التوصيف العدواني لتدمير الدار البيضاء (2) ذ.إدريس كرم

وقد أجاب الطريس في الرسالة المرفقة للمحلق 2، ومما جاء فيها:
“من سي محمد الطريس ممثل السلطان بطنجة إلى دوسانت أولير المكلف بالشؤون الفرنسية بطنجة، في 2 غشت 1907م، أخبرك بأن القوات الموجودة في الدار البيضاء كافية لإقامة الأمن وإعادة الهدوء، وإيقاف المتمردين، لأن هذه القوات تعرف عسكر المدينة المتواجدين هناك قبل وصول 600 رجل الذين بعثوا من هنا، والمحلة هنا برئاسة عم السلطان مولاي الأمين.
من جهة أخرى لا يمكن إخلاء مدينة طنجة، بتوجيه القوة التي بها إلى الدار البيضاء في الوقت الذي توجد به قوات تتمتع بالخبرة والثقة، في حين أن المطلوب هو الذخيرة والنقود من أجل أداء أجور المحلة، فالمسألة تتعلق بالسلاح والذخيرة والأجور.
بالدار البيضاء ممثل لوزير الدفاع لمراجعة ووضع اللازم قبل أن يتم تسوية مسألة الأجور.
خليفة الباشا سي علال بن عبو سيصل إلى الدار البيضاء في نفس الوقت من أجل مساعدة مولاي الأمين، ومحاصرة نتائج هذه المسألة، وإذا ما كان هناك تعارض بينه وبين القنصل رفع الأمر إلى طنجة وقد تقرر مراسلة مولاي الأمين لإعادة الأمن إلى المدينة وتقلد أمر القوات المخزنية للقبض على الجناة (ص196-197 رقم113).
ومما يلاحظ أن مراسلة ممثل السلطان كتبت يوم 31 يوليوز، ولكن إبلاغ الخارجية الفرنسية بها لم يتم إلا يوم 4 غشت بعدما كانت الأوامر قد أعطيت بمحاصرة الدار البيضاء، والقيام باستقدام قوات من الجزائر لاحتلالها، واتخاذ قائد البارجة كاليلي الوضع الحربي للإنزال، وتحديد يوم 5 غشت على الساعة الخامسة صباحا كوقت للإنزال، مصرحا بأنه إذا ما سمع طلقا ناريا أثناء الإنزال فإن الباخرة ستقصف المدينة، مطالبا إبقاء باب الميناء مفتوحا، وقد وافق مولاي الأمين على ذلك الفتح المستمر، بيد أنه تركه تحت الحراسة (ص9 كريسيان).
يقول بوردون (ص21): “لقد وصف كريستيان هويل مراسل جريدة المغرب السريع التي تطبع في طنجة بأن الأشغال (كانت تسير بسرعة جيدة والأمن سائد في المدينة) يتحدث عن 2 غشت ويضيف: مولاي الأمين عمل الأحسن لاستتباب الأمن.
الكومندار أولفي قائد كاليلي نزل إلى البر حيث أبلغ بأنه تم اتخاذ جميع الإجراءات لاستتباب الأمن، وفي القنصلية عقد اجتماعا تحت رئاسة نافيل الذي ساعد باقي قيادة كاليلي وبعض أعضاء المعمرين الفرنسيين، وبعض الأعيان.
نائب القنصل “ميكريت” عاد من عطلته يوم الجمعة 2 غشت، وتولى الأمور بنفسه حيث عقد اجتماعا مع مولاي الأمين لمدة ساعتين، حيث وعده بضمان الأمن في المدينة وليس خارجها لأنه لن يعد إلا بما يقدر على تنفيذه، من جهة أخرى تعاقب الأعيان على القنصلية يتوسلون رأفة الفرنسيين، بعدم قصف المدينة، مبينين أن النهاب الذين جاؤوا من خارج المدينة، هم المسؤولون عن الأحداث المؤلمة، وهم نفسهم متألمون لما وقع ومستعدون لتقديم الفدية المناسبة (ص23 بوردون).
ويضيف قائلا: “كانت كاليلي تتحرك في الميناء ولا يظهر لبحارتها إلا بياض شرفات المدينة، لقد جاءت لتعمل، تريد العمل، ماذا ستفعل بهذه الأرض اللغز الغريب التصرف؟
جاءت لبث الأمن لكن الأمن سائد بيد أن ضباطها لا يتحدثون إلا على الإنزال والقصف، قال أحدهم مشيرا إلى بانوراما المدينة: “كل هذا بإمكاننا تدميره في رمشة عين عندما نريد”.
كاليلي لم تغادر المياه الإقليمية المغربية منذ ثلاث سنوات وهي تظهر أمام أعين المغاربة قوة فرنسا وحيويتها، بحارتها يتحدثون عن العملية المقبلة كأنما تمثل اختراقا للمغرب (ص25)، والحقيقة فإن موقفهم ذلك هو موقف الديبلوماسيين الفرنسيين أيضا إن لم نقل المجتمع الفرنسي إلا ما نذر.
جاء في رسالة بعث بها وزير الخارجية الفرنسي إلى وزير البحرية بتاريخ 4 غشت 1907م: “تبعا لمحادثتي بالأمس معك أرى إثارة انتباهك إلى بعض النقط إن لم يكن لديك اعتراض عليها: أن تبعث تلغراف إلى الأمرال “فيليب”، بالتعليمات التالية:
1- يمنع على أي باخرة حربية الرسو أثناء العمليات.
2- ضمان تنظيم الاتصال المستمر بين طنجة والدار البيضاء.
3- ضمان زيارة باقي الموانئ من طرف البواخر الحربية.
4- إعطاء التعليمات اللازمة للأمرال بالتصرف وفق الحالة التي يراها مناسبة دون العودة للاتصال بالأرض، إذا لم يتم الإنزال حالا، فيتوجب على الأمرال بمجرد وصوله أمام الدار البيضاء، إصدار منشور يوضح بأن فرنسا تقليديا تحترم الدين الإسلامي، ولن تسمح بإصابته بأية أضرار.
5- الأمر باستقبال موظفي قنصليتنا الأجانب الآخرين إذا لم يجدوا مكانا في بواخر أخرى.
6- أن يتخذ الإجراءات اللازمة بأن لا يكون الإبحار سببا في أضرار جديدة للأوربيين.
7- الأمر بالتنسيق مع الجنرال “درود” لتمثيل فرنسا بالدار البيضاء، واتخاذ ما يلزم لنجاح العملية (ص298 رقم357).
وقد اتخذت هذه التدابير رغم أن المخزن قام باتخاذ ما يلزم مباشرة بعد الحادثة، وقد بين ذلك المكلف بالشؤون من طنجة في رسالة إلى وزير الخارجية في فاتح غشت 1907، جاء فيها: “مواطنونا شديدو الإحساس بتدابير الحكومة التي ينتظرونها بلهفة آملين أن توفر لهم حماية حقيقية ودائمة، متطلعين لأن تكون من فرنسا.
الطريس المكلف بالشؤون المغربية طلب بإرسال تعزيزات للدار البيضاء واقترح نفس ما انتهينا إليه في هذه الأثناء.
المسؤولون المغاربة حاولوا إرسال شخصين إلى هذا الميناء في مهمة لتشكيل حامية لمساعدة العناصر المتواجدة في عين المكان، وسيبحران هذا المساء مع أسلحة وذخيرة ومال مخصص لأداء الأجور، وهما المكلفان بهذه المهمة، علما بأن العامل والباشا والمواطنين والجنود المغاربة عملوا جميعا من أجل ضمان أمن المعمرين وممتلكاتهم بشهادة ما سلف.
وفجأة تحرك بحارة كاليلي وبدأ إنزال الزوارق إلى الماء، ثم إركاب الجنود فيها، وفكها من البارجة، للإبحار إلى الشاطئ.
أحدهم قال للبحارة متسائلا: كيف، لماذا تم الإنزال، هل جننتم، أجاب القبطان، سيدي فرنسا ليس لها إلا كلمة واحدة، لقد قلنا بأن الإنزال سيتم على الساعة الخامسة ونزلنا.
كان هناك عشرون مغربيا على الجانب الرملي من الميناء، بعضهم ساعد البحارة على الخروج من الزوارق، الذين تشكلوا بعد نزولهم على الأرض أربعة صفوف…
البنادق على الأكتاف إنها نزهة هادئة.. إلى الأمام، البحارة تسلقوا القنطرة المؤدية لباب المرسى التي كانت بوابتها مفتوحة، ولما تقدموا للداخل أخذت البوابة تغلق، ثم دفع المزلاج، “بلاند” قائد الفرقة كان قريبا من الباب، فوضع رجله في فرجة الباب قبل إغلاقه، ودفعه بكامل قوته، طلق ناري أصاب يده وسقط سيفه، واستمر في دفع الباب آمرا الجنود للاستعداد لإطلاق النار، واستخدام الحراب، واقتحام البوابة، وتم ذلك تحت وابل نيران المغاربة، حيث تم قتل عدد منهم وفتح البوابة والاتجاه نحو القنصلية، تحت إرشاد مترجمها الزاكوري، وهم يطلقون النيران في كل اتجاه (ص10-11 هويل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *