سبقت الإشارة إلى احتلال القوات الفرنسية سطات باعتبارها مركزا استراتيجيا، وخروج المحلة الحفيظية منها؛ إلا أن الشريف البوعزاوي لم يتجه جنوبا وإنما التف على القوات الفرنسية كما سلف بحوالي 500 فارس غرب برشيد ممهدا للهجوم الذي يقول عنه دماد في الرسالة التالية إلى وزير الحرب:
سطات 08/04/1908م
في الليلة 7 و8 هوجم الكلون بفيلقيه على الساعة الثالثة والنصف صباحا، حيث توالت الأعداد بقوة على معسكراتهم المتقدمة، بيد أنهم وجدوا من فيها على استعداد في أماكن حراستهم، حيث توجه الجنود لأخد مواقعهم في صمت بعدما أشعروا بتحركات الأعداء سلفا، ووضع الأمر بيد القادة.
وبذلك صدت الهجمات نتيجة كثافة النيران الموجهة نحو الأعداء الذين تكبدوا خسائر فادحة في الأفراد لم تعرف إلا بعد حين.
المهاجمون لقواتنا يعرفون محلة البوعزاوي، لذلك اجتمع حولها الكثير منهم من أهل الشاوية، ولذلك إذا لم نواصل حركة التهدئة فسينظم سكان الناحية تلقائيا وعن طيب خاطر إلى تلك الحملة، ويجتاحون الشاوية التي توجد حول برشيد صحبة جموع من نواحي مراكش والرحامنة والسراغنة والشياضمة، والذين أتوا من نواحي أزمور. فاليوم أرى من أجل ترحيل معسكراتي القيام بهجوم عام إلى الأمام للابتعاد مسافة 7 كلم مطاردا الأعداء ربوة ربوة.
لقد اتضح أن تتخذ المتابعة حالا حتى لا نترك الأعداء يستقرون حول سطات في المنطقة المراقبة من طرف ملحقتنا بالناحية، أريد إعطاء الانطباع بقوة جوابنا السريع لقيادة نواحي أمزاب وأولاد حريز الذين يصحبوني هم وأطفالهم وكثير من الأعيان طيلة مدة المتابعة هاته.
الخسائر: مقتل ضابط وجرح 7. (رسالة رقم 226/ص:197).
وفي جواب من رونو الوزير المفوض الفرنسي بطنجة إلى بيشون وزير الخارجية يقول:
طنجة 10 أفريل 1908م
أحطت الجنرال دماد علما ببرقيتكم المؤرخة في فاتح أبريل التي حملت ملاحظة حول ما اقترحه القائد البوعزاوي والذي سألتم عنه، فهو ليس بقائد لأية ناحية أو فخدة بالشاوية، إنه ليوطنا مولاي عبد الحفيظ، وآمر لأحد المحلات التي تقاتل قواتنا.
البوعزاوي يدعي أنه تخلى عن مناهضة التواجد الفرنسي، لكن تصريحاته غير موافقة للحرب مع هذه الفصول. (رسالة 226 / ص:197) .
لم يكن الوضع بالحدود الشرقية أقل مما هو عليه بالشاوية حيث اضطر وزير الحرب الفرنسي إعطاء الأوامر بعدم التحرك بعنف، كما في هذه البرقية من وزير الحرب إلى العامل العام بالجزائر.
باريس 16/04/1908م
لقد بعثت إلى الجنرال قائد أركان الجيش 19 البرقية التالية:
“أكرر عليكم بكل إلحاح أن تتركوا كل التحركات ذات الطابع العنيف. محتذين حذو العامل الذي التزم بالتأقلم مع كثرة المجموعات المعادية دون أن يتركها تجول في مجالات تواجد حركاتنا”.
ومثل هذا ما بعث به وزير الحرب إلى دماد في البرقية رقم:233، من باريس في 17/04/1908م: الحكومة تلقت بارتياح تأكيد الجنرال ليوطي على حسن النتائج التي انتهيت إليها والتي توجت العمليات التي أطلقت ثقتى في كفاءتكم وحسن تدبيركم وحيويتكم أنتم ورجالكم.
لقد أكد الجنرال ليوطي بأنه لم يكن لكم أي خيار في اتخاذ سطات نقطة تمركز للحامية الجهوية لتأمين لمزامزا في هذا الإطار، واعتبارا لخطر التراجع للخلف آذن لكم بالإقامة مؤقتا بسطات دون أن تتجاوزها؛ ما عدا لدفع أي مخاوف أمنية”.
وفي رسالة من قائد الجيش 19 بالجزائر إلى وزير الحرب جاء فيها:
الجزائر 17/4/1908
ليوطنا الكولونيل بيرون أبرق من لمنابها في 16 على الساعة 11 صباحا:
“تعرض معسكر القوات ببشار الذي استقر في لمنابها على بعد 10 كلم من مركز تلزازة لهجوم يوم 16 حوالي الرابعة صباحا والنصف، قبل طلوع الصباح حاولت جماعة الوصول إلى خطوطنا، وبعض منهم تسلل إلى المعسكر ليتم قتلهم بفضل هدوئنا ورباطة جأش قواتنا التي كانت مثالية.
فصيلة من قوات النواحي بإمرة القبطان موري أرسلت بسرعة إلى مرتفع يشرف على المعسكر حيث يمكن قصف مراكزنا الصغرى القائمة على المراقبة والرصد، وذلك بإعطاء الهجوم مع شجاعة مثالية حيث انتهت باقتحام حركة منسحبة منتمية لإحدى الفخذات من كل جهة بسرعة متناهية، وفي السادسة صباحا أخلي المعسكر تماما بعد ما تم إبعاد المعركة عنه وتعطيل الأعداء بتغيير الطريق حيث تبع الخيالة المقتحمين إلى مسافة 10 كلم.
جزء من الأعداء انضموا إلى حركة المنكوب، وآخرون فروا نحو الغرب، وأصبح اللحاق بهم غير ممكن نظرا لسرعة حركتهم في الهروب.
لقد تم تغيير المعسكر في نفس اليوم نظرا لتشتته وانتشار الجثت به من الناس والحيوان التي بقيت في عين المكان، فاختير التمركز على بعد 4 كلمترات من حائط القرية من جهة الشرق وتم إخلاء الجرحى إلى تلزازة.
لقد كان اندحار الأعداء مكلفا، دون إعطاء الحصيلة النهائية لتلك الخسائر.
أما خسائرنا فهي:
– مقتل ليوطنا كوست.
– جرح ليوطنا كانونس جروحا بليغة.
هناك أيضا 8 ضباطا جرحى، و3 ضباط صف اوربيون قتلى، و آخرون جروهم بليغة، و7 جنود أوربيون قتلى، و26 جروحهم بليغة و20 جريحا.
8 جنود أهليين قتلى، و19 جروحهم بليغة، و17 جريح يكون الجميع:
22 قتيلا، 98 جريحا في حدود الأربعين جثة عندنا.
وترك الأعداء في الميدان أو المخيم أو خلال الطريق 125 جثة دون أن نتمكن من إحصاء الكل، خاصة بعيدا عن المخيم أو أثناء الملاحقة، وغنمنا 93 بندقية منها 11 للحربية الفرنسية تركها الأعداء وهي بأيدينا.
أغلبية الجرحى المنتمين للحركة جاءوا من المنكوب حوالي 2000 راجل و300 فارس، انطلقوا يوم 15 مساء وقضوا الليل مشاة؛ والضباط على قدر عال من الشجاعة والإنضباط.
وعلى إثر هذه المعركة الضارية بعث العامل العام للجزائر إلى وزير الخارجية بالبرقية التالية:
الجزائر 19/04/1908م
توصلت من الجنرال فيجي بالتلغراف التالي:
“تبعا للمجابهة التي تمت موضوع برقية 16 أفريل مع قوات ليوطنا كولونيل بيرون أرى أنه لا يمكن أن نبقى في الدفاع، لذلك فإن أربع مجموعات (كولون) غادرت معسكراتها. مورول تانزيزا، بوعرفة، حاسي فالت”.
في ليلة 18 تمركزوا حول منكوب حيث وصلوا متزامنين هذا الصباح. ابتداءا من الساعة 17 مساء مصلحة الإستعلامات أخبرتنا بأن منكوب أخليت، وعرفتنا بأن ما أرسلت من قوة استطلاع يومه لم يجدوا شيئا في تلك النقطة التي كانت فيها فخذة صغيرة من الحركة التي اختفت هي نفسها بعد صمود قوي حول المكان الذي تبودلت منه حوالي خمسين طلقة بندقية دون جدوى.
مند وصولي إلى منكوب بعثت نحو الغرب قوة استطلاع قوية من الخيالة خلف بعض الفارين، فوجدوا كل نواحي زيروح تاملالت في شمال عين الشعير كلها قد أخليت.
لقد وجدت المكان الذي أحتله الآن بمنكوب والذي كانت تحتله حركة مؤلفة من 2500 راجل و1000 فارس، و75 بطارية.
مجموعة كولون بيير وصلت جموعهم منقوصة بـ120 رجل بين قتيل وجريح أو مختفي.
فلول النهاب كثيرو التنوع، والفار منهم يتحول إلى الغرب. والذي يجب تفحصه اليوم هو الإمدادات اللاحقة التي ستنهض من تافيلالت وأعالي كير، والتي بالتأكيد ستتبع خط بودنيب بوعنان عين الشعير. لذلك أرى أنه من أجل ضمان انتصارنا من الضروري الذهاب للاقتصاص من مولاي الحسن السبعي محرضهم وقائد الحركة. هذه العملية يجب أن تكون سريعة وسهلة بكلون قوي يمكنه إيقاف زحف الإمدادات المعلن عنها حيثما كانت تحركاتها، وفرض غرامة ثقيلة عليهم تلقنهم درسا قاسيا.
خط سير هذه الإمدادات سيمر حتما عن طريق الجبال المتحكمة في بوعنان، وعلى كل حال إذا راقبنا جيدا ناحية أعالي كيير الذي في واد خيبر يحتمل جدا أخذ بعض الوقت في ذلك انتظارا لتحديد مقصد الدعم المعلن عنه. وتمويل هذه النقطة المتمركزة سهل، ويمكن ضمانه من طرف مركز في تالزازة أو بلهدي ناحية بوعنان، هي مسبقا في الحدود العادية لمحيط تحركاتنا.