لسان حال المغرب

ع: 22- 24 جمادى الأولى 1325 الموافق 05/07/1907
اتصل بنا أن العشرة سجناء الذين وصلوا طنجة صباج الجمعة الماضي على ظهر الباخرة الاسبنيولية “كرتا فينة”، وأودعوا القصبة قد لا تكون محاكمتهم في طنجة لأن الحكومة المحلية تنتظر التعليمات من فاس قبل أن تبدي شيئا في الأمر.
وعلى كل حال إن ثقتنا بأرباب الحل والعقد أن يجروا التحري والتدقيق التام في البحث قبل إصدار الأحكام.
القائد السير ماكلين أسير الريسوني:
إن حديث دوائر طنجة اليوم بل حديث دوائر أوربية بأسرها هو أسر الريسوني لحضرة القائد السير مكلين، ولما كان الأمر من الأهمية بمكان نبسطه كما هو دون أن نبدي الآن رأيا في نتائجه.
ملاحظة:
الأسير حراب الجيوش السلطانية، وهو انجليزي الجنسية، وكان لأسره أثر كبير في تطور العلاقات المغربية الداخلية والخارجية، ونظرا لطول العرض الذي جاء في الجريدة سنرجئه للحلقة القادمة بحول الله.
وندرج تعليقا كنا قد حذفناه لطول مادة الحلقة السابقة، ويتعلق ببوعمامة الذي نقلنا سابقا أن فرنسا طلبت من السلطان إطلاق سراحه، وسمحت له بالذهاب إلى سلوان وآمنت والدهن وال سنستعرض حركته ضد السلطات سواء الفرنسية بالجزائر أو المغربية بالمناطق الشرقية، ليتضح لنا كيف قامت فرنسا باحتلال تلك المناطق وضمها إلى الجزائر بعد إخلائها من سكانها على مراحل، وإعادة توطينهم تحت حكمها لاحقا.
أبو عمامة بن العربي البوشيخي البكري: طرقي ينتمي إلى قبيلة أولاد سيدي الشيخ المغربية التي اقتطع الفرانسيون أرضها في النصف الأخير من القرن 19 وضموها إلى الجزائر.
ولد بوعمامة (عام 1256/1840) بواحات فيكيك، في 1292/1875 انتقل إلى السكنى بالعين الصفرا، وبعد ثلاث سنوات أغار على المراكز الفرنسية جنوب وهران، معلنا الجهاد على الفرنسيين. ولما أباد مجاهدوا التوار ك بيير الغرامة عام 1298/1881 بعثة تنصيرية كان يقودها الكولونيل بول فلاتر، نادى بوعمامة بالجهاد الأكبر لطرد النصارى، فقتل المقاومون اليوتنان وينير ينر وقضوا على جنوده الذين جاؤوا للقضاء على ابني بوعمامة الطيب ومرزوق، وهكذا كلف الكولونيل “اينوسانتي” في شهر أبريل 1881 بقمع حركة بوعمامة، فالتقى به في طريق شلالة خسر فيها الفرنسيون 60 قتيلا و22 جريحا، وعلى أثرها دمر المقاومون الخط الحديدي الذي قيد الإنشاء من طرف الفرنسيين بين مرسى ارزيو والسعيدية، ثم انسحبوا جنوبا حيث تبعهم الجنود الفرنسيون الذين أدركوهم يوم 9 يوليو بقرية الخضيرة برئاسة الجنرال “هنري لا بيرين”، والراهب شارل دوفوكو المنصر المعروف”، حيث هزم بوعمامة وارتد إلى جنوب العين الصفراء، فتابعته الجيوش الفرنسية، وفي طريقه كانت تخلي السكان من أماكن تواجدها بقيادة الكولونيل، فرنسوا أوسكار قائد العمليات بالعين الصفراء. وعمدت تلك القوات إلى تغيير أسماء أماكن تواجدها حتى تفلت من احتجاجات المغرب بأنها تحتل أرضيه، وتطرد سكانه بحيث تنكر أنها تهام مكان كذا لأنها فيمكان كذا…، وبذلك قاموا بعملية تطهيرية في الأراضي الشرقية للمغرب أثناء تعقبهم لبوعمامة وأنصاره..
وبقي يناوئ الفرنسيين ويتطلع إلى التعاون مع الخارجين على الحكم المغربي، بعدما استقر في واحة فكيك، وأسس زاوية (1844) قرب عين بنظي مظهر يهاجم أتباعه الفرنسيين والقبائل الخاضعة لهم، مما جعل الجيوش الفرنسية تتابعهم محتلة المواقع التي يتواجدون بها طاردة سكانها مغيرة أسماءها.
إلى أن أعلن سنة 1900م ولاءه لفرنسا كما جاء في مجلة المغرب الكاثوليكي ص 40 ع: 2 فبراير 1938، ودفع لهم ولده يتجند في جيشهم ولعله الطيب الذي أصبح قائدا من قواد بوحمارة بعد ذلك، وحاول المولى عبد العزيز استمالة بوعمامة ، بيد أن بوعمامة لم ينفع معه وعد ولا وعيد، فاستمر في أعماله تارة ضد القبائل المغربية وأخرى ضد الجيوش الفرنسية.
ولما أعلن بوحمارة ثورته انضم بوعمامة إليه بقوة يقودها ابنه الطيب صحبة عبد الملك محيي الدين أحد عملاء فرنسا الذين جندتهم من الجزائر، بيد أنهما قلبا ظهر المجن لبوحمارة والتحقا بمحلة السلطان بوجدة، وأخذ الطيب يحاول جلب والده لصف المخزن، وفعلا أرسل مولاي عبد العزيز له هدايا رسمية عربون الأمان، بيد أن الطيب لم يفلح في مسعاه مع والده ، فألقي القبض عليه، وأرسل سجينا إلى طنجة ومنها إلى فاس، حيث بقي هناك إلى أن تدخلت فرنسا لتسريحه.
وقد بقي بوعمامة الأب مناصرا لبوحمارة حيث شارك معه في الهجوم على وجدة 24/01/1905 ضد محلة السلطان، وكذا 04/07/1905، وقد رفض مرافقة بوحمارة الذي استقر سلوان، حيث بقي هو في أنكاد، وقد التزم الحياد لما احتلت فرنسا وجدة سنة 1907، وبقي ينقل السلاح إلى بوحمارة من عند الجيوش الفرنسية، وينادي بني يزناسن لمسالمة فرنسا والاستسلام لجيشها إلى أن مات في 07/10/1908.
لقد كان بوعمامة يدعي الصلاح والتقوى وباسمها كان يؤلف القبائل، وكان يكتري إبله لأحد التجار الفرنسيين الذي يؤلف منها قوافل يرسلها للتجارة مع سكان الصحراء زاعما أن بركته ستحميها من قطاع الطرق وجيوش الاحتلال، يقول العلامة الحجوي صاحب “الفكر السامي”: “كان من المضللين المشعوذين، ومن تضليلاته أنه كان يبيت نائما فتشيع زوجته وأهله أن الشيخ بات يجاهد في الكفار، ويغيث مراكب المسلمين في البحر، والحال أن الشيخ بات في فراشه لا على أفراسه، وكانوا يعمدون إلى فرسه فيجعلون بظهره وبحزامه رغوة الصابون، ويقولون هذا دليل كون الشيخ بات يجاهد حتى عرق فرسه وأزبد،.. انظر: “انتحار المغرب بيد ثواره” للحجوي، “أعلام المغرب العربي: ج2 عبد الوهاب بن منصور ص: 72-93.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *