المؤرخ العلامة أبو العباس أحمد بن خالد الناصري (1250-1315هـ/1835-1897م)1/2

ولادته :

ولد المؤلف بمدينة سلا وقت طلوع الفجر يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام متم سنة خمسين ومائتين وألف للهجرة 1250 الموافق للثاني والعشرين من شهر مارس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف للميلاد 1835.
نشأته ودراسته:
نشأ صاحب الترجمة بمسقط رأسه سلا كما تقدم في حجر والديه وكانت هذه المدينة إذ ذاك زاهرة بالعلوم الإسلامية والعربية.
أخذ قراءة القرآن منذ صباه على يد شيخه الأستاذ الحاج محمد العلو السلاوي، ثم الشيخ محمد الجيلاني الحمادي فقرأ عليه مبادئ العلوم الراجعة لقراءة القرآن بحرفي ابن كثير ونافع.
كما قرأ على الأستاذ محمد بن طلحة الصباحي وأتم القراءات السبع على شيخه الأستاذ عبد السلام بنطلحة وعليه تلقى فن التجويد وحفظ المتون والأمهات كمنظومة الشاطبي وابن عبد البر، وخلاصة ابن مالك، وتلخيص المفتاح، وابن السبكي، ومختصر خليل وغير ذلك.
ولما حصَّل ذلك وأتقنه شرع في قراءة علوم العربية على شيخه العلامة محمد بن عبد العزيز محبوبة السلاوي فدرس عليه عدة تآليف في النحو والبلاغة والمنطق والكلام والفقه وأصول الدين إلى أن ارتحل هذا الشيخ إلى الحجاز وتوفي هناك سنة 1862/1279.
فصرف وجهته حينئذ للأخذ عن شيخه وعمدته أيضا، العلامة قاضي سلا وخطيبها أبي بكر بن محمد عواد السلاوي، فقرأ عليه فنونا جمة وعلوما مهمة كالأصول والمعاني والبيان والبديع والحديث والسيرة النبوية.
سيرته ومذهبه:
كان مقتفيا أثر السنة في كل شيء؛ شديد الإنكار على أهل البدع متصديا لهم، عاملا على زجرهم وردهم إلى الكتاب والسنة، منددا بالطوائف وأرباب الأهواء الذين أدخلوا في الديانة الإسلامية ما ليس منها حتى شوهوا وجهها، وغيروا أصلها معتقدا أن كل تأخر حل بالإسلام والمسلمين إنما أتى من هاته النزعات والبدع .
مع الحرص الشديد على إيقاظ المسلمين من غفلتهم وردهم إلى الطريق الواضح، والمنهج السوي الذي يؤدي إلى الرقي الحقيقي في الدين والدنيا، وتلك كانت غايته المقصودة وضالته المنشودة، كأنما أوقف عمره لأجل ذلك.
ومن راجع كتابه “الاستقصا” و”تعظيم المنة” وجدها طافحة بالتحذير من هذا الداء والإغراء بالمبادرة إلى العلاج بالوسائل الفعالة التي كان يعتقدها ناجعة في حسم مادته وهي: نشر العلم الصحيح بين سائر أفراد الأمة.
أما مذهبه في التعليم فإنه كان يرى أن الطريقة المسلوكة في التعليم عند المغاربة في عصره قليلة الجدوى عديمة النتيجة بعيدة الوصول إلى الغاية المقصودة منها. وأن التآليف المتداولة بين أيديهم لا تفي بالغرض المطلوب لاختصارها وغموضها وانغلاق عباراتها واختلاطها وعدم ترتيبها. ولاحتوائها على المسائل والأبحاث الفارغة التي لا طائل تحتها.
فكان رأيه صرف الناس في التعليم إلى كتب السلف المؤلفة أيام ازدهار العلوم في عصر التمدن الإسلامي والأخذ بها لوضوح عبارتها وسهولة فهمها وكثرة فائدتها.
ومع ذلك فهو بحسن سياسته وهديه كان يتكلف الوسائل ويستعمل غاية مجهوده في تفهيم ذلك وتبينه لهم. وقد قام في وجهه بعض الناس من أرباب الطوائف والطرق وصار يشنع(1) عليه فلم يهنه ذلك، ولم يثن عزمه، بل استمر مثابرا على طريقته وخاب سعي ذلك المنكر ولم يدرك منه مراده لحسن قصده وخلوص نيته إلى أن أتته المنية وهو على ذلك الحال. (انظر ترجمته في الاستقصا التي وضعها ولداه جعفر ومحمد، وإتحاف المطالع بوفيات القرن الثالث عشر والرابع، أعلام الفكر المعاصر بالعدوتين الرباط وسلا، معجم طبقات المؤلفين على عهد الدولة العلوية، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من أعلام..).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- قد شرح صاحب الترجمة ما لقيه من هؤلاء وما كان مآلهم في كتابه “تعظيم المنة بنصرة السنة” في باب الكلام عن التصوف وهو محفوظ بالخزانة الناصرية بسلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *