الفرنسيون يرفعون الحصار عن فاس ويحتلون مكناس الأستاذ إدريس كرم

من «دوبيليي» إلى وزير الخارجية، طنجة 31 ماي 1911:
“بعث لي الجنرال «موانيي» يوم 25 ماي، بالبرقية التالية:
هذا الصباح 25 ماي، بعثت البريكادي «ديبازي»، أما الكولونيل «كورو» فسيصل غدا صحبة 1700 جمل وفصيلة بطريات، وثلاث فرق؛ الجديد عن الكولونيل «كورو» أخبر بمهاجمته يوم 19 بالقنيطرة من طرف «بني احسن» و«زمور»، كما هوجم في «مشرع بن دزو» من طرف «زمور» و«كروا» و«بني احسن»، وقد واصلت قافلتنا التموينية طريقها بعدما خسرت ستة قتلى، وهو كل ما استطاع أعداءنا فعله” ص: 314، رقم: 326.
وفي رسالة أخرى من «دوبيليي» إلى وزير الخارجية، من طنجة في 31 ماي 1911:
“هذا هو جديد ما وصل من فاس يوم 26 ماي:
الكولونيل «كورو» يتقدم سعيدا في فج «زكوطة»، وقبل الأمس 24، من الساعة الثامنة إلى الثالثة مساء، تكرر هجوم المتمردين من مرتفعات «اولاد ادليم» المجاورين لمرحلة «دوار بوقشوش»، حيث خسرنا ستة جرحى، بينما ترك الأعداء 20 جثة.
أمس 25، تعرضنا لهجوم ثان من سكان جبال «الزراهنة»، خاصة «بني عمار»، حيث امتدت المعركة إلى قنطرة مكس.
المنضمون للبريكادي «ديبازي» الرسول من فاس، سهلوا لنا الحركة طيلة المرحلة” ص: 314.
وفي مراسلة رقم: 328 ص: 315، كتب «دوبيليي» لوزير الخارجية يقول:
“بعث لي «كيار» بمراسلة بتاريخ 26 ماي، جاء بها:
السلطان قرر إلغاء توجه الوزير الكبير إلى مكناس حتى إشعار آخر، مولاي حفيظ أرجع عدم اتخاذ أي قرار إلى حين عودة «رونو» لفاس، لكن الوزير الكبير أكد رفضه تقديم الحساب عما توصل به من القبائل طيلة سنتين لبيت المال.
مولاي حفيظ ترك حرية التصرف للكلاوي، وحرية تصرفه في أملاكه الشخصية عكس ما فعل مع عدد من الملاك المقبوض عليهم من قبله، وطلب منه القدوم عليه ليتباحث معه لإيجاد الحلول لذلك.
أتمنى أن يجد الجنرال «موانيي» في تلك الوضعية ما يسهل له الكثير من مهمة التهدئة؛ من الآن فصاعدا سنتخلص من لوم يأتي مساندا للنظام الذي جعله مكروها بسبب قنابله وعنفه”.
من «دوبيليي» إلى وزير الخارجية، طنجة 31 ماي 1911:
“جوابا على تعليمات الحكومة، الجنرال قائد قوات الاحتلال طلب مني إخباركم بما يلي:
أولا: البعثة رفعت الحصار عن فاس بصفة تامة يومه، كل الجهود الآن مركزة على رد قصور القوات الشريفة لتغطية المدينة والدفاع عنها.
أواصل إقامة المواصلات مع الموانئ، بدأت بتدعيم وتوطيد خطوطي بمراكز بريدية على طريق طنجة.
ثانيا: اتفاق تام مع قنصلنا، ألتزم فيه بالحفاظ على استقلال وسيادة السلطان، حريصا على التطبيق الدقيق في سعي المسؤولين العسكريين ليكونوا رهن إشارة الاتفاقات الدولية.
ثالثا: أنا متقيد بإظهار أننا لا نقوم باحتلالات جديدة.
لم تدخل أي قوات إلى فاس حتى الكوم، العسكر أقام في «دار الدبيبغ» في وضع يسمح له بمراقبة المدينة لكن على بعد 3 كلم.
رابعا: المفاوضات مع القبائل والقواعد السياسية، التي كانت موضوع المباحثات المتقدمة، حددت تجنب اتساع للعمليات العسكرية، لكن سيكون من الخطير توهم عقلية الخاضعين الذين يريدون الانتظار في ضواحي فاس حتى ينقذوا محصولهم الفلاحي، في حين أن القبائل البعيدة قدروا أنهم بمنأى عن موقع المعارك، فبقوا يُسَيرون ضدنا تجمعاتهم لمهاجمتنا.
خامسا: تدخلي في مكناس سأعمل على أن يكون أطول ما يمكن، وذلك من أجل فتح الطريق إلى الرباط عبر زمور، من أجل تسهيل هذه العملية طلبت من المسؤولين في الشاوية بدفع مراكزهم المؤقتة في زعير لردع زمور ورد اعتداءاتهم المستمرة على مواقع خطوطنا الأطلسية.
سادسا: سنعمل على تقوية بعثتنا العسكرية، وقد درست مع رئيس البعثة وقنصلنا تلك الأساليب، خاصة ما يتعلق بالمسلمين والمتطوعين المغاربة” ص: 316، رقم: 329.
