عندما تصبح نفقات الغزو دينا!!

يتساءل وزير الخارجية الفرنسية أمام نواب الجمعية الوطنية الفرنسية، عن الوضعية الحقيقية للمغرب، فيجيب:
مولاي حفيظ عرف لدى القوى العظمى في الظروف التي أسلفت، وقد وُجِدْنا حاضرين مع مسئول شريف نتذاكر مع سلطان في ملك مكتمل السلطات، وقد طلب من وزيرنا بأن يكون قريبا منه للتباحث بطريقة أخوية، وسهلة في المسائل التي تهمنا.
لقد التحق وزيرنا بطنجة من أجل ذلك وسيتوجه فور اليوم أو غد إلى فاس.
السيد “جوريس” طلب مني منذ قليل؛ ماذا سيفعل هناك؟
وأنا أقول له: نحن لا نريد الآن عمل ما يضعف قوة أو سلطة السلطان الجديد، بل بالعكس من مصلحتنا ومصلحة المغرب والعالم أن تكون تلك السلطة قوية وراسخة، أوربا بأجمعها وفرنسا على رأسها من مصلحتها تجنب أسباب التوتر فوق الأراضي الشريفة وانعدام الأمن، وبالمناسبة أطلب منكم عدم إلقاء الشبه والعراقيل مسبقا أمام بعثة وزيرنا، لا تقولوا بأنه مكلف بإعلان أشياء هو بالتأكيد لن يحصل عليها.
ويضيف الوزير: ماذا سيفعل السيد “رونو” بفاس؟
بالضبط أقول لكم بعد التكليف الذي يحمله والذي يتضمن التعليمات التي يجب اتباعها، فلقد كلفته بالذهاب للتباحث مع السلطان الجديد تبعا لطلبات السلطان نفسه (المسائل التي تهم كلا من المغرب وفرنسا حتى يتم الاتفاق بين البلدين)، لا يمكن للبعثة فصل أي شيء يكون مؤداه مناقضا لنصوص ومفهوم الاتفاقيات الدولية الحاملة لتوقيعنا أو التفاهمات الخاصة المبرمة مع المخزن.. ومنها احترام استقلال الإمبراطورية الشريفة ومؤسسات الاحتلال الفرنسية فيها، وعدم الالتزام بما يمنع حرية التجارة والمبادلات الاقتصادية مع القوى العظمى، لكن لنا الحق في صيانة امتيازاتنا الخاصة، وحفظها من كل الأضرار، سواء كانت جغرافية أو سياسية مقررة في الإيالة الشريفة. وسيبقى عقد الجزيرة مرجعا عاما وضمانا لسياستنا.
علاقتنا مع المخزن يجب أن تتواصل مستوحية من ذلك العقد؛ معترفين ومراعين لوضعية امتياز السلطة الخاصة.
على السيد “رونو” أن يعمل على تثبيتها وذلك طبقا للحقوق الناتجة عنها والتي امتلكناها بالقوة أو بالتفاوض المباشر بيننا وبين المخزن.
يجب أن يجهد نفسه في تحديد وتعيين وضع التطبيقات العامة والسريعة للمعايير المحدِّدة لمبدأ عقد الجزيرة، لأن اتفاقنا الخاص المتعلق بالحدود يتوقف تنفيذه على التفاهم بين المسئولين الكبيرين المعينين لذلك الغرض من طرف الحكومتين الفرنسية والمغربية.
السيد “رونو” عليه العمل بوضوح لإثبات السلطات المخولة لنا من طرف عبد العزيز والتي جددت لنا من طرف مولاي عبد الحفيظ، وإصدار التعليمات المناسبة للمسئولين المغاربة قصد التنفيذ.
“جوريس”: من هما المسئولان الساميان؟
الوزير: المسئول الفرنسي هو الجنرال ليوطي، والمسئول المغربي هو ممثل السلطان.
“جوريس”: إذن الجنرال ليوطي هو الذي سيتمم مع السلطان إجراءات اتفاقنا الخاص لتحديد الحدود الجزائرية المغربية.
الوزير: قلت إن السيد “رونو” عليه العمل ليجعل السلطان يعين مسئولا ساميا مغربيا لإجراءات العمليات اللازمة حسب نظره لتناقش مع المسئول الفرنسي من أجل أن توضع موضع التنفيذ.
“جوريس”: الجنرال ليوطي سيقوم وحده.
رئيس المجلس: الجنرال ليوطي لا يمكن له إلا أن يتفق مع ممثل السلطان.
وزير الخارجية: سأشرح الآن حالا اتفاقنا، لأني أرى خطأ قائما حول نتائجه وحقيقة معناه. السيد “رونو” أخيرا اهتم بمسألتين هامتين، تحقق الاتفاق بيننا وبين المخزن، وهما: تسوية التعويضات (تدمير الدار البيضاء)، واسترجاع نفقات العمليات العسكرية المتعلقة باحتلال الشاوية. نحن دائما نصرح كلما تطرقنا لشرح سياستنا بالمغرب بأننا ننتظر استرجاع تكاليف احتلالنا العسكري للشاوية، مع إبدائنا تساهلا ممكنا في ذلك، ليس لنا نية في إثقال ذمة المغرب، بما لا يقدر عليه لإرباكه وعرقلة العلاقة مع السلطان الجديد.
لقد اتضح لوزيرنا بعد المباحثات التي أجراها بأننا تناولنا المشروع الذي يعتبر الأكثر عمليا، والذي أرى أن مولاي حفيظ سيمكننا من تطويره وينظر بعين الرضا للتباحث حول مسائله.
لهذه الرؤية الجلية نتمسك بوعدنا الذي أعطيناه دائما مثل الآخرين والمرسوم من طرفنا، والذي التزمنا ببرنامجه، فإذا قام مولاي حفيظ بتنفيذ هذه النفقات كما أنا متأكد، سننظر معه في تحمل مسؤولية الأمن والسكينة في الشاوية والمعابر الحدودية، ثم تأمين جلائه من الآن، بناء على ضوابط محددة وفق المعايير التالية:
– نريد أن لا نتعرض عند مغادرتنا للأماكن المحتلة للخطر من طرف القبائل المقاومة لوجودنا أو مهاجمات جديدة للمراكز التي نغادرها، فعلينا إذن الحصول على الضمانات اللازمة من أجل إقدامنا على اتخاذ ما يدعم ذلك.
– سنبدأ في إخلاء المراكز التي نحتلها حول الشاوية.
– سنسحب جنودنا إلى برشيد، وسنحيط تلك المراكز بالحراسة اللازمة من طرف الـﮕوم المغاربة، الذي سبق لنا إنشاء تنظيماتهم وتكوينها.
– سنُرَحِّل من برشيد جزء ماثلا لما يحتمل أن يأتي من محيط الشاوية عاملين على مواصلة الجلاء في أحسن الظروف وبالسرعة المطلوبة، خطوة خطوة.
– لقد أعطيت التعليمات للجنرال “دماد” ليتخذ منذ الآن كافة الإجراءات اللازمة لضمان التنفيذ حالما تسمح الظروف بذلك، وعلى كل لقد سحبنا مسبقا منذ ستة أشهر خلت نصف أسطولنا ونصف جنود احتلالنا.
تعرفون حضرة السادة الأفكار التي سبق أن عرضتُها عليكم في 19 يونيو (1908م) حول التعليمات المستقبلية حول هذه النقطة ونقط أخرى، سنبقى أوفياء لتدبيرنا المباشر لحركتنا العسكرية، لكن الوضعية ستتحول لتصبح ملائمة أكثر، بحيث نصبح أقل تحفظا فيما يتعلق بميعاد احتلالنا وجدة.
في هذه الأثناء أعلنا انطلاق تكوين الـﮕوم المغاربة تحت قيادة الفرنسيين بحيث عندما يتم إخلاء مواقنا سيحل هؤلاء الـﮕوم محلنا باسم السلطة المخزنية في أنحاء الشاوية لبسط الأمن وفرض النظام وتطبيق القانون تحت قيادة ضباطنا..” (انظر مجلة إفريقيا الفرنسية 1909 ص44 وما بعدها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *