مأزق فرنسا بين رفض السلطان وضغط المقاومة

تعتبر سنة 1910م سنة مفصلية في تاريخ استقلال المغرب وبداية وضع فرنسا يدها على إدارة المالية ثم العسكرية بعد توقيع اتفاقية قرض 1910م، وهو ما جعل الوزير المفوض الفرنسي لمراقبة الديون الفرنسية على المغرب سابقا (louis bouchet) يقول في الاحتفال باليوبيل الفضي لإمضاء ذلك القرض المقام سنة 1935م: بأن بداية الحماية الحقيقية هو تاريخ توقيع ذلك الاتفاق، وليس 1912م الذي جاء تحصيل حاصل (إن مراقبة القرض في المجال الاقتصادي فتح الطريق للحماية الفرنسية في المغرب، وهو عمل لا ينقص من العمل المكمل للماريشال “ليوطي”، وقواتنا على الحدود الفرنسية المغربية الذين رفعوا عاليا قيمتنا الوطنية، ففي 4 ماي 1910م عند توقيع الاتفاق الفرنسي المغربي الذي أقر مراقبة الدين حماية حقيقية قبل الرسالة (1912م)، إنها تاريخ في التأريخ المغربي، لأنها نظمت مراقبة الموارد الأساسية للدولة المغربية، فمراقبة الدين نتيجته الحتمية احتلال المغرب، ليس فقط من أجل المستقبل ولكن للمحافظة على وضعنا بإفريقيا) (la control de la dette marocaine ص:12).
وقد كان مولاي حفيظ مستشعرا ذلك فحاول التنصل مما توصل إليه سفيره بباريس مع وزير الخارجية الفرنسية الأمر الذي دفع الحكومة الفرنسية إلى توجيه إنذار له بضرورة التوقيع على الاتفاقية في غضون 48 ساعة وإلا تحمل عقوبة ذلك.
وفي هذا الصدد يقول “لوكليرك” في مجلة إفريقيا الفرنسية (1910م/ص:103، تحت عنوان: مولاي حفيظ والشروط النهائية): “في 9 فبراير 1910م اجتمع مولاي حفيظ مع وزرائه وبعض العلماء والشرفاء الأكثر شهرة وطلب منهم رأيهم في الاتفاق الذي وقعه المقري مع فرنسا فارتأى أغلب المجتمعين أن يوقع السلطان الاتفاق، إلا أن العاهل المغربي لم يعد يتخذ أي قرار.
وفي 10 فبراير 1910م بدا على السلطان أنه متضايق متبرم من قبول المقري الاتفاق، وفي 11 منه وقعت حادثة يتخوف من أن يكون لها عواقب خطيرة على العلاقات الفرنسية المغربية، ذلك أنه ألقي القبض على كاتب محاسب أهلي للبعثة العسكرية الفرنسية؛ بتهمة تافهة بأمر من حاجب مولاي حفيظ؛ الخريصي، فطالب ضابط فرنسي من البعثة بإطلاق سراح الموظف، كما حاول الكومندان “منجان” ذلك فلم يأت تدخلهما بنتيجة، فأراد قائد البعثة أن يعرف من السلطان إن كان قد علقت عملية المتدربين الفرنسيين استنادا إلى هذا السبب، إلا أن مولاي حفيظ فكر وقدر وفي الغد أفرج عن المحتجز، وبعد ذلك استدعى قنصلنا “كيار” والكومندان “منجان” وتنصل مما فعل حاجبه ووزير الحرب ابن الكلاوي، وقد رفع الاعتذار إلى البعثة العسكرية من طرف الفقيه، واعتبر الحادث منتهيا (ص:104).
تواصل الشك مع ذلك لدى البعثة منسحبا إلى موقف السلطان من اتفاق المقري مع الفرنسيين، وأصبح معروفا في دار المخزن بأن مولاي حفيظ سيرفض إقراره، وبقي عدة أيام يراسل النواحي المجاورة لاستمزاج أرائها، وبعد انصرام 10 أيام على حادث الموظف وشيوع خبر رفض السلطان للاتفاق ساد الهدوء النواحي المضطربة، وكذا فاس، ولم نعد نسمع شيئا عن مولاي لكبير، وبعض الأخبار غير السارة من الحوز، والوزراء انتظروا حصول شيء ما.