احتلال فاس في نظر الإقامة العامة سنة 1922
في سنة 1922، أصدرت الإقامة العامة الفرنسية بالرباط كتابا تحت عنوان «عشر سنوات من الحماية» جاء به في ص: 93:
“في ربيع 1911، عملنا على تحقيق المرحلة الثانية لاتفاقية «سوق دبدو» حيث فتح من طرف الجنرال «طوطي» إثر عملية تمركز في ملوية لإقامة مركزين جديدين لحماية «مرادة» ومعسكر «بارطو»، حيث وضع هناك 12000 جندي، هذه القوة المتجمعة على ضفة نهر ملوية تم تهيئتها للزحف إلى فاس لرفع الحصار عنه بعد اختراق نهر ملوية، لكن الإسبان أصروا مؤخرا بأن لا تمر تلك القوات عبر تازة، بحجة استخدامها الطريق الشمالية المارة بمنطقة نفوذها، مما يجعل تلك المناطق مسرحا للعمليات الحربية بين القوات العابرة والسكان المقاومين لها، وقد هددت إسبانيا باحتلال العرائش والقصر الكبير فورا إذا ما تم تنفيذ مخططنا.
ومن أجل عدم إهانة إسبانيا، أمرت الحكومة الفرنسية قواتها بالتوجه نحو الغرب في خط سير أكثر طولا، بحيث يزيد عن الأول بـ55 كلم، مخترقا قبائل ذات مقاومة أكثر جدية، وقد توقف كولون «طوطي» أمام حاجز نهري صعب عليه اجتيازه طوال شهر ماي 1911، متكبدا خسائر فادحة من جراء ذلك التوقف والمقاومة فاقت ما تعرض له كولون «موانيي» الذي خاض عشرات المعارك في طريقه إلى فاس.
في هذه السنة 1911، حقق الاحتلال الفرنسي انتشارا ضخما غير متوقع، يجب الاعتراف بأنه تم بفضل عزمنا على وقوعه، رغم الصعوبات الجمة التي أوجدها تولى مولاي حفيظ العرش، بعد خلعه أخيه الذي عيب عليه تمكينه للأجانب بالمغرب وانحيازه لمخططاتهم، في حين أن مولاي حفيظ كان مع كارهيهم مؤاخذا على أخيه توقيعه على التزامات للأجانب ضد مصالح البلاد، مما جعله يتعهد بالقيام لمواجهة الأوربيين والقوى الكبرى.
وقد التزمت فرنسا وإسبانيا للقوى الأوربية بأن تخضع في تصرفاتها لعقد الجزيرة وكل الاتفاقات والالتزامات المالية المبرمة مع المغرب، لكن في مواجهة تنامي غزو الأجانب حيث كان الفرنسيون بالشرق والغرب والجنوب الشرقي، والإسبان في الشمال، صارت مواقف مولاي حفيظ دون فائدة، سواء اتخذت ضد المتمردين المعارضين له، أو التي يتخذها بناء على رغبة ألمانيا، مما جعل الأخيرة تقوم بقنبلة «أكدير» بعد دخول «موانيي» فاس، أو الذين هم ضد دخول النصارى، فيدعمون عرشه ليقود ثورتهم لتحقيق ذلك الغرض، وأحسب أن كلمة «زوني ميل» تعبر عن الوضع الذي كان فيه، وهو قوله بأن عهده كان «عهد الغموض المتعذر وصفه، والعجز المثير للسخرية»، وهو مخالف لما كان يتوهم في باريس دون أن يكون لهم أساس في ذلك.
في ربيع 1911، أدى عدم كفاية مساعدتنا العسكرية للمخزن إلى أن اتخذ الخارجون عنه عدة مواقف جعلتنا نتدخل بشدة ضد الثوار مرة أخرى، بسبب قوة الأشياء التي حددت عملياتنا المباشرة في طريقة غزونا.
يوم 28 مارس، حاصرت قبائل «اشراردة» كافة النواحي المجاورة لفاس، ولم يكن مع مولاي حفيظ سوى 2800 رجل من القوات الشريفة المكونة من طرف ضباط البعثة الفرنسية، جزء منها هزم جنوب العاصمة وردوا لداخل الأسوار.
يوم 26 ماي، وصل «كورو» إلى فاس، قائدا قافلة ضخمة دون أن يتكبد خسائر في طريقه؛ المعمرون الأوربيون تم إنقاذهم، لكن كولون الحماية لم ينته من عملية التعامل مع بقايا المتمردين، ودون إضاعة الوقت فبمجرد الوصول بدأت العمليات يوم 29 صباحا، لإعطاء الإشعار للعاصمة والقبائل المحيطة بها، التي لم تُلقِ السلاح بعد، بأن العمليات ضدها ستتواصل، ففي يوم 5 يونيو بدأت معركة على جبهة طولها ما بين 6 و7 كلم، على الساعة السابعة صباحا، وانتهت في الساعة الثالثة زوالا بتشتت عصابات «بني امطير» و«آيت تيوسي» على طريق صفرو، ويوم 8 منه وقعت معركة قاسية مع طليعة قواتنا وفرسانها عند اقتحام مدينة مكناس، حيث استسلم المدعو مولاي الزين دون شروط”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *