زعير تواجه الغزو الفرنسي

كتب “لوكليرك” في مجلة إفريقيا الفرنسية تحت عنوان: “الوضع السياسي وعواقب العمل الحسن”، في 18 فبراير 1909م: “أهلي من أصل سلامنا ناحية أعالي زعير والشاوية، ثبتت مسؤوليته عن جريمة قتل داخل حدود زعير والشاوية، فألقي عليه القبض من طرف القوات الفرنسية، وسجن في معسكر بولهوت، وفي ليلة سجنه هرب ليلا إلى ناحيته بسلامنا، فأمر القبطان “فلاي سانت ماري” الليوطنا “موي” بملاحقته وتتبع آثاره في مفرزة من الكوم التي نظمها على ثلاثة مجموعات، توجهت كل واحدة إلى جهة، وقد وصل هو في صحبة حوالي عشرين من الخيل إلى أحد الدواوير القريبة من عين فوزر وأمر بتفتيش الدوار.
أحد فرسان الشاوية الذي كان يتهيأ لهدم خيمة ظن أن الشقي اختفى فيها تعرض لطلق ناري جاءه من الخلف، فسقطت الخيمة عليه وقد اشتعلت فيها النيران، شاهد الليوطنا “موي” الجاني فأرداه قتيلا بطلقة من مسدسه.
طلق آخر من بندقية أصاب رأس الليوطنا أرداه قتيلا، فاضطرب الكوم المرافقين تباعا، وبعد أن أبعدوا سكان الدوار، رجعوا إلى مكان الحادثة وتجمعوا، ثم قصدوا المعسكر حاملين جثتي ليوطنا “موي” والكومي القتيل.
القبطان “فلاي سانت ماري” ذهب بعد ذلك للبحث عن القتلة، لكن بعدما وصل إلى عين فوزر تبين له أن مجموع الخيام التي كانت تكون الدوار على بعد بضع ساعات من الموقع قد رحلت، وبين التحقيق السريع الذي أجري بأن هناك مؤامرة دبرت من مدة في سلامنا بفضل تدخل متعصبين مختلفين ضد الفرنسيين من زعير؛ خاصة الشريف مرشانشي الذي كان في عين فوزر في الوقت الذي قتل فيه الليوطنا “موي”، عندما أبلغ الجنرال “موانيي” بالحادث زحف في 28 فبراير 1910م إلى ذلك المكان حيث عسكر هناك، وبدأ يباشر منذ تلك اللحظة الاتصال بالمواطنين والقياد وشيوخ الناحية وممثلي سلامنا وبني عبيد الذين لم يتوانوا في إبداء طاعتهم.
وفي فاتح مارس 1910م صباحا غادرت طليعة من الكوم عين فوزر حيث المعسكر إلى الشمال الشرقي لبضع كيلومترات على ضفة واد كريفلة في حذر شديد، حيث وصلوا قصبة مغشوش التي فتشوها إلى أنهم فوجئوا بنيران كثيرة من دواوير ولاد كريفلة حيث خاضوا معركة هناك انتهت بتراجع مقاتلي زعير، بعدما تركوا عشرات القتلى وأعداد من الجرحى، وقتل ضابطي صف فرنسيين و13 كومي جرحى، وتعتبر هذه أول معركة خاضها كوم الشاوية منذ تأسيسه، وقد التحق بهذه الطليعة الجنرال “موانيي” في قوات كبيرة ومدافع حيث تم تطويق واد كريفلة لمدة، ثم تركها وعاد إلى معسكره بعين فوزر، وأرسل مرة أخرى 80 فارسا إلى زعير لإحضار المتهمين بقتل الليوطنا لكن هذه الكتيبة تعرضت على بعد كيلومترات من الرباط لهجوم شرس بالحجارة من طرف الزعريين مما جعلهم يفرون تفاديا للقتل.
وفي 9 مارس حاولت جماعات من زعير مفاجأة القوات المرابطة في عين فوزر، لكنها ردت من غير أن تسجل خسائر في قوات المعسكر.
لقد بدأت الشاوية تتعاون مع “موانيي” وتقدم له المساعدات، لدرجة أن الزيايدة قدموا له فرسانا شاركوه في الهجوم على زعير، وهذه ليست نتيجة سهلة كما عبر عنها المراقبون بالنسبة لسياستنا، ذلك أن هؤلاء الذين كانوا أعداء لنا من سنتين أصبحوا لنا معينين ومساعدين” (ص:105-106).
وفي نفس الموضوع نشر في جريدة السعادة الموالية للاحتلال عدد:359 بتاريخ 25 فبراير 1910م: “توجه الجنرال “موانيي” مع ألف من العسكر إلى أطراف زعير في طلب قتلة الليوطنا “موي”، ولسوف يطلب من القبيلة أن تسلمه القتلة، ويأمل أن القبيلة لا تحوجه للضغط عليها لينال طلبه”.
وجاء في العدد:360 بتاريخ 1 مارس 1910م،: “ظهر من التحقيق في زعير الذي أجرته إدارة جيش الاحتلال في الشاوية عن مقتل الليوطنا “موي” أن الأسباب راجعة إلى تحريش المتنسك المشوشي، فهو الذي حال دون تسليم القتلة وحرش قبيلة زعير على المقاومة، والمشوشي زعيم زاوية وله أعوان وتلاميذ وفقراء، أما الجنرال “موانيي” فقد اقتفى أثر القتلة، وعسكر حول وادي شمعة بالقرب من رحى العنز”.
وفي عدد:363 بتاريخ 11 مارس 1910م، كتبت: “الجنرال “موانيي” في زعير؛ فصلنا للقراء فيما تقدم من الأعداد كيفية قتل الليوطنا “موي”، وزحف الجنرال “موانيي” على قبيلة زعير طلبا بثأره من قاتليه، وكنا نظن أن تلك القبيلة لا تتهور وتندفع بعوامل الجهل إلى مناصبة الجنرال القتال، والمظاهرة بالمكابرة والانحياش إلى بعض السفهاء، لا سيما وأن المخزن بعث لها بواسطة عامل ثغر الرباط ينهاها عن مقابلة الجنرال بالعدوان ويأمرها بإلقاء القبض على القتلة، ودفعهم إلى يد العدل ليقتص منهم، لكن هو الجهل وهي الغباوة وأنفة كبرياء، يضيع عنده الحزم والتأني، حيث قد لعبت نشوة العصيان في رؤوس بعض دشارات تلك القبيلة فتجمهر فيها الجماهير وتأبطوا السلاح وهاجموا معسكر الجنرال النازل في أطرافهم على حدود الشاوية، فقابلتهم الجنود الفرانساوية بالقنابل والحراب، ومزقت شملهم، وردتهم على أعقابهم، ولا نعلم إذا كان هؤلاء يرجعون إلى الهجوم أو يعتبرون بما حلّ بهم.
فإذا كان الأول فسوف يسوقون على بلادهم؛ نارا آكلة تخبرهم الشاوية عنها الخبر اليقين، وإن جنحوا للسِّلم صادفوا من الجنرال وجموعه أصدقاء أقوياء قادرين على فعل الخير كما مقدرتهم على مقابلة الشر بالشر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *