أوردت وكالة “هافاس” مجريات الوقائع كما تمت بالضبط، كالتالي:
كان الانقلاب يهيأ من أمد طويل من طرف الشريف الكتاني الذي كان دائما معاديا لفرنسا والإصلاحات.
الكتاني كان يظن أن الحركة تعمل لصالحه، لكن الجماهير خذلته.
سي ادريس الفاسي أرسل من الرباط برسالة شريفة إلى فاس حيث وصل يوم 30 دجنبر 1907م في خضم المستجدات كانت الجموع.
في خضم المستجدات كانت الجموع مسلحة بالحجارة والعصي تحيط بالمسجد الذي ستقرأ فيه الرسالة، انقادت الجموع للكتاني الذي نشر الاحتجاج الذي أحدثته الرسائل المحتوية على لهجة شديدة ضد أهل فاس، والتي طلبت من العلماء إصدار فتوى تجيز للسلطان عقد قرض. في هذه الأثناء كانت هناك رسالة واحدة شريفة؛ هي التي قرئت في المسجد تضمنت فقط تشكرات السلطان لساكنة فاس على الحيوية والغيرة التي أبدوها لوضع حد للاضطرابات الأخيرة.
توجهت الجموع الموجودة خارج المسجد إلى ضريح سيدي عبد القادر التازي وأعلنت استقلالها عن السلطان والعلماء، واستدعت العلماء للضريح، واستمالوا سبعة من بين الذين بقوا في المسجد، وطلبوا منهم إظهار رسائل السلطان الطامع في العرش التي يخفونها، العلماء أنكروا توصلهم برسائل أخرى غير التي سمعوا، وتحت التهديد طالبوا بالسماح لهم بالذهاب إلى حرم القرويين، فقبلت الجموع التي رافقتهم والتي قدرت بـ 20000.
السؤال الذي وجهته إلى العلماء هو: سادتنا العلماء حفظكم الله، هذا الشخص المسمى عبد العزيز ضيف القوة، لا سلطة له، يتطلع إلى أعدائنا، ويطلب تأييدهم، وسمح بإقامة بنك ربوي يعارض الدين، وحاد عن الشريعة، وأنشأ البوليس، واستلف المال، وبلبل المغرب بإعطائه منطقة الصحراء وتوات ووجدة والدار البيضاء لفرنسا، وارتبط بالأعداء باطراد بحيث لم يعد مستقلا، ومخزنه عاجز”.
العلماء قرؤوا الرسالة، وأجابوا تحتها:
“إخوتنا الأعزاء سكان فاس، لقد توصلنا بسؤالكم وسنجيبكم غدا”.
قرأ الزرواطي هذا الجواب على الجمهور الذي رفض الاستجابة للإمهال والتوقيت، وعلى إثر ذلك أمر الزرواطي الجنود بإشهار السلاح، الشريف الصيلي من ضباط صف جنود الزرواطي، برتبة Adjudant أظهر للعلماء مسدسا في يده، فطلبوا منه نصف ساعة من أجل الاجتماع، وسيستخرجون الجواب من وراء المنبر.
هدأ جنون الجمهور المقدر بحوالي 40000 نسمة في انتظار الجواب مرابطين حول المسجد خلال نصف ساعة، حيث دفع المتوعدون خارجا.
في المسجد ظهر العلماء أخيرا، بعد هنيهة؛ القاضي العراقي قاضي فاس تكلم بنصف صوته: (هذا الرجل عبد العزيز يستحق الخلع)، فرددت الجماهيربصوت واحد: (الخلع)، خيّم صمت حزين، الزرواطي طلب من العلماء كتابة جوابهم وتوقيعه، فكان القاضي العراقي أول الموقعين، وتلاه باقي العلماء، والكتاني حول الحركة يراقبها.
ضمّن العدول الفتوى وأشهدوا عليها، ثم قام البراحون بالطواف في المدينة لإعلام الناس بخلع المولى عبد العزيز.
مر فاتح وثاني يناير 1908م في فوضى تامة، قائد الانقلاب عيّن مقدمي الحومات وحراس الأبواب، الكتاني سعيد بنجاح المشروع مرغّب في الإعلان عنه.
وفي يوم 3 يناير اجتمع ممثلو الجموع ورؤساء نواحي فاس الذين استدعوا لحضور الاجتماع مع شرفاء وأعيان التجار للاستماع إلى تصريح الكتاني بجامع مولاي ادريس، فنودي على مولاي عبد السلام المراني القائد السابق لمحلة القصر الذي تحدّاه الريسوني.
بعث المراني إلى المجتمعين كاتبه وابنه وأخاه، ونودي أيضا على كاتبين من كتاب الوزير الكبير، والجماهير مجتمعة حول المسجد.
ألقى الكتاني كلمة موجزة هاجم فيها عبد العزيز ونادى ممثلي الأمة طالبا منهم مبايعة سلطان للدفاع عن الوطن، ويعمل من أجل ازدهاره.
فاقترح أخوه المناداة بمولاي حفيظ بشرط أن يقبل، أحد مسني فاس صرّح بأنه يستحيل المناداة بسلطان في هذه الأجواء التي لا يقبل بها أحد.
أجاب الكتاني: (بيننا من يقبل المناداة به في هذه الأجواء).
أحد العلماء ردّ: (الشريعة لا تسمح بإملاء الشروط على صاحب السيادة).
أجاب الكتاني بحدّة: (إذا لم يقبل هذه الشروط فلن يكون أميرا للمؤمنين).
الجماهير صاحت: (نحن نطالب بتطبيق شريعة القرآن)، فكتب العلماء عقدا آخر باسم ممثلي الأعيان الموقعين، وهذه مضامينه:
(قوة عبد العزيز مدمرة، يحب النصارى، يقترض منهم، جميع سياسته ترتكز على تسهيل دخولهم للمغرب).
في هذه الأثناء حضر قائد الشراردة وعامل فاس عبد الرحمن بن عبد الصادق، وكل موظفي المخزن، ووقعوا العقدين -عقد الخلع وعقد البيعة-.
أرسل مبعوثون إلى مولاي علي أحد أعمام عبد العزيز الذي يشغل مهمة خليفة السلطان بفاس، من أجل إعلامه بالقرار، فأجاب بأنه مريض، ورفضوا الحضور، العدول الذين أرسلوا أشهدوا عليه، عمّ آخر للسطان بن عبد الهادي استدعي أيضا فرفض التوقيع قبل المراني، فأحاطت الجموع بداره مهددين إياه بالقتل فحضر عبد الهادي إلى عين المكان مصحوبا بالعقدين الذين رفض توقيعها، حيق وقعهما وانفضت الجموع من حول داره، انتخب من الجموع ثلاثين نفرا لحمل عقد البيعة إلى السلطان الجديد، مع هدية جديدة، وتم تعيين المراني خليفة لمولاي حفيظ بفاس، وبعث بنسخة إلى الطريس بطنجة، كما عيِن الزرواطي باشا مؤقتا لها والشيباني عيّن محتسبا محل التازي الموجود بطنجة، وبقي باشا فاس عبد الصادق نائبا للزرواطي.
ص: 36 / 1908 مجلة إفريقيا الفرنسية