خطة “منجان” لتنظيم الجيش المغربي إدريس كرم

بعث “دوبيليي” المكلف بالمصالح الفرنسية بطنجة إلى وزير الخارجية الفرنسية بالرسالة التالية، رقم:17 (ص:18):
طنجة في 15 نونبر1910 أبعث إليكم بتقرير “منجان” المرفوع إلى الوزير المدني لكلاوي في مارس 1909 حول المسطرة المقترحة لإعادة تنظيم الجيش الشريف، بعد موافقة السلطان عليها.
من الكومندان “منجان” إلى “دوبيليي”، باريس 9 نونبر 1910:
“أخبركم بنزع سلاح محلة لحياينة، هذه العملية انتهت بسلام، وقد اتفق السلطان مع الوزير المدني لكلاوي على وضع كل القوات الموجودة بفاس تحت قيادة إعادة التنظيم، وفق ما سبق أن اقترحته، في مارس 1909.
لقد تم إعلان المحددات الأساسية لقواعد التنظيم العسكري الجديد، وإبلاغها للوحدات، وأول من توصل بذلك طوابير القياد بن اسعيد، الناجم، سعيد الدمناتي، والحمياني، ولم يسجل لديهم أي رد فعل، الطابور المسمى طابور الوزير علم أن قائد الرحى فيه مريض، ولم يرض أحد من الطابور الموافقة على قبول الخدمة في إطار النظام الجديد، ونفس الأمر وقع في طوابير سعيد المسفيوي، الرميقي (الخلوط)، الوسيني بوحمراني، وصلاح الزمراني.
وفي قياد الرحى من شهد بأنه يريد البقاء في العسكر، وسجل بأن تلك الوحدة تستثني الرميقي، وتأتي من الحوز المعقل السياسي للوزير المدني.
وجدنا على وجه الاحتمال حضورنا يتزايد فجأة، وقد أعطانا مرشدونا دلائل بأن الوزير يتماشى في تناغم مع السلطان نحو تجديد الجيش، وأن قياد الرحى في اعتقادي سبب معارضتهم للنظام هو غيرتهم منا، بعد انتزاع سلطاتهم على قواتهم.
أخبرت بمذكرة الوزير المدني والسلطان بما جرى، فطلبا مني مواصلة تسجيل الراغبين في التجنيد.
طلب كلُّ مَن في طابور إبراهيم بوعودة البقاء في الخدمة الجديدة.
من جهة أخرى، الوزير المدني بمجرد ما وصلته مذكرتي، بعث لي بأحد ثقته، يطلب مني توبيخ الطابور المنشق، وإلزام رجال الحوز باتباع المخزن، قبلت رغبته وتابعت تسجيل المتطوعين دون مشاكل.
تجب الإشارة لما يلي:
أولا: هناك بضعة أعداد من الجنود والحراس الذين رفضوا الخدمة في إطار النظام الجديد، فامتنعوا من إعادة أسلحتهم وثاروا ضد المخزن.
ثانيا: آخرون رفضوا الانضمام مدّعين أن هذا النظام يوجد تحت إشراف وسلطة المدربين الأوربيين، مصرحين بأن أولئك المدربين سيتعرضون للقتل إذا ما التحقوا بالمحلة.
بعثت بهذه المعلومات للسلطان:
عدد الجنود المتواجدين بفاس يبلغ 5547 رجلا، منهم 3997 قبلوا الخدمة في الوضع الجديد، دخل منهم بالتتابع عند الطبيب 2841، أما الباقي فتوصلوا بأمر مغادرة المدينة، وإن لم يفعلوا سيتعرضون للسجن.
بعد الغد الذي تم فيه رفض خمس طوابير من الالتحاق بالخدمة في الوضع الجديد، أمر السلطان الوزير المدني والطيب المقري باستدعاء بعض قواد الرحى وخاطبهم:
“لستم سعداء بالإصلاح، أنا قدمت عسكري للانخراط فيه، أتريدون البقاء في وضعية سيئة باستثناء بوعودة؟ أنتم تعملون على معارضة المخزن، عسكري سينتظم، وسألتزم باتباع النظام وتطبيقه خطوة خطوة، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة في العالم المتحضر لتنظيم العسكر بقيادة الفرنسيين، أنا متأكد بأن هذا التنظيم لا يوجد به ما يتعارض مع القرآن، وقد اختارته تركيا مثلا، وهي بلد مسلم، وهذا أكبر دليل على صلاحه، أنا أترك لكم الفرصة لمغادرة عسكري إذا أردتم، لأن أفراده سيقومون بالتداريب رغم أنفهم.
ستذهبون إلى لحياينة، لماذا؟ من أجل الحصول على المرتبات والتمويل والعيش بسلام. أنا أنتظر نتيجة عملكم ولن تكون هناك نتيجة.
كنت أريد إرسالكم ضد زمور وعندكم 14 ألف رجل، وبما أنكم ترفضون القتال تحت النظام فإني لن أبعث جنودا”.
بعد ذلك طلب قياد الرحى الأمان.
مولاي حفيظ والوزير ارتأيا أن يتوقف التكوين على خمس طوابير للمشاة، وثلاثة للخيالة، وواحد للهندسة، وواحد للتداريب تحت إشرافنا، المجموع كان كالتالي: 139 ضابطا، 3911 جنديا، 670 حصانا، 220 بغلا، إضافة إلى 650 من عبيد السلطان، قدرت كلفة هذه القوات بـ7340 دورو حسني، أخبرني السلطان بأنها ستكون جاهزة شهرياً.

كيف تم تجريد محلة لحياينة من السلاح
في هذا الباب يقول “فريديريك وايس جريبر” في كتابه “على عتبة المغرب الحديث” ترجمة عبد الرحيم جزل: “قرر مولاي حفيظ أن يشرع في إعادة تنظيم عسكره وفقا للنظام الذي كان “منجان” عرضه عليه بُعَيْد مجيئه إلى فاس، ولزم أن تجرد المحلة من سلاحها قبل الشروع في هذا الإصلاح، فلذلك دعاها السلطان إلى فاس وأطلق أيدي البعثة العسكرية الفرنسية في تسريحها، فقد عادت القوات في أكتوبر 1910، وتم في 23 منه تجميع أفرادها في ساحة المشور المسورة الفسيحة كما لو بغرض الاستعراض.
لكن بدلا من أن يجدوا أمامهم السلطان وأعيان المخزن تلقاهم المدربون الفرنسيون، وشرعوا من فورهم في عدّ الرجال والعتاد، فما وجدوا باقيا من مجموع 10000 رجل الذين كانوا يشكلون تلك القوات في البداية، ومن التعزيزات التي أرسلت إليها، والبالغ تعدادها 4000 رجل، غير 5000 من الرجال، وأما الباقون فقد لاذوا بالفرار، ولما بوشر إحصاء العتاد ألفوه ينقص بـ400 حصان، و120 بغلا، فضلا عن 480 سرجا، و1500 بندقية، و3000 لباس عسكري.
وقد مكنت الاحتياطات التي اتخذها قائد البعثة من استرداد العتاد، من دون أن يثير شكوك الجنود وريبة قيادهم، وما انتبهت المحلة إلا بعد أن أخذت منها بنادقها، أنها جردت من أسلحتها، فسَرت حينئذ في الصفوف همهمة تمرد، وارتفعت صيحات، لكن لم تلبث بوادر التمرد أن هدأت لدى رؤية الغاضبين فرق التدريب والحرس الأسود قد احتلوا جميع المنافذ في المشور، ووجدوا ذلك الموقف الحازم من تلك الكمشة من الفرنسيين الذين أنجزوا مهمتهم على أحسن وجه.
حتى إذا هدأ الهياج، أمر القائد “منجان” بقراءة مرسوم شريف في إعادة تنظيم الجيش والنظام العسكري، وتبيين الشروط الجديدة للتجنيد، والالتحاق والعقوبات التي تقع على المخلين بالنظام، والمكافآت المرصودة للجنود من ذوي الجدارة، ومن جملة 5500 من الجنود الذين حضروا إلى فاس؛ قَبِِل قرابة 4000 بالعمل وفق الشروط الجديدة، فبوشرت على الفور عملية التجنيد، ثم العرض على الفحص الطبي، فتبين أن ثلاثة أرباع هم الذين يصلحون للخدمة، فتم إلحاقهم بالجيش، وأعطي الأمر للباقي بمغادرة فاس، وقرر السلطان، بإشارة “منجان”، الاقتصار مؤقتا على تكوين خمسة طوابير من سلاح المشاة، وثلاثة من الخيالة، واثنين من سلاح المدفعية، وواحد من الهندسة العسكرية، ومجموعة مدربين، بما مجموعه 4000 رجل، و670 حصانا، و220 بغلا، و700 من الحرس الأسود، وكانت مكاتب وزارة الحربية الفرنسية معادية للنظام، لذلك لم تستجب لطلب “منجان” برفع عدد المدربين، رغم إلحاحه لكن دون جدوى” (ص:183).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *