوات الفرنسية خلال أيام رفع من معنويات القوات، وهدأت من تحميس النواحي المحاصرة للعاصمة.
عندما توصلت بقرارات حكومة الجمهورية، ألححت لدى مولاي حفيظ، على إعادة مولاي ادريس الزرواطي إلى منصبه كخليفة للمدينة، لأنه رجل نشيط، لقد علمنا أن الكولون المرافق للمحلة، أثار لدى السكان الكثير من الاستحسان”.
وفي رسالة رقم:280 ص:285، بعثها «دوبيليي» إلى وزير الخارجية من طنجة، جاء بها:
“توصلت من قنصلنا بفاس بالمراسلة التالية:
فاس 6 ماي، أبعث لكم صحبته ترجمة الرسالة الشريفة التي بعث بها مولاي حفيظ فيما يتعلق بتعاون القوات الفرنسية في حماية العاصمة وإقرار الأمن بتعاون مع السلطات المخزنية، وقد فضلت عدم إرسال النص العربي مع الرقاص، خوفا من أن يلقي المتمردون القبض عليه.
السلطان أرخ الرسالة في 27 أبريل لإعطاء الإطار التأكيدي لزحف القوات التي سبق الاتفاق عليها بيني وبين بن غبريط بجانبكم، وسيصل السيد «رونو» قريبا إلى فاس، السلطان طلب مواصلة التعاون حتى يصل وزيرنا؛ الجديد هنا هو وصول محلة لمراني لمساندة القوات الفرنسية التي استقبلت بحفاوة من قبل سلطات المخزن”.
وفي رسالة رقم:291 ص:291 مؤرخة في 16 ماي 1911، بعث بها «دوبيليي» من طنجة:
“في رسالة من فاس 9 مساء، قنصلنا يقول بأن الحالة في فاس على غير ما يرام:
قوات المتمردين متمركزة في معسكرات البرنوصي، و«راس الما»، و«عين السمار»، تنتظر مواجهات شاملة، «كيار» على نفس الرأي مع «منجان» في الموضوع.
بعث ممثلنا إلى قائد الكولون لإطلاعه على الوضع لاتخاذ ما يلزم للزحف سريعا إلى المدينة، وفي محلة «بن الجيلالي» الوضع أقل سوء مند يومين، لتخوفهم من أن توقف القبائل زحف تقدم الكولون”.