وفي مساء 22 جاءت مراسلة خاصة من طنجة إلى القنصل “كيار” عبارة عن إنذار نهائي من الحكومة الفرنسية، فقام قنصلنا فورا بإبلاغه إلى سي عيسى بن عمر وزير الخارجية الذي أبلغه على الفور إلى السلطان وأعلمه به دون أن يتنظر صباح الغد.
مولاي حفيظ استقبل مبعوثنا وسط وزرائه وهو باسم هادئ، وأخبرهم بأنه في 7 فبراير سيوجه إلى المقري رسالة بالموافقة التامة على إقرار الاتفاق والتصديق عليه، وسيوقع فورا كدليل على الأوراق التي حملها سي محمد بن عبد الله.
“كيار” بقي جاهلا حقا هذا التاريخ برسالة 7 فبراير وخاصة أنه يجهل المعطيات المهيأة في باريس والتي يراد انتزاعها من السلطان، فتشبت بالتعليمات وطلب توقيعا عاما وشاملا من السلطان قبل 48 ساعة، وإلا سيضطر إلى مغادرة فاس مع البعثة الفرنسية، وستتبعه البعثات الأجنبية بعد ذلك.
أمام النفاق الجلي لمولاي حفيظ الذي يريد انتزاع الحجة برسالته إلى المقري وتأكيده شفويا لقنصلنا استعداده لتأكيد كل القرارات التي اتخذت من قبل قنصله؛ لكن لن يوقع رسائل المصادقة العامة يوم 23، ولن يوقع يوم 24 ولا 25، فهو ما زال يحاول المجادلة، مما فوت زمن الانتظار المحدد بـ48 ساعة.
“كيار” أراد التصرف فاستعد لأخذ الطريق إلى طنجة مع مواطنيه دون أن يستمع إلى أي تفرع بعد زوال 25.
مرة أخرى مولاي حفيظ صرح أنه على استعداد للتصديق والموافقة وفي نفس الوقت، يريد أن يترك له الوقت لبحث مسألة قرض السيولة مجددا بضعة أشهر فقط، وأعلن كمحاباة إبقاء المدربين الأتراك.
“كيار” لم يذهب وإنما أعلن الاستعداد للذهاب في الغد.
الوزراء والعلماء والشرفاء المعتبرون اجتمعوا أكثر من مرة منذ 48 ساعة مرات عدة بالليل والنهار، أغلبية المستشارين لم يروا تنازلا فيما اقترح على السلطان من مخططات فيما لو التزم بها.
السلطان وعد بالتوقيع يوم 26، وهذه المرة كان الوعد صادقا، سي عيسى بن عمر أحضر لـ”كيار” المقترحات المراجعة موقعة، فبعث على عجل بها في مراسلة إلى طنجة.
وفي مساء 28 كانت قد وصلت المصادقة للاتحاد الفرنسي بباريس وحقق الإنذار المطلوب منه، الأسئلة المعنية المقدمة لمولاي حفيظ -التي لم يكن لها وقت محدد- قصد المصادقة عليها هي المتعلقة بتصفية القرض والمراقبة المالية.
هذه الأوراق الموقعة من طرف مولاي عبد الحفيظ هي التي كانت فرنسا تحاول معه قبولها منذ أن تولى العرش، والتي كانت تريد تقديمها إليه، وكانت عرقلة في وجه الانتصار الفرنسي.
مولاي حفيظ وعد خطيا ووقع هذا التعهد فلم يبق له إلا التنفيذ.

مع المقاومة
فاس في 11 فبراير 1909م، أخبرنا غير واحد من أهالي تافيلالت أن المدعو (مهاوش) من قبيلة (آيت شخمان البربر) قد وصل في مجموعة إلى (مدغرة)، وأرسل بطرف منهم إلى (رحمة الله)؛ مكان بينه وبين بوذنيب كما بين فاس ومكناس، وهو يشترط في القادمين عليه من الرجال المتطوعين في سبيل الجهاد ترك السلب وعدم أخذ الغنيمة والتفاني في ساحة الوغى عند التقاء الجمعان.
(جريدة السعادة، عدد:259، بتاريخ: 16/02/1909م).
ملاحظة: فقارن بين ما فعله الفرنسيون الغازيون بالأراضي المغربية والمدن التي دمروها وسلبوا ممتلكات سكانها وبين قائد المجاهدين؛ إنهما حضارتان مختلفتان حقا!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *