في جلسة 24 دجنبر 1908 ألمح مقرر المجلس إلى ما يتوقع من المحادثات الرباعية الجارية بين الأربعة (ألمانيا وفرنسا وروسيا وإنجلترا)، حول مسألة سكة حديد بغداد حيث قال: بأن ذلك الاتفاق قدّم وقتها كأنّه عملية مقاصة نقدية -فيما يتعلق بحركتنا في المغرب- في صحف مختلف الدول، وفي ألمانيا طبعا نجد القول: “بأننا أعطينا فرنسا بعض الشيء في المغرب، فلا بد أن يعطانا بالمقابل شيئا، وبما أننا ندعم سكة حديد بغداد فهي الشيء المقابل المماثل الذي يجعلنا نترك لكم العمل بالمغرب”.
إنها أسوء طريقة لوضع المسألة، وأرى أن التفكير الفرنسي لا يمكن له الالتزام في هذه الأجواء، لأن هذا الأسلوب يجعلنا نقول: “بأنكم ستذهبون أنتم الفرنسيين لشراء حقوقكم بالمغرب، نحن لا نريد عوضا كيف ما كان، العلاقات الفرنسية المغربية لا متناهية في الطبيعة والتاريخ، معروفة في مؤتمر الجزيرة، ولن نريد بيع ما لنا من حقوق”.
المناقشات تواصلت حول المغرب بحدة.
السيد “كودين دوفيلان gaudin de villaine” حمل انتقادا ووشى في دوره بأوهام المغاربة ومصيدة الدار البيضاء.
جاء ذلك تعقيبا على الزوبعة التي أشعلها تصريح “كليمانسو” -رئيس الوزراء- حول تعليمات ووسائل الجنرال “درود”.
كودين: ما يجب فعله هو استثارة العسكريين الأكفاء، وقد نصحت بتعزيز وحدات قوات الجنرال “درود” بدون تأخير، لأنها غير كافية وباستمرار غير منقوص.
الرئيس: تجهيزاته غير دقيقة جميع الرجال الذين اختفوا، إما بالنيران أو الأمراض، عوضوا واحدا بواحد، وأعطينا دائما للجنرال “درود” كافة الوسائل التي طلبها، هذه هي الحقيقة.
السيد لا مازيل بدوره تصدى لانتقاد السياسة المغربية فأجابه السيد “بيشون” وزير الخارجية بالتصريح التالي:
الوزير: لدينا الآن فرصة لوضع جيشنا الإفريقي على محك التجربة وصدق مثل الخطباء السابقين بأننا سنسير بالطريقة التي سيقاد بها.
سيضمن الأمن بالمغرب والالتزام بتكاليفنا التي قبلناها أو اطلعنا بها، لقد حالوا دون اضطراب الأمن بحدودنا -يقصد الحدود الجزائرية المغربية- وردّوا هجمات النواحي التي تظهر في التخوم، والتفجيرات التي تستهدفنا.
نحن اليوم نهيء إصدار تعليمات إلى جميع الموانئ المتواجدين فيها بالعمل على تنظيم البوليس ماعدا اثنين بيد إسبانيا التي ستعمل نفس الأمر بموافقة المخزن والدول الكبرى، نحن قلقون من شيء آخر وهو مسألة خطيرة تتمثل في تهريب السلاح، ومن أداء تعويضات خسائر الدارالبيضاء. المخزن يعرف مسؤلياته وسبق له أن قيل مبدأ التعويض الذي أقرته لجنة التعويضات الدولية المكلفة بذلك.
لامارزيل: لا تتحدث دائما عن المخزن.
وزير الخارجية: عن أية سلطة تريد أن أتحدث؟
لامارزيل: لا يمكن أن تستند إلى سلطة لا تريد أن ترد على هؤلاء الجنود الذين لم يقتلوا قادتهم.
الوزير: أنا ملزم بالتباحث مع السلطة الشرعية فقط الموجودة على رأس الدولة الشريفة.
لامارزيل: أنا لست ديبلوماسيا، أنا أقول الأشياء الواقعة على الأرض.
الوزير: (أقول بأن المخزن -السلطان- أعطى تعليماته إلى موظفيه بأن يسهروا على الانسجام مع الفرنسيين في ما يؤدي إلى التبادل التجاري وحسن الجوار بين البلدين، وأعطى نفس التعليمات إلى تافيلالت، وقام بعزل القائد المتمرد (مولاي رشيد)، وينتظر منا نشر بوليس مغاربة في منطقة وجدة بوليس مؤطرون من قبل عناصر جزائرية، ويتلقون تعليمات من السلطات المتواجدة في عين المكان (الفرنسيين)، أنا لا أقول بأن المستقبل خال من الغيوم التي تغطي المغرب، وأننا مقبلون على نهاية المسألة لأننا نخشى القول بعدم معرفتنا متى ستنتهي!
يلزم إيجاد طريقة ونحن اخترنا واحدة ترتكز على عدم التورط في تجاوز الضروري على أساس أداء دورنا بالكامل يعني أن نتدخل إذا هددت مصالحنا أو اخترقت حدودنا.
(..) بصفة عامة علاقات وزيرنا بالمغرب “رونو” مع السلطان وموظفيه السامين بالرباط يواصلون الإعداد حقا للتنفيذ الكامل لشروط عقد الجزيرة خصوصا ما يتعلق بالأجانب مثل استعمال حق الملكية ومسطرة نزعها، قوانين البناء الحضري، فيلق الجمارك، مخطط لجنة الصحة، الأمن العام بالإيالة، تهدئة الفتن الداخلية، هذه المواجهات أدت إلى اقتناع السلطان بإخلاصنا ونزاهة قصدنا، إنه مقتنع بنفع نصائحنا وضرورة تعاونه معنا) اهـ ص:34-1908م.
وكانت نتيجة ذلك رفع عدد الجنود العاملين في الشاوية، والزيادة في المعدات العسكرية، وإبدال القيادة بتعيين الجنرال “دماد” الذي سيقوم بمذابح رددتها الصحافة العالمية والمحلية وتمت مناقشتها في البرلمان في جلسات مختلفة.
كما لم تمض على هذه الجلسة أياما حتى فوجئ الفرنسيون بإعلان بيعة فاس لمولاي عبد الحفيظ يوم 10 يناير 1908م، وخلع مولاي عبد العزيز حسب الأعراف المتبعة وكتابة ذلك وفق ما جرى به العمل من طرف العلماء والعدول مشهودا عليهم من طرف قاضي فاس.