من مواقف الفقيه العلامة أبو فارس عبد العزيز بن محمد القروي الفاسي المالكي في مقاومة البدع فتواه التي نقلنا جزء منها في العدد الماضي، ومما جاء فيها:
ولست أعني بالعلماء المشتغلين في زمننا هذا بعلوم الجدال والممارات، ولا المعتنين بدرس مسائل الأقضية والشهادات، فيتقربون بذلك إلى جمع الحطام، والتقرب من الولات والحكام، ونيل الرئاسة عند العوام، وإنما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم، وقال فيهم صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين”.
وقال فيهم: “علماء كادوا يكونون من ربهم أنبياء” أخرجه أبو نعيم بلفظ: “أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم” من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف.
فأولئك ورثة النبيين وأئمة المتقين الذين يجب أن يقتدى بهم ويتأدب بآدابهم، وتقتفي آثارهم وتحفظ أخبارهم، ولكنهم ضمتهم لحودهم، وقل على بسيط الأرض وجودهم، فما يورد من آثارهم أثر، فمنهم الكبريت الأحمر، وإن كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصر، لكنه يعرف الحق فلا يغلط في نفسه ولا يغتر.
فهذه النصيحة لمن وقف عليها من الإخوان الصادقين المريدين، والعامة المسلمين المصححين، ليميزوا بها بين المحقين والمبطلين من المنتمين إلى الدين، ولا يغتروا بالملبس من أجل حسن الظن ومحبتهم للصالحين، ويدخل عليه الخلل في عقائدهم، ويميلون بها إلى عوائدهم.
وأما ما ذكرتموه من أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغناء والنوح فممنوع غير جائز، قال الله تعالى: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث” لقمان:6.
قال ابن مسعود: “هو الغناء والذي لا إله إلا هو” يرددها ثلاث مرات، وهو قول مجاهد وعطاء.
من كانت له جارية مغنية فمات لم يصل عليه، لقول الله عز وجل: “ومن الناس من يشتري لهو الحديث” الآية.
قال مالك في “المدونة”: “وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك”.
قال عياض: “معناه نوح المتصوفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء”.
فمن اعتقد في ذلك أنه قربة لله تعالى فهو ضال مضل، ولا يعلم المسكين أن الجنة حفت بالمكاره، وأن النار حفت بالشهوات، والله تعالى لم يبعث أحدا من الأنبياء باللهو والراحة والغناء، وإنما بعثوا بالبر والتقوى وما يخالف الهوى، قال تعالى: “وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى” النازعات 40-41.
فالباطل خفيف على النفوس، ولذلك خف في الميزان، والحق ثقيل، ولذلك ثقل في الميزان قال تعالى: “إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا” المزمل 5.
وقال عبد الوهاب: “ومن البدع الكبرى ما نشاهده ممن يدعي لنفسه العبادة والتقدم”، انظر تمامه، ولعله في “شرح الرسالة لعبد الوهاب.
وأما ما ذكرتموه من قراءة القرآن والاستماع إليه فإنه جائز، وفيه قربة وطاعة لله عز وجل، قال تعالى: “وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له” الأعراف 204.
وإن كان بعض أوَّل ذلك في الصلاة، وهذا إذا كان على الوجه المأذون فيه لا يقصد به رياء ولا سمعة.
قال أبو محمد في رسالته: “ويبجل كتاب الله العزيز أن يتلى بسكينة ووقار”.
والنساء فيما ذكرنا كالرجال، فالمنع في حقهن أشد.