حال المغرب في لسان المغرب

عدد: 19 – 14/06/1907
تأمل هذا الخبر
إن جميع الواردات التي تدخل البلاد المغربية تبلغ في العام 70 إلى 80 مليون فرنك، منها 45 مليون فرنك تذهب لسكان الثغور البحرية وضواحيها، و35 مليون لسكان البلاد الداخلية.
وقد قدروا أن منها 7 ملايين فرنك للأوربيين الذين يناهز عددهم في المغرب 32 ألف نفر، و8 ملايين للإسرائيليين الذين يربون على المائة والخمسين ألف نفس، والباقي 30 مليون فرنك يعود إلى الوطنيين القاطنين في بلدان السواحل وضواحيها، ويبلغ عددهم على ما يظن مليونا ونصف مليون من النفوس، أما سكان المغرب بأسره فلا يقل عددهم عن 12 مليون، ومجموع الصادرات في المغرب تقارب مليون فرنكا.
هل يستطيع المغرب أن يحكم نفسه؟
ذلك ما كتبته إحدى صحف الثغر المطبوعة باللغة الإنجليزية في افتتاحيتها، سلكت فيها مسلك الاعتدال وأعربت عن خواطر الأجانب الأصدقاء إعرابا وديا حريا بالاعتبار، ومما قالته:
هاك اليوم مسألة خطيرة تهم كل مغربي ذا فكر ووطنية وليس من واقف على تاريخ المغرب أو عالم بخاصيات هذا الاختلاط العجيب، اختلاط البربر والعرب والسود الذي يمثل البلاد المغربية، يجهل هذا الموقف وهو أننا وصلنا إلى أحرج آن وأهمه في التاريخ المغربي، ومن الظاهر أنه مع صرف النظر عن الجهة التي يميل بنا الميل إليها، لا تمر بضعة أشهر أو ربما ما بضعة أسابيع إلا ويجزم جزما الجواب عن هذا السؤال: “هل يستطيع المغرب أن يحكم نفسه بنفسه؟”.
وقد أجاب صاحب اللسان عن ذلك في افتتاحية العدد تحت عنوان “موقفنا الحاضر”، بين فيه قصور الكاتب وتنكبه الصواب، حيث قال: “يبان أن الكاتب في تردد بين استطاعة المغرب حكم نفسه بنفسه وعدم استطاعته بسبب تنوع الأجناس التي ذكرها، لأن اختلاف الأجناس ينشئ الاختلاف والشقاق، ولأن هذه الأجناس ليست في حالة مرضية من التمدن والعلم، يتعذر عليه معها أن يحكم نفسه بنفسه حسب النظام العصري، نحن لا نخالف من يرتئي بأن تعدد الأجناس في الدولة الواحدة يسهل أسباب الشقاق ويمنع الاتحاد التام الضروري للاستقلال الحكمي إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على المغرب، لأن الارتباط الوطني بين هذه العناصر ومرور الأحقاب الطويلة ووحدة الدولة والسلطان منذ القديم قد صيَّر هذه الأجناس عنصرا واحدا وهو العنصر العربي المغربي.
وإذا ألقينا نظرة إلى هذا الأمر في الدول المستقلة عن سواها نكاد لا نجد دولة مؤلفة عن عنصر واحد فدونك مثلا الولايات المتحدة، فترى أكثر أجناس البشر لها أسهم في جنسيتها ومع ذلك فالأمريكي قبل كل شيء وبعده أمريكي، سواء كان مجري في عروقه دم سكسوني أو لاتيني أو صقلبي أو غيره، ولا أحد يظن أن تباين الأجناس في أمريكا من بواعث العجز على حكم الذات بالذات، وكذلك الأمر لإنكلترا فالمغربي سواء كان أبيض أو أسمر أو أسود ليس له دولة إلا دولة المغرب، ولا سلطان إلا سلطان المغرب، ولا مصلحة إلا المصلحة المغرب.
نحن نقر أن التمدن والعلم هما أقوى عوامل التسهيل لحكم الشعب نفسه، ولكن من المقرر أيضا أنه مهما كان نصيب الشعب من هاتين القوتين: العلم والتمدن فهو أقدر على حكم نفسه من غيره لأنه محل من يشعر بالألم يعالج، ومكان ما يرى خللا في بيته يصلحه على قدر طاقته.
ثم ذكرت تلك الجريدة مسألة مراكش الأخيرة -مقتل موشان- وربما أعطيتها من الأهمية أكثر من حقها، ولا من الرحامنة -الذين احتجوا على عزل باشا مراكش ونقله للمحاكمة في طنجة من قبل فرنسا- على ما بدا منهم ملاما استحقوا مثله، ووجهت كلامها كصديق إلى كل وطني مشعرة بأن أوربة لا تصبر دوما على هكذا إجراءات.. مناصحة زعماء القبائل بالاتحاد حول المخزن..

ملاحظة المقدم
هذا المقال وإن كان من باب النصيحة كما أشار صاحب التوقيع إلا أنه يبرز ما ستقوم به الحماية بعد فرضها على المغرب سنة 1912، وكيف ستجعل من قضية التنوع السكاني بالمغرب قميص عثمان لاستصدار القوانين المفرقة بين المواطنين والاستيلاء على الأراضي والخيرات وأطلاق اليد في شؤون البلاد، لإمداد فرنسا إبان الحرب الأولى بالرجال والغذاء مما سكتت عنه الدراسات في نية مبيتة لا يجمل السكوت عنها بعد مرور قرن من الزمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *