مقاومة الزحف الفرنسي إلى فاس (1)

تذمر الحاشية من التواجد الفرنسي
جاء في رسالة من “دوبيليي” إلى وزير الخارجية، من طنجة بتاريخ 15 فبراير 1911، ما يلي:
“ابعث إليكم بنسخة من رسالة “كيار” حول السلطان والمخزن.
من “كيار” إلى “دوبيليي”، فاس 8 فبراير 1911:
عند رجوعي إلى فاس تبين لي أن الحاشية الشريفة أصبحت شديدة الحساسية، في الوقت الذي يواصل محمد المقري محادثاته في باريس حول شكل السياسة الجديدة، قمت أنا بدراسة وضعية المخزن الحالي.
مولاي حفيظ غير من وضعيته، ليس تجاهنا فقط، وإنما أيضا بالنسبة للممثلين الأجانب ومطالبهم الخاصة، بالرغم من فشلهم في إيفاد مدربين؛ أعتقد لأنه اقتنع بوجوب الدخول في طريق جديد بحكم قوة الأشياء الملزمة له، لأنه لا يمكن له المحافظة على عرشه باتباع النهج المعتاد في الماضي، فبدأ بتنظيم الجيش تحت إشرافنا، وإن كان يرى أن ذلك وسيلة وليس هدفا كما أخبرني هو نفسه في إحدى المباحثات، وقد وجدت نفس القلق من القدرة على إصلاح القبائل وإخضاعها لتنظيم استخلاص الضرائب دون قيام فوضى مناهضة لذلك الإجراء، مما يستوجب القيام بإصلاح الإدارة وطرق عملها.
مولاي حفيظ منذ أن صمم على الاقتصار على تلافي المشاكل الداخلية، التي لا يمكن أن توقف اتفاقاته مع وزيرنا الذي يريد رؤيته بالرباط، لوضع قواعد سياسة الإصلاح التي دشنها.
سلطات المخزن مركزة في يد الوزير الكبير لكلاوي والطيب المقري، الأول في معالم السياسة الداخلية المتعلقة بالعلاقة مع القياد، وقد وضع ابنه كوزير للحربية؛ وسي الطيب وزيرا للمالية مكلفا بالعلاقات الخارجية في غياب أبيه.
مولاي حفيظ يخشى سلطة لكلاوي ويرتاب فيه، وهذه الريبة متنامية، سي المدني لكلاوي يظهر في وظيفته شراهة وطمع القائد البدوي، ولا يرى في تعيينات القياد إلا وسيلة للغنى، حتى باشا مراكش ج التهامي أخاه ينافسه في ذلك الاختيار، حيث يبحث هذا الأخير عن اللحظة التي يقترب فيها منا، ويقيم علاقات مع مسؤولينا العسكريين بالشاوية، ويرى دون انزعاج القيام بفصل فاس عن مراكش لتصبح عاصمة مستقلة للجنوب، لقد تغير وضعه مند أن وصلت بعثة “كوري” لمراكش، حيث أصبح يرى أن وضعه بذلك أصبح جيدا وحقيقيا لوضع يده على ما يريد تحقيقه.
أنا مقتنع بأن حكومة مولاي حفيظ معاقة بمفاسد الحماية، وخاصة موارد الموانئ المتفككة التي ستنهار في المستقبل البعيد شيئا فشيئا، فإذا لم يصاحب التنظيم العسكري تنظيما إداريا وماليا فإن السلطان سيتخذ القرارات اللازمة، لكن فقط إذا كان مسنودا منا ومتوصلا بالضمانات التي تم إعلانها من قبلنا”. ص: 96 رقم: 64.
قبل هذه الرسالة كانت هناك تطورات على تخوم “لمذاكر” و”ازعير” نتيجة الكمين الذي راح ضحيته فرقة استطلاع فرنسية.
جاء في رسالة من “دوبيليي” إلى “بيشون”، من طنجة في 17 يناير 1911:
“توصلت من الجنرال “موانيي” بما يلي:
لقد وقع للقبطان” يانسي” صعوبات صحبة 5 من الكوم و20 فارسا، عند زيارتهم لقبيلة “بني خيران” و”لغولم” من أجل تسوية بعض المسائل الأرضية للرعي مع “لمذاكرة”، وتغطية أعمال البعثة العسكرية الطبوغرافية العاملة في ناحية “لمذاكرة” يوم السبت14، وبعد أن توقفوا مع دليلهم ليلا قرب “مغشوش” حيث الشريف الذي له علاقة مودة مع “يانسي”، فسقطوا في كمين مجهول قتل به خمسة منهم الملازم “مرشاند” وضابط الصف “يفيريت” من مصلحة التدريب، وجرح خمسة من الكوم؛ العارفون قالوا بأن ذلك تم من قبل القبائل المجاورة، وكذلك رأي الشريف، اعتقد أنه يجب مساعدة القبائل الصديقة والمتطوعين من الأهالي معنا”. ص: 50 رقم: 42.
وتجدر الإشارة إلى الحديث الذي كان يدور حول اعتزام السلطان التوجه إلى الرباط، ومنه إلى مراكش، لما في ذلك من مزايا تبرزها الرسالة التالية، الصادرة من “كيار” بفاس بتاريخ 11 يناير 1911، والتي جاء فيها:
“سيطرة لكلاوي على المخزن
في محادثتي الأخيرة مع السلطان، تحدث عن الحركة المقبلة للمخزن، والتي سيغادر فيها السلطان فاس بعد عيد المولد بأسبوع، أي في أول شهر أبريل، السلطان ولكلاوي بدئوا في الاستعداد لبعث الحريم إلى مراكش، معنى ذلك أن عددا من القياد سيرافقون حركة الشمال نحو الجنوب الذي يعتبر أكثر هدوء بعد توالي ظهور الخارجين عن السلطان، وحاجة السلطان إلى المال لتنفيذ قراراته وإصلاحاته، حيث يمكن له الحصول على عائدات ضريبية أحسن من قبائل الحوز الموالية، زيادة على رخص المعيشة، ومن هناك يمكن له العودة إلى الشمال بقوة عسكرية قوية، وأيضا إيقاف تنامي سلطة ج التهامي لكلاوي الذي بدت عليه علامات الغنى” ص: 15 رقم: 44.
لقد شكل كمين “ازعير” للقوات الفرنسية بلبلة لتخطيطاتهم، وأربكها، وهو ما نتابعه في الرسائل التالية:
“من “دوبيليي” إلى “بيشون”، طنجة 21 يناير 1911:
توصلت من “موانيي” بما يلي: أول الأبحاث التي أجريناها في “ازعير” تبين أن الناحية التي وقع بها الكمين السبت الماضي هي اليوم خالية، منفذوا الكمين غادروها، ودواويرهم مهجورة”. ص: 53 رقم:46.
وفي 22 يناير 1911، بعث “موانيي” يقول: “فخدة “ازعير” المسؤولة عن كمين 14 يناير، خرجت إلى مقربة من زيان وزمور، ومن هناك ستهاجمنا كما تم رصد معادين آخرين لنا في “بني مسكين” في خلفيتنا”. ص: 53 رقم: 47.
كما بعث “دوبيليي” إلى “بيشون” رسالة في الموضوع، يوم 23 يناير 1911، مرفقة برسالة من “موانيي” جاء بها:
“كمين 14 الجاري يتعذر تحديد من الذي قام بعمليته في “ازعير”، ذلك أن القبائل هناك ما تزال تسوي مشاكلها بالسلاح، الأوضاع مضطربة حول تخوم الشاوية، مما يجعلنا نتفادى التصعيد” ص: 53 رقم: 47.
وفي مراسلة أخرى من “دوبيليي” إلى “بيشون”، من طنجة بتاريخ 15 فبراير 1911، جاء فيها:
“مدبرو كمين 14 يناير الفارين من “ازعير” عادوا إلى دواويرهم، بل وقاموا باحتفال يوم 9 من الشهر الجاري، قرب قصبة مغشوش” ص: 96 رقم: 64.
مسألة مرافقة المدربين للحركة
طرحت مسألة مصاحبة المدربين الفرنسيين للحركة عدة إشكالات، أهمها أن الحركة تسخر لإحتلال البلاد، وتدلل على أن السلطان لم يعد له من أمره شيء، وهو ما وعاه القنصل الفرنسي “كيار”، فبعث يستفسر عن التصرف المناسب في الرسالة التالية:
“من “كيار” إلى “دوبيليي”، فاس 26 فبراير 1911:
أخبر المخزن أمس مساء بأن “اشراردة” اتفقوا مع جيرانهم “بني احسن”، فقاموا باتخاذ موقف من مناهضة ومقاومة المخزن، حيث عقد أعيانهم اجتماعا واتفقوا على التعاون مع جيرانهم، وبعد ذلك حدث هيجان في المنطقة، وبما أن “اشراردة” تنتمي إلى الكيش، فإن السلطان يعتقد بضرورة إنذار كل الحركات المتمردة، بأن محلة سترسل إليهم على وجه السرعة، للقضاء على المحرضين واعتقالهم، ونتيجة لذلك طلب السلطان من “منجان” بالسماح للمدربين بالتوجه مع الطابور الذي ينتمون إليه، قائد بعثتنا العسكرية أجاب بأنه سيبحث المسألة معي.
أنا ذهبت إلى دار المخزن، حيث السلطان الذي شرح لي الوضعية، “منجان” من جهته أخبرني بأنه يظن أن القوات التي يشرف على تدريبها قد تقدمت، وأنها قادرة على القيام بالمطلوب منها، وأن الجنود صاروا منضبطين، ومضموني الولاء، لذلك لا أرى مانعا من أن يرافق المدربون الطابور الذي يعملون فيه.
وفي هذا الإطار قلت بأنه ليس لدي اعتراض من حيث المبدأ بأن يرافق المدربون الطابور، لكن بشرط الاتفاق مع قائد بعثتنا العسكرية، طالبا توفير الظروف في التداريب العسكرية التي شرحتها في رسالتك المؤرخة بـ 7 دجنبر 1909، والالتزام بضمان التموين، والانضباط، وتنفيذ أوامر قائد بعثتنا، أو من ينوب عنه، فصادق مولاي حفيظ على ذلك.
المحلة انطلقت مكونة من 2500 رجل، بقيادة سي عمر بن عدي، الذي حضر لقائي مع السلطان، وسمع ما دار بيننا، “منجان” بين القصد من مصاحبته هو نفسه للقوات، لكن دون أن يتم الحسم في الموضوع.
هذه العملية لن تكون دون إثارة مخاوف، لأن العمليات من هذا النوع تحمل دائما مصادفات، وقد ظهرت لي صعوبات مختلفة، قبائل البربر حول فاس تدفع للثأر، معبرة عن عدائها لسياسة الإصلاح، وقد شرعوا في أخذ مواضعهم، استعدادا للثورة وحصار العاصمة”. ص: 110 رقم: 78.
وفي الغد بعث رسالة أخرى تقول:
“تبعا لرسالتي بالأمس، أخبرك بأن المحلة قد تتحرك غدا من أجل عملية ضد “أولاد ادليم اشراردة”، بين جبل “سلفات” و”حد تكنة”، مرفوقة بالقائد “منجان”، لكن سيعود بمجرد انتهاء العملية إلى فاس، وسيخلفه القائد “برلايموند”.
ثورة “اشراردة” نتيجة غضبهم من ابتزاز الوزير الكبير، متضرعا بتقرب السلطان من فرنسا منذ بضعة أشهر” ص:111 رقم:78.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *