مأتم الطبيب “موشان” وشبهة قيامه بالتنصير 05/04/1907

نهار الثلاثاء في الساعة 4 بعد الظهر احتفل بمأتم الدكتور “موشان” الذي ذكرنا تفاصيل مقتله في مراكش في العدد الماضي، وكانت الطراد “لالاند” قد ذهبت إلى الجديدة للإتيان بجثته إلى طنجة فرجعت ليلة الاثنين.
وقد أعدت رحبة مدخل الجمرك (الديوانة) للالتئام الحفلة…
ففي الساعة الثالثة ونصف انفصلت باخرة صغيرة عن الطرادة “لالاند” تقطر قاربا عليه نعش الدكتور “موشان” فلما بلغ الرصيف سارت به عجلة صغيرة إلى الرحبة الغاصة فيها الناس.
وعند ذلك قام حضرة وزير فرنسا مسيو “رينو” وابن الفقيد تأبينا مؤثرا، ومما قال:
على مَ هذا الرجل ذو العقل الثاقب الخالي من كل غرض، الباذل النفس في سبيل المرضى ذبح هكذا من جمع غضوب؟ فما الذي يا ترى حمل سكان مراكش وسكان فاس من قبلها في حادثة قريبة العهد كادت أن تكون مفجعة أن تغتال وهي في حالة من الهيجان التعصبي مستسلمة لشيء من شعائر الفطرة الأولى، حياة ذاك الذي لم يكن له ذنب إلا عمله ومقدرته على تخفيف الآلام البشرية؟ فتهافتت طعنا في ذلك الرجل الملقى على التراب.
إننا نعلم أيها السادة أن ارتقاء الشعوب لا يتم بدون اهتزازات ولا بدون ضحايا وأن أفضل البشر وأنفعهم هم الذين يصطفون موقعا لتلكم اللطمات الهمجية ويشق على النفوس بلا شك فقدان عاقل كريم مثل “موشان”.
إن حكومة الجمهورية تود أن تخلد ذكر هذا الفرنسوي الشجاع.. بأن يقام مستشفى باسم “موشان” في مراكش تذكارا للجريمة وتنفيذا لإرادتنا الثابتة القوية أن ندخل التمدن بين تلك الأقوام (..)
ثم نقل النعش إلى باخرة صغيرة ومنها إلى الباخرة “موليا” التي سافرت به إلى فرنسا….
*****
قدّم حضرة وزير فرنسا القومندان منجين (كبير الضباط الفرنسويين في تعليم الضابطة المراكشية) إلى حضرة النائب الجليل وإلى حضرة وزير الحرب الفخيم.
******
عينت حكومة فرنسا مسيو “غستو ديتاليور” معتمدا لها في وجدة للنظر في الاتفاقات الفرنسوية المراكشية سنة 1901-1902 وهو يصل إلى وجدة بعد كم يوم لهذه المأمورية.
ملاحظة من المقدم:
يلاحظ القارئ في خطاب وزير الخارجية أن فرنسا عازمة على التدخل في البلاد بدعاوى مختلفة، منها:
1- حماية أولادها “إن الواجب الحتمي يقضي على فرنسا أن تحامي أولادها لا سيما أولئك الذين تولجهم رسميا وظائف الأعمال الخطرة”.
2- تمدين من سماهم “الهمج” والأقوام، المتعصبون..
3- الإقرار بأن القتيل كان في مهمة رسمية.
وهي ما يوضحها كاتب أمريكي هو: “روم لاندو” في كتابه “أزمة المغرب الأقصى” حيث يقول:
“في مستهل القرن العشرين كانت هناك إرساليات مسيحية في معظم المدن الكبرى بمراكش مثل فاس ومراكش وموجادور (الصويرة) وآسفي وكانت إرسالية مراكش تتألف من البروتستانت الاسكتلنديين وتشرف عليها المشيخة الكنسية في جلاسكو..
أما الإرساليات البريطانية فكان يشرف عليها عادة نساء ركزن جهودهن على أعمال البر وتقديم المساعدات الطبية لأبناء البلاد والعكوف على ترتيل الأناشيد الدينية بجانب أسرَّة المرضى المراكشيين” ص27.
أما الكاتبة الإنجليزية “فرانسيس مكنب” تقول في رحلتها التي قامت بها للمغرب سنة 1901. وقد سمعت الكاتبة من المبشرين أنهم لا يستغلون فن الطب في سبيل تحقيق مآربهم ولكنها مع ذلك تقرأ وهي تقلب صفحات بعض منشوراتهم بأن البعثة الطبية أجدى البعثات في ميدان التبشير ص49. انظر: “جولات في مغرب أمس”، لمؤلفه: عبد المجيد بن جلون.

28 صفر 1325الموافق 12/04/1907:
فاس 21 صفر الخير:
إن الأمور المغمة التي وقعت في مراكش وما عقبها من احتلال وجدة كان له وقع سيء جدا في دار المخزن ولدى أهالي العاصمة، وقد اجتمع الوزراء مرارا للنظر فيما يقتضي إجراءه في الظروف الحاضرة، وبلغني أن سيادة وزير البحر آخذ بتهيئة الجواب على مطاليب فرنسا.
وقد تلي في جامع القرويين المنشور السلطاني ويظهر منه أن جلالته متأثر من حادث مراكش، ومما حدث قبله لأحد الفرنسويين هنا.
إن فحوى كتاب الإمام المعظم هو تحذير الأهالي من إظهار عدوان أو إحداث قلاقل لأن ضرر ذلك يعود على البلاد.
الدار البيضاء:
تخاصم رجل من قبائل الشاوية مع رجل إسرائيلي في المدينة فلطم هذا وجه الآخر، فشكاه للحاكم، ويظهر أن العامل لم ينصفه منه، فعاد إلى قومه وأخبرهم بما وقع، فشق هذا الأمر على جماعات القبائل وأرسلوا وفدا إلى العامل يطلبون معاقبة المذنب، فأخذ العامل الإسرائيلي ووضعه في السجن، فكأن ذلك لم يرضيهم، فرجعوا إلى العامل وطلبوا إما دفع ستة آلاف ريال لينقذ يده، والأمر أن المسألة تتصرف على هذا المنوال..
وقد التأم قناصل الدول هناك للنظر فيما يلزم أخذه من التدابير لحماية رعاياهم القاطنين خارج المدينة.
اجتمع وكلاء الدول الفخام وتذاكروا في -طنجة- في مضمون التقرير الذي قدمته إليهم قناصلهم في الدار البيضاء، فقرروا بالاجماع على بعث رسالة إلى سيادة وزير البحر يطلبون بها إليه إقالة عامل الدار البيضاء لعدم قيامه بمهام وظيفته.
وصل جواب وزير الحرب بن سليمان إلى طنجة وأن حضرته يقول: إن عامل مراكش ينقل إلى محل آخر وأن ولده يحضر إلى طنجة ليقدم اعتذارا.
ويظهر أن سيادته متعجب من احتلال وجدة، الأمر الذي لم ير من داع إليه.
جاء في خطاب “مسيو بيشون” وزير خارجية فرنسا بمناسبة دفن “موشان” في شالوي -فرنسا- أن احتلال وجدة يستمر أبدا مهما جرى حتى تنال كل التعويضات التي نطلبها..
ملاحظة من المقدم:
من خلال ما جرى في مراكش والبيضاء ووجدة يتبين أن النية مبيتة لاحتلال البلاد، وما ينتظر إلا الفرص المواتية.
إن سكوت وزير الخارجية عن الحديث عن المهمة التي كان يقوم بها “موشان” مع الجيولوجي الذي عاد معه من فرنسا سنة 1907 والذي كان يتجول معه حول المدينة، يقول هذا المرافق واسمه Le gent : “أحسست منذ اليوم الأول بأن شيئا ما تغير، ففي اليوم الأول الذي وصلنا فيه سمعت الناس يقولون عند مرورنا هاهم الفرنسيون الذين جاءوا ليأخذوا المغرب، وكانت النتيجة المباشرة لذلك أنني لم أتمكن من إيجاد دار للكراء” ص94، “التدخل الأجنبي لعلال الخديمي” ومعلوم أن موشان كان منتدبا من قبل وزارة الخارجية للعمل بمستوصف مراكش وجاء قادما من فلسطين وذلك في 28/10/1905.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